العدد 4432 - السبت 25 أكتوبر 2014م الموافق 02 محرم 1436هـ

هل الترياق في بلد المعازيب؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

إنها دعوة مخلصة للأكاديميين والباحثين العرب وأصدقائهم في المملكة المتحدة أو الدول الغربية إلى الاستفادة من حرية البحث العلمي والأكاديمي في الغرب لتنظيم مؤتمرات جادة تعالج قضايا الأمة على مختلف الصعد وفي الميادين كافة

في صيف كل عام يتدفق عشرات الآلاف من الخليجيين على العاصمة البريطانية لندن وقليل منهم يذهب لمدن أو منطاق أخرى، بل إن معظم تواجدهم في مناطق محددة من لندن أي تلك المحيطة بهايد بارك، بحيث تصبح بعض الشوارع مثل ايجوير رود وكأنك في عاصمة خليجية، ولا غرابة فقد كيّف المستثمرون الشارع ليلبي احتياجات الخليجيين بشكل خاص والعرب بشكل عام من حيث توفير المطاعم الشرقية، ومقاهي الأرجيلة والحوانيت التي تحتوي على متطلباتهم من تموين وتبضع وغيره، بل إن الكتابات واليافظات عربية والعاملين عرب أو من يتقنون العربية.

لكن هناك تدفق آخر من غير السياح وهم المشاركون في سلسلة مؤتمرات في عدد من الجامعات البريطانية في لندن واكسفورد وكامبريدج وابيكستر وغيرها حيث تعقد هذه المؤتمرات حصرا على الشئون الخليجية وبالطبع فإن بعضها مكرس أصلا للترويج للأنظمة، حيث يكون المتحدث الرئيسي أميرا أو شيخا، ويسنده مجموعة من المتحدثين اللبقين ذوي الألقاب الرنانة مثل البروفيسور والدكتور والعلامة. سنوياً ينتظم في هذه المؤتمرات المئات الذين يدعون من بلدان الخليج والبلدان العربية والأجنبية أو من المقيمين والدارسين في المملكة المتحدة، وبعضهم «معزوم» ومكرم ومعزز أي الضيافة كاملة وفاخرة «ولا حسد».

بعض هذه المؤتمرات مفيد حين تكون هناك معايير أكاديمية، وحين تبعد المغريات ويأتي الباحث مدفوعا بحافز أكاديمي أو وطني، لعرض ما يراه، ويساهم جديا في مجريات المؤتمر ومسارات النقاش. لكن هناك مؤتمرات يراد منها وبغض النظر عن التنوع في المشاركين والتنويع في المواضيع، أن تكون مجمل محصلتها الترويج لنظام معين، مع بعض الاستثناءات المتعلقة بحالة المد والجزر في العلاقات. اما الوجه الاخر فهو تشويه ووصم الدول والقوى المتعارضة مع هذه الدول الخليجية أو مجلس التعاون ككل، وكانت طوال سنوات إيران «الصفوية» والعراق «المالكي»، وسورية «العلوية»، وبالطبع «حزب الشيطان». ويجري تسفيه المعارضة الخليجية بوصمها بالطائفية والكهنوتية والتبعية لإيران «الصفوية»، ما يسمها باللاوطنية، والعمالة، وفي أحسن الأحوال عدم النضج واللاواقعية. أما الحركة الحقوقية فإنه من السهل لصق تهمة خدمة الأجندات الخارجية وخصوصاً الأميركية. لا تعدم هذه المؤتمرات أن تسمح لأصوات نشاز انتقادية الحضور على سبيل إظهار التسامح مع المارقين، والتساوق مع تفسيرهم لما يتطلبه المكان أي جامعات غربية مرموقة والبيئة التي تعقد فيها هذه المؤتمرات ولكن الصبر على هؤلاء المارقين لا يطول، فسرعان ما يشطبون من قوائم المدعومين، وترفض مواضيعهم.

ليس معنى ذلك أن جميع المشاركين من الباحثين أو المستمعين يدركون ذلك، بل إن أغلبهم يشارك بحسن نية، كما أن بعضهم يراها فرصة سانحة للقاء باحثين أو أكاديميين يشتركون معه في الاهتمام والتخصص ذاتهما أو حتى لقاء الأصدقاء. لكن الحقيقة أنه رغم مرور سنوات على عقد هذه المؤتمرات والإقبال الواسع عليها فإنها لم تكتسب مصداقية أكاديمية أو بحثية أو موضوعية، بل إن سمعتها تتراجع. قد يتساءل سائل ما الذي يدفع إذاً هؤلاء الباحثين والأكاديميين إلى القدوم لإنجلترا وتحمل مصاريف السفر والإقامة، والمشاركة الجادة في هذه المؤتمرات؟

أهم الأسباب يعود إلى أنه ورغم عيوب هذه المؤتمرات، فإن أجواء الحرية في بريطانيا وتقاليد الجامعات البريطانية العريقة، تنعكس ولو جزئيا على هذه المؤتمرات، ولذلك فإن هامش الحرية المتاح أفضل بكثير من مثيلاتها في البلدان العربية. أما السبب الثاني، فهو أن هناك ظاهرة وجود أكاديميين وباحثين عرب بأعداد متزايدة في بريطانيا بشكل خاص والبلدان الأوروبية القريبة بشكل عام، وهؤلاء مقيمون ولذلك فإن هذه المؤتمرات تشكل فرصة سانحة للإسهام بمعارفهم أو اللقاء مع نظرائهم القادمين من بلدانهم أو البلدان العربية الأخرى التي لا يترددون عليها.

المسئولون في بعض هذه المؤتمرات اعتقد خطأ أن مؤتمراتهم اكتسبت «برستيج» وفسروا الإقبال الكبير نسبيا بأنه دليل على أهمية مؤتمراتهم ففرضوا رسوما عالية للمشاركة في هذه المؤتمرات من غير المدعوين، لكن النتيجة أن لا احد مستعد لدفع هذه الرسوم، حتى أولئك الراغبين فعلا في اللقاء مع أصدقائهم وزملائهم الأكاديميين يفضلون اللقاء بهم في خارج اروقة المؤتمر في المطاعم وغيرها.

المؤسف ان عددا من الأكاديميين الغربيين، انساقوا وراء المنافع المترتبة على مشاركتهم كمحكمين أو كاتبي أوراق، سواء منافع مالية مباشرة، أو عقودا مغرية للتدريس في تلك البلدان، ليشاركوا في هذه المؤتمرات الاستعراضية. إنها دعوة مخلصة للأكاديميين والباحثين العرب وأصدقائهم في المملكة المتحدة أو الدول الغربية الى الاستفادة من حرية البحث العلمي والأكاديمي في الغرب لتنظيم مؤتمرات جادة تعالج قضايا الأمة على مختلف الصعد وفي الميادين كافة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4432 - السبت 25 أكتوبر 2014م الموافق 02 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:05 ص

      يجب إلغاء الاحزاب الدينية

      يجب إلغاء الاحزاب الدينية و منع رجال الكهنوت من التدخل في الشأن العام كي يكون عندنا في الخليج معارضة وطنية حقيقة ...

اقرأ ايضاً