العدد 4426 - الأحد 19 أكتوبر 2014م الموافق 25 ذي الحجة 1435هـ

«السوبر تخلّف» والقوانين وحداثة الأشياء!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

تبدأ هذه المقالة باستعارة عنوان الشاعر والكاتب والباحث في الفلسفة حسن عجمي «السوبر حداثة في مواجهة السوبر تخلّف»؛ حيث يعمد في أكثر من وجْهة، إلى تفكيك المفاهيم والظواهر والحقائق وحتى الأشياء بالنظر إليها ضمن زمنين: التاريخ (الماضي) والمستقبل، وهو بذلك يشخّص حقيقة وأوضاع الراهن/ الحاضر بذلك التماس معهما.

لنبدأ بهذا المدخل «بالنسبة إلى السوبر مستقبلية، التاريخ يبدأ من المستقبل. هذا يعني أن الظواهر والحقائق والأشياء محدّدة فقط في المستقبل؛ ولذا لابد من تحليل المفاهيم المختلفة من خلال مفهوم المستقبل. لذا السوبر مستقبلية هي المذهب الفلسفي الذي يحلل المفاهيم من خلال المستقبل».

«التاريخ يبدأ من المستقبل». ذلك ما يجب أن يكون عليه واقع الحال. (في مواجهة التخلف. أي تخلف، لا يمكن التماس شواهده توجهاً إلى المستقبل). في التفاتة لا تحتاج إلى جهد، ما الذي نراه؟ ما هو واقع الحال؟ ما هو السائد؟

المستقبل هو التاريخ! هل نتجنّى بذلك الذهاب العكسي للمقولة؟

لا بأس. لنتتبّع الظاهر من مسار الأمة اليوم وأمس القريب. أقول الظاهر لأن المسار نفسه لا عمق فيه البتّة.

أمة تحيا وتعيش وتريد أن تتواءم وتنسجم مع العالم باتكائها على تاريخ لم تصنعه هي، بل صنعه آباؤها. الآباء في ذمة التاريخ اليوم؛ في الحُسنى والإساءة مما أنجزوه. مثل ذلك الاتكاء يتحول مع مرور الزمن إلى حالة مرَضية لايريد أصحابها استيعاب أن المرض ذاك، لن يحقق الأقل من القدرة على مجاراة البسيط والعادي من حركة العالم اليوم.

أمة ترى مستقبلها في الإقامة في التاريخ الذي لم تصنعه، ولم تكن لها يد طُولى في تفاصيله، باستثناء الامتداد الوراثي لأولئك الذين صنعوه، تصرّ أيضاً وفي حال مرَضية على أنها خلقت للمستقبل الذي سيكون في خدمتها وقائماً على ما تريده هي من شروط؛ إذ لا شروط للمستقبل قبالة ذلك الوهم!

ظاهرة الذهاب العكسي، والتعاطي العكسي مع مقتضيات وشروط الدخول إلى المستقبل، أو على أقل تقدير، شروط التمهيد للدخول إليه، هو ما يصنع اليوم هذه الكُتل البشرية التي تمثل اليوم عالة كبرى على الوجود والعقل البشري والإنجازات المذهلة التي يحققها ويقف عليها ويكتشفها مع كل جزء من الثانية، تلك التي لا يفرّط فيها، في حركة دؤوبة في المعامل والمختبرات، والمصانع، والمناهج، وموازنات ضخمة للأبحاث والتجريب الذي لن يتوقف وإن فشل بعد إنفاق مليارات الدولارات عليه.

يرتبط ذلك في صورة أو أخرى، بالقوانين. الهدف الأول من القوانين، هو تنظيم حياة البشر، وإن بدا أن جانباً من تلك القوانين تحد نوعاً ما من حرية البشر، ولكن ذلك الحدَّ والشعور به ينمحي مع ظهور ذلك التنظيم مع مرور الوقت. لدى الآخر، القوانين تذهب في ذلك الاتجاه. إنها تصنع المستقبل، وتنتشل الناس من تأخرهم في التشريع إلى تطوره، والذي به تتطور حيواتهم.

في الشرق الأمور معاكسة تماماً، يتم وضع القوانين، وفي كثير منها للحد من حرية الإنسان تحت عنوان تنظيم حياته، فلا الحياة انتظمت، ولا الحدّ من تلك الحرية سيؤتي ثماره لمصلحة من وضع تلك القوانين.

خذ مثلاً، موجة القوانين التي ترمي إلى الحد من الإرهاب، في تعريف مطاطي وهلامي له، ويدخل في ذلك أبسط حق يمكن لإنسان أن يمارسه: الاحتجاج/ التظاهر/ النقد، فلا القوانين تلك نظّمت الحياة، ولن يقبل الإنسان تلك المباشرة في الحد من حريته. سيتحايل على كل ذلك، والحالة ليست عامة؛ إذ هنالك من ارتضى، ويرتضي الركون والانسجام مع كل ما يمكن أن يضيِّق الخناق عليه وعلى حريته، ومن ثم وجوده.

هذا الارتباط بين القوانين وتنظيم الحياة، وإن اكتنف البدايات ما يشبه الحد من الحرية، هو الذي يجعل بشر تلك الحياة على ارتباط بما يضاعف التنظيم، واستخراج الطاقات الكامنة فيها، بتوافر الحوافز والوقوف على النتائج المبهرة.

لذلك علاقة بحال الاحتقان الذي يكتنف حاضر الإنسان في الشرق، بفعل كل ذلك، وانشغاله بالخروج من تلك الدوامة والمجهول الذي لا علامة في الأفق على معلومِه، وبالتالي يصبح من السخرية والعبث أن تحدّثه عن المستقبل، وإن ظل في أغلب راهنه لا ينفك عن الارتباط بالماضي (التاريخ)، ولو لم يكن له نصيب فيه.

وبالعودة إلى عنوان وموضوع المقال، هل الحداثة في الأشياء... في الظاهر؟ هل تستطيع تلك الأشياء من زاوية استهلاكها اليوم؛ لا إنتاجها أن تجعلنا على تماس وانتماء مع حقيقة تلك الحداثة، بما تعنيه من انشغال بالمستقبل، ومحاولة الخروج على ما تم إنجازه، إلى ما لم يُنجز بعد.

ضمن الواقع المعاين اليوم، يتبدّى لنا ومن دون مواربة أو تأويل، وفي مباشرة فاقعة «السوبر تخلّف» الذي عالج جانباً منه حسن عجمي في كتابه «السوبر حداثة في مواجهة السوبر تخلّف». ويظل كل ما يبدو حداثة في راهن العرب اليوم، مما لم يصنعوه، هو حداثة الشكل والأشياء المستأجرة، لا حداثة الأدوات النابعة من إنسان هذا الجزء من العالم.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4426 - الأحد 19 أكتوبر 2014م الموافق 25 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:16 م

      ï´؟ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ï´¾

      أصل بلاء العرب هو أن الله من عليهم بالرسول الأكرم (ص) جاءهم من عندالله بالشريعة الشاملة الخاتمة فهم (علموا) ثم (لم يعملوا) بها، فكان العقاب المناسب أن ضربت عليهم الذلة والمسكنة وسيبقون هكذا إلى أن (يعملوا).
      الرسول (ص) يقول أنا مدينة العلم ونحن بأفعالنا ندعي أننا أعلم وأفهم بأحوالنا، وخير دليل رضانا عن القوانين الوضعية تامتناسبة مع هوانا والمخالفة للشرع كالخمور وتبرج الجاهلية والربا وكل ذلك بعنوان الحرية الشخصية وأن كل واحد عقله في راسه ويعرف خلاصه!
      فلنستمر هكذا ولتستمر حالة الذلة والمسكنة.

اقرأ ايضاً