العدد 4428 - الثلثاء 21 أكتوبر 2014م الموافق 27 ذي الحجة 1435هـ

حول مؤتمر المانحين لإعمار غزة

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

تحصد «إسرائيل» أكثر من مكسب جراء عدوانها، فهي لا تكتفي بتدمير القطاع وتسوية أحيائه بالأرض، ولكن يتوقع أن يكون لها حصة الأسد من أموال المانحين، لإعمار ما قامت به من تخريب وتدمير.

في العاصمة المصرية القاهرة، عقد مؤتمر المانحين لإعمار غزة. وقد افتتح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الاجتماع بكلمة حدّد فيها سياسة بلاده، مؤكداً على أن فلسطين هي قضية العرب المركزية، وأن الصراع الدائر بين الفلسطينيين والصهاينة هو نتيجة التعنت الإسرائيلي، ورفضه المستمر في التوصل إلى حل عادل يؤمن حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة فوق ترابه الوطني.

وقد ألقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس كلمة استعرض فيها ما خلفه العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة. وقد جاء خطابه في مؤتمر المانحين، من حيث نبرته العالية، واحتجاجه الصريح، متماهياً مع خطابه في هيئة الأمم المتحدة، الذي فضح فيه ممارسات العدو الصهيوني، ورفضه السير في طريق السلام. وقد قوبل الخطاب من قبل الصهاينة بهجوم حاد.

لقد قالت الصحافة الإسرائيلية، إن عباس شطب المسيرة السلمية، وأثبت مجدداً أنه ليس شريكاً في عملية السلام. بل إن بعض الصحف الصهيونية بلغ تطاولها حد وصف الرئيس أبو مازن بالإرهابي السياسي، وأنه يمثل امتداداً لحركة حماس، ولكن على طريقته.

وأكثر ما أثار الصهاينة في خطابه، هو قوله: «لن ننسى ولن نغفر، ولن نسمح لمجرمي الحرب بالهرب من العقاب». وعلى الصعيد السياسي، وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خطاب الرئيس أبو مازن، بأنه «تحريضي محض ومليء بالكذب والافتراءات. ومن يريد السلام ويعتبر نفسه شريكاً فيه، لا يتحدث بهذه الطريقة، ولا بهذه اللغة»! أما ليبرمان فعلق على الخطاب بقوله: «كلامه يؤكد أنه لا يريد السلام، ولا يمكن أن يكون جزءًا من أي حل سياسي منطقي»، وأضاف: «أبو مازن امتداد لحركة حماس باستعماله الإرهاب السياسي.. ومادام عباس يشغل منصب رئيس السلطة الفلسطينية سيبقى الخلاف قائماً، وهو يكمل طريق عرفات. إن عباس ليس شريكاً، ولا يريد السلام».

في هذه الأجواء المشحونة، عقد مؤتمر المانحين، وانتهى بجمع ما يربو على أربعة مليارات من الدولارات، حسب تصريح الأمين العام لجامعة الدول العربية. لكن حملة التبرعات والأرقام المعلنة ليست نهاية المطاف. فقد سبق أن جرى اجتماع آخر للمانحين بعد عدوان صهيوني مماثل قبل قرابة عامين من هذا التاريخ أثناء حكم الرئيس مرسي، ولكن الأمور ظلت معطلة ولم يتحقق أي شيء آنئذ باتجاه إعادة إعمار القطاع.

وهنالك مسألة أخرى، لا تقل تعقيداً، هي ما يمكن أن يناط بالعدو الصهيوني من مسئوليات في إعمار القطاع، ما يعني مكافأة المعتدي على عدوانه. فالعدو الصهيوني الذي مارس انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ حقوق الإنسان، وقام بما يقترب من حرب الإبادة بحق المدنيين الفلسطينيين، يتوقع أن يتولى عملية تزويد الإعمار بما تحتاجه من مواد ومعدات وخبرات. ولا يبدو أن هناك اعتراضاً على ذلك من قبل عدد غير قليل من المانحين، وبشكل خاص من قبل الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي.

وهكذا يحصد العدو أكثر من مكسب جراء عدوانه. فهو لا يكتفي بتدمير القطاع وتسوية أحياء كاملة منه بالأرض، ولكن يتوقع أن يكون له حصة الأسد من أموال المانحين، لإعمار ما قام به من تخريب وتدمير. وهكذا فإن المجتمع الدولي، لم يمتنع فقط عن إدانة المعتدي ومعاقبته، بل كافأه على عدوانه فأوكل إليه مهمة إعمار التدمير الناتج عن عدوانه. ولا شك أن ذلك سيشجع العدو على مزيد من الاعتداءات على الشعب الفلسطيني، لأن أي اعتداء، من نوع العدوان على غزة، سيجر في نهايته ملايين الدولارات للخزينة الإسرائيلية.

لقد أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أن طريق الدولتين على أرض فلسطين التاريخية، أصبح واضحاً أكثر من أي وقت مضى. وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يمنع قيام دولة فلسطينية؟ ولماذا عجزت مفاوضات التسوية التي استمرت طويلاً، وبرعاية أميركية، عن تحقيق تسوية عادلة، تؤمن حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة فوق التراب الوطني.

لا نتوقع موعداً قريباً للبدء في تعمير ما دمّره العدوان الصهيوني في قطاع غزة. كما لا نتوقع تحقيق اختراقات حقيقية على طريق التسوية. فالإدارة الأميركية مشغولة الآن بملفات ساخنة، لها أولوية على القضية الفلسطينية. وفي المقدمة من هذه الملفات، الملف الأوكراني، ومحاصرة روسيا الاتحادية، جراء توسيع عمقها الاستراتيجي، ليشمل أجزاء من أوكرانيا.

وهناك اهتمام أميركي خاص بشرق آسيا، وبتداعيات ما حدث مؤخراً في هونج كونج. يضاف إلى ذلك أن هذه الإدارة، غدت منهمكةً الآن بالحرب على تنظيم «داعش»، على الجبهتين السورية والعراقية. وقد تجد نفسها مضطرةً، للقيام بحرب برية، وبشكل خاص في العراق، الذي قامت باحتلاله وأصبح جزءًا لا يتجزأ من مصالحها الحيوية.

فقد تأكد حتى الآن عقم العمليات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة والحلفاء في تقليص عمليات «داعش» بالبلدين. بل إن تطور الأحداث يؤكّد تقدم عصابات «داعش» في عين العرب في سورية قريباً من الحدود التركية، واقتحامها لمدينة الرمادي من عدة محاور. واحتمال قيامها بالاستيلاء على العاصمة بغداد، بما ينبئ أن الأيام القادمة، في الحرب على الإرهاب، ستكون أكثر صعوبة.

وأخيراً فإن إدارة الرئيس باراك أوباما، شأنها في ذلك، شأن إدارات أميركية سابقة، لن تكون في عجلة من أمرها، وهي تستعد لطي عامها الأخير. وستكون القضية الفلسطينية من الملفات المؤجلة، التي ستحال إلى إدارة جديدة، لنبدأ مجدّداً من المربع الأول. هل سيكون مؤتمر الإعمار هذه المرة مختلفاً عن السابق؟ نأمل أن يتحقق ذلك، لكن كل المؤشرات والتقديرات لا تقول بذلك.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4428 - الثلثاء 21 أكتوبر 2014م الموافق 27 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً