العدد 4417 - الجمعة 10 أكتوبر 2014م الموافق 16 ذي الحجة 1435هـ

الشعر وبقاء تقاطع الأزمنة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في خريف العام 1983؛ أي قبل 31 عاماً، نشرت مجلة «كلمات» التي تصدرها أسرة الأدباء والكتّاب في البحرين مقالاً للشاعر والأكاديمي المغربي محمد بنّيس، حمل عنوان «شيء عن تقاطع الأزمنة، جاء في مقدّمته «لم يكن الشعر أن يتحقّق كفاعلية تاريخية، اجتماعية، واستقصاء للوجود والموجودات، خارج المواجهة. ونحن الآن نعيش تعدُّد الأزمنة: الزمن الإسرائيلي - الأميركي، وزمن الاستبداد العربي، وهما معاً يتقاطعان مع زمن أسئلة التحرُّر، هنا أو هناك، والشعر يعلن هذا التقاطع، فيما يحاصر نفسه».

لم يتغيّر شيء من ذلك التقاطع. ظلت الهيمنة، إلى يومنا، للزمن الإسرائيلي - الأميركي، وظل وحش الاستبداد العربي ينمو أكثر من أي وقت مضى. حاول الربيع العربي منذ العام 2011 أن يحدث فجوة في جدار الزمنين. أن يعلو فعلُه هذه المرة، بدل علوّ صوته الذي لم يقدّم أو يؤخر طوال عقود من استمراء الاستبداد لممارسته، والهيمنة لتمدّدها في أشكال وصور وعناوين شتى!

ليست «أسئلة التحرُّر» وحدها التي تحدّث عنها بنّيس ظلّت معلّقة، ليس لأنها لا تشترط إجابات عليها كي تكون محفّزة ومستفزّة لعدد من الذين بدؤوا تجاربهم الإبداعية، أو أولئك الذين استوت تجاربهم؛ عدا بعض الذين تواطؤوا مع الزمنين ضد الإنسان والوجود. الواقع نفسه والزَمنان ظلّا معلّقين؛ بل ظلّا بمثابة مشنقة منتصبة يُرسل إليها كل الذين يحاولون الخروج على ذلك الواقع وعلى الزمنين.

وفي زمن الشعر تحديداً، لا يمكن معرفته ما لم يتسلّم الشعر مساحة كبيرة من المبادرات. ضمن مبادرات تقوم بها أشكال ومضامين إبداعية أخرى، وهي مبادرة يُضفي الشعر من خلالها طريقة وأسلوب نظر. يكفي أن يكون قادراً في بيئات مستقرة وغير مستلبة على أن يقترح صيغاً من وأساليب في العلاقات، والكف؛ أو على أقل تقدير تأجيل أو تحييد الأذى. ثمة جماليات كبرى يبثها وينثرها الشعر في تفاصيل الزمن الذي يحياه الناس. يعمل على استدراج التوحش فيهم وفي زمنهم إلى مساحات نفي وإبعاد؛ قد يعود أدراجه إلى حيث كان؛ لكن سطوته وتغلغله سيكونان أقل أثراً واحتواء لكل أولئك.

وبين الزمنين، الإسرائيلي - الأميركي، وزمن الاستبداد، ذلك التحدي السافر لإنسان لا تتطابق جينات حقه في الوجود مع مواطني الزمن الأول، ومواطن لا يمتثل لسطوة استبداد الزمن الثاني، وحقه في وطن صرْف غير مرتهن للنزوة والجشع وإدخال كل شيء ضمن الإرث، في مقابل زمن الشعر بكل قدرته على المقاومة النبيلة، والأخذ بالوعي إلى مجاله الحيوي الذي يعيد رسم تقاطعه مع كل أولئك.

في زمن الاستبداد العربي، اللصيق والمتآخي مع الزمن الإسرائيلي الأميركي؛ تتقلص مساحة كبرى من زمن الشعر، وهذه المرة بالوكالة عبْر أصوات تأخذ بجزء من المشروع الشعري العربي إلى هاوية الدفع والقبض، بتحول أسماء كانت كبيرة، إلى متحدّثة غير معيّنة باسم إنقاذ الزمن والشعر والناس من مشاريع هي على النقيض بتقديمها مبادرات ومقترحات جمالية تخفف عبء البشاعة والقبح السائد في تفاصيل لا تحصى في جغرافيات الاستبداد وزمنها؛ فيما تلك الأسماء تشتغل في الاتجاه المعاكس من ذلك. هذا التواطؤ والزواج اللاشرعي أفرز إحباطاً وانفصالاً اليوم بين الجمهور النوعي والمشاريع الشعرية النوعية.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4417 - الجمعة 10 أكتوبر 2014م الموافق 16 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً