العدد 4425 - السبت 18 أكتوبر 2014م الموافق 24 ذي الحجة 1435هـ

محنة الحقوقيين في البحرين

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

مع الاستفتاء على الميثاق في 14 - 15 فبراير/ شباط 2001، والخطوات الانفتاحية على المعارضة والمجتمع المدني، انفتحت أمام الحقوقيين البحرينيين بمن فيهم أولئك الذين كانوا صامدين على أرض الوطن طوال ثلاثة عقود من «أمن الدولة» أولئك الذين اضطروا للعيش في المنافي وحملوا معهم مهمة وهموم الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين، فرصة تاريخية للعمل في إطار الشرعية وبشكل علني ودون خوف.

وهكذا جرى الترخيص للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان في 28 فبراير 2001، بعد أن ظلت تعمل لعام دون غطاء شرعي. كانت تشكيلة الهيئة الإدارية للجمعية تعكس طيف التركيبة للنخبة البحرينية الواعية ويجمعها الهمّ الحقوقي. وقد انضم الحقوقيون العائدون من المنافي (ومنهم أعضاء اللجنة البحرينية لحقوق الإنسان والمنظمة البحرينية لحقوق الإنسان وكلتاهما مسجلتان في الدنمارك) إلى عضوية الجمعية. بل إن لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين، قد عمدت إلى استبدال عضويتها في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، بعضوية الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وعمدت لجنة تنسيقها إلى إيقاف عمل اللجنة وحث الأعضاء على الانخراط في الجمعية.

ولقد اكتسب العمل الحقوقي زخماً مهماً في ظل هامش معقول من الحريات، واندفاع الحقوقيين وضحايا المرحلة السابقة، والجمعيات السياسية والمجتمعية وعموم أبناء الشعب، لمعالجة ملفات متراكمة من الماضي تضم مروحة واسعة من القضايا ومنها المشاركة السياسية، ومشاركة المجتمع المدني، وتشكيل النظام السياسي والإصلاحات المطلوبة، ومعالجة تركة العهد الماضي سواء بفتح ملفات الانتهاكات، أو إنصاف الضحايا، في إطار ما يعرف بالعدالة الانتقالية ووضع حد للسياسات السابقة مثل الإفلات من العقاب، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، والمحاكمات الجائرة والنفي، والتمييز والتسريح القسري، وشهد المجتمع حراكاً لا سابق له في مختلف الاتجاهات وعلى مختلف الأصعدة، سواء بالتدريب والتأهيل على حقوق الإنسان، أو عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل، أو فتح الحوارات إلى جانب الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، فقد تشكل مركز البحرين لحقوق الإنسان في العام 2012 كما بادرت مجموعات مختلفة إلى تشكيل لجان، مثل لجنة ضحايا التعذيب، ولجنة أهالي الشهداء، ولجنة العائدين إلى الوطن، ولجنة عديمي الجنسية وغيرها، ورغم أنها غير مرخصة، إلا أن السلطة لم تتعرض لها، وتعاطت معها كأمر واقع وفي هذه الأجواء فقد كان هناك انفتاح وتعاون ما بين الجمعيات واللجان الحقوقية مع الوزارات والجهات الرسمية المعنية مثل العمل، والتنمية الاجتماعية والخارجية والداخلية، والعدل، بل إن هذه الجهات شاركت في ورش عمل لمنتسبيها مع الحقوقيين نظمتها الجمعية أو المركز بالتعاون مع منظمات عربية مثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان، والمعهد العربي لحقوق الإنسان، واللجنة العربية لحقوق الإنسان أو دولية مثل فريدوم هاوس، وهيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية والفيدرالية الدولية، وامتد ذلك إلى منظمات الأمم المتحدة مثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

ويمكن اعتبار زيارة المفوض السامي لحقوق الإنسان ماري روبنسون البحرين في يناير/ كانون الثاني 2002، واجتماعها مع القيادة السياسية وكبار المسئولين وممثلي المنظمات الحقوقية البحرينية، علامة بارزة في هذا التوجه البناء.

شهد نهاية عام 2004، حل مركز البحرين لحقوق الإنسان وانتقال بعض قياداته إلى الصف الحكومي، وتخليهم عن رفاقهم في محنتهم بحل المركز واعتقال أهم قيادييه عبدالهادي الخواجة، إثر ندوة عن الفقر في نادي العروبة في سبتمبر/ أيلول 2004، واستنفار الصحافة، والمؤسسات الأهلية الموالية في حملة ضارية ضده، وضد المركز.

يمكن اعتبار العام 2005 عام التحول الملحوظ في توجهات الدولة لكن هذا التوجه من الدولة، تغير كما تغير تعاطيها مع القوى السياسية المعارضة، فمع مرور الزمن، عمدت الدولة إلى احتواء العمل الحقوقي المستقل ووضع الضوابط والقيود على عمل المنظمات والشخصيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام. وإذا كان قد جرى عدم تفصيل القوانين القديمة سابقاً، فقد بدئ بتفعيل القوانين التعسفية، ومنها قانون الجمعيات والأندية، وقانون التظاهر وقانون العقوبات.

وفي الجانب الآخر فقد جرى تفريغ العديد من المنظمات الأهلية ومنها الحقوقية ودعمها رسمياً في مواجهة المنظمات الحقوقية والمجتمعية المستقلة. وتراجع كثيراً التعاون الرسمي مع المنظمات الحقوقية المستقلة إلى ما يشبه القطيعة وعرقلة أعمالها.

شهد العام 2006 الكشف عن التقرير المثير للجدل والذي كان يجري العمل بتنفيذه وأحد أهدافه تجريم العمل الحقوقي المستقل وتسويغ انتهاكات حقوق الإنسان وقد أثبت مؤتمر العدالة الانتقالية الذي نظمته الجمعيات الحقوقية في 26 يونيو/ حزيران 2006 الموقف الرسمي بالإنكار الرسمي الحازم للعدالة الانتقالية.

انشغلت المعارضة بخوض انتخابات 2006 عما يجري على الأرض من تنفيذ حثيث للتقرير المثير للجدل، ورغم توعدها بطل التقرير بالاستجواب في البرلمان، إلا أن ذلك لم يتمخض عن أي نتيجة بسبب تركيبة البرلمان ومحدودية صلاحياته، وتسارعت وتيرة تنفيذ المخطط كما شهد عام 2006، إعداد وزارة التنمية الاجتماعية مشروع قانون منظمات المجتمع المدني، والالتفاف على المشروع البديل الذي اقترحته المنظمات المجتمعية المستقلة ومقترحات المركز الدولي للقانون غير الربحي (نيويورك)، الذي استعانت به الوزارة بدعم أميركي.

استمرت حالة المراوحة ولكن نحو الأسوأ حتى وصلنا إلى عام 2010، حيث بدأت الحملة فعلاً على المنظمات والشخصيات الحقوقية المستقلة، وذلك بزجها في قضايا مفتعلة مثل قضية الحجيرة، وأدى ذلك لاعتقال حقوقيين ومدونين إضافة إلى شخصيات معارضة معروفة. أضحى اعتيادياً قمع المحتجين بقسوة، وعودة ممارسات الماضي، وفيما عدا عملية المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان بدءاً من يونيو 2008، والتي لم تتعدَّ عمليات شكلية مثل عقد ورش عمل وتدريب وندوات ومشاركة شكلية للمنظمات الحقوقية، فإن مجمل العملية كانت محاصرة العمل الحقوقي المستقل، وإبراز العمل الحقوقي الشكلي. لكن المحطة الفاصلة كانت في الحراك الذي انطلق في 14 فبراير 2011 حيث انطلقت طاقات هائلة من منظمات وجمعيات ولجان وشخصيات في إطار الحراك الجماهيري الواسع، وبعدها كانت هناك تحديات أخرى.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4425 - السبت 18 أكتوبر 2014م الموافق 24 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً