العدد 4428 - الثلثاء 21 أكتوبر 2014م الموافق 27 ذي الحجة 1435هـ

التوفيق بين حرّية التعبير الفنّي والدين في تونس

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

لا تعرف تونس نهاية النّزاع القائم بين من يعتبرون حرّية الإبداع الفنّي مطلقة، ومن يرون تلك الحرّية مدنّسة للمقدّسات عندما تعرض تخيّلات تتعلّق بالأديان.

ويشخّص بعض التونسيين هذه المسألة على أنّها صراع سينتهي بانتصار أحد الطّرفين، وبالتّالي إلغاء رأي الطّرف الآخر، في حين أنّ المسألة أشدّ تعقيداً من ذلك، فالأكيد أنّ الإبداع الفني والفكر الديني سيظلان متزامنين. ويتوجّب علينا بالتّالي تغيير طريقة تعاملنا مع هذا النّزاع، القديم جدّاً و المتجدّد دائماً، من خلال الحوار لإيجاد حلول ترضي كلّ الأطراف.

منذ رحيل الرئيس السابق زين العابدين بن علي، في 14 يناير/ كانون الثاني2011 إثر ثورة شعبيّة شهدت تونس أعمال عنف واسعة، تلت عرض أعمال فنّية قيل إنّها تمسّ الأديان، حيث أثار عرض الفيلم الإيراني برسيبوليس قبيل انتخابات المجلس التّأسيسي غضباً عارماً في تونس، بسبب عرضه باللهجة العامية التونسية على قناة «نسمة». ويحتوي الفيلم مشهداً فيه تجسيد للذات الإلهية. وقد اندلعت احتجاجات على الفيلم بعد عرضه، حيث قام عدّة أشخاص باقتحام بيت مدير القناة وحاولوا إحراقه.

وصل الجدل حول حدود الإبداع ذروته بعد حادثة في شمال العاصمة تونس، في شهر يونيو/ حزيران 2012، عندما عرض مجموعة من الفنانين التشكيليين لوحات ومنحوتات كجزء من مهرجان ربيع الفنون بقصر العبدلية. كان من بين الأعمال المعروضة منحوتة لمرأة يجري رجمها بالحجارة، ورسوم كاريكاتورية لسلفيين، يلبس أحدهم ثياب سوبرمان، ويخرج البخار من أذُنيْ آخر، وإشارة إلى الذات الإلهية كتبت بأحرف مكوّنة من النمل. رأى الكثيرون في هذه الأعمال الفنّية استفزازاً للمشاعر الدّينية واعتداء على الإسلام.

شهدنا بعد كلّ هذه الأعمال وغيرها نفس أسلوب التعامل معها من طرف عديد التّونسيّين المنتمين للتيّار العلماني: بيانات للتنديد بها وتصريحات نارية في وسائل الإعلام وتوظيف سياسي من طرف الأحزاب وفق مصالحها الضيّقة والآنية، لم يحاول أغلب العلمانيّين في ذلك التّاريخ فهم الدّوافع التي تجعل هؤلاء الأشخاص يأتون هذه الأعمال، بل اكتفوا بالتذكير بأنّ الحرية مطلقة غير قابلة للتجزئة، وأن المعاهدات الدولية تكفل للتونسيين حق التعبير، وأنّ مناخ الحرية في تونس يسمح لهم بالتطرّق لكل المواضيع.

من جهتهم، أحسّ المحافظون الدّينيون بالإهانة واسترجعوا ذكريات أليمة للمعاناة والقهر اللذيْن تعرّضوا لهما تحت النّظام السّابق. يجب على كلّ طرف فهم الطّرف الآخر مع إدانة العنف بشدّة في كل الحالات.

علينا اليوم فتح حوار بين دعاة الحرّية الفنّية المطلقة والمحافظين الذين يعتبرونها مهدّدة لديانتهم. ويهدف هذا الحوار إلى التركيز على القواسم المشتركة بين الطّرفين، وأبرزها الرّغبة في الحفاظ على مناخ الحرّية التي نعيشها في تونس، والتي تكفل للطّرفين ممارسة الفنون والشّعائر الدّينية على حدّ سواء. فتمسُّك كلا الطّرفين بموقفه دون محاولة فهم الطّرف الآخر، سيؤدّي إلى مزيدٍ من العنف عاجلاً أم آجلاً، وقد يعجّل بفقدان هذه الحرّية لكلا الطّرفين. فقد أثبت الحوار نجاعته في حادثة مماثلة حيث منعت مجموعة من الأشخاص قيام عرض مسرحي في منزل بورقيبة للفنان لطفي العبدلّي بحجّة أنّه يتهكّم فيه على الأديان. وتلقّى الفنّان تهديدات بالقتل قبل عرضه المسرحية نفسها في قليبية. تحلّى لطفي بالرصانة والشجاعة، وتحاور معهم حول بعض المقاطع من مسرحيّته «%100 حلال» والتي رأى فيها منتقدوه اعتداءً على الدّين الإسلامي، ووجّه لهم رسالة على «يوتيوب» موضّحاً موقفه وداعيهم إلى الحوار لما من شأنه أن «يقي البلاد من الفوضى والفتنة» حسب تعبيره. وأقيم العرض المسرحيّ في أفضل الظروف بعد توافق حول تغيير طفيف في النّص، لم يعلن عنه الفنان، بحضور الذين احتجّوا على عرضه سابقاً.

تعرّض هذا الفنان إلى الكثير من الانتقادات، حيث رأى العديد في هذه الخطوة خطراً على الحرّيات وإضفاءً لشرعيّة مفقودة لهذه «الشرطة الدّينية» التي نصّبت نفسها رقيبة على الفنون. في حقيقة الأمر، لا يندرج تصرّف الفنّان في خانة الرقابة الذاتيّة، بل هو تصرّف مسئول قام به في مناخ اتّسم بانتشار الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد. فعلى المثقّف كذلك أن يتحكّم في حرّيته بنبل وعقلانية، وأن يغلّب الحوار على التصادم، خصوصا أنّ البلد يمرّ بمرحلة انتقاليّة ولم يصل بعد إلى مرحلة استقرار سياسي كامل ومستدام.

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 4428 - الثلثاء 21 أكتوبر 2014م الموافق 27 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً