العدد 4432 - السبت 25 أكتوبر 2014م الموافق 02 محرم 1436هـ

الانتخابات المفرّغة وإحباط الشباب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الساعات الأولى لنزولك في العاصمة التونسية، تونس، تدرك أن حزباً إسلامياً مثل النهضة من الصعب أن يحكم مثل هذا البلد، بسبب حالة التغريب التي كرّسها النظام السابق أولاً، ولأن الشعب التونسي خرج في ثورته للمطالبة بالحرية والكرامة والخبز، وليس لاسترجاع «الخلافة» أو تطبيق نظام حكم إسلامي.

ومن الساعات الأولى أيضاً، ستدرك وجود مشاكل كبرى يعاني منها الشباب التونسي، حيث يلف طوال النهار في الشارع الرئيسي الذي شهد أحداث الثورة (شارع بورقيبة)، أو يقعد في المقاهي المنتشرة على طرفيه، أو يجلس على عتبات المسرح البلدي. في مقدمة هذه المشاكل البطالة التي تصل إلى 800 ألف عاطل، بينما يتخرج في الجامعة 150 ألفاً سنوياً، يُضاف أكثرهم إلى طوابير العاطلين، كما يحدث عندنا في البحرين ودول عربية أخرى.

وتحتاج إلى 24 ساعة أخرى فقط، لتكتشف أن هناك إحباطاً عاماً شاملاً في صفوف الشباب التونسي، وكل تلك الانطباعات الشخصية تأكدت من صحتها بعد متابعتي للبرامج الحوارية التي تبثها القنوات التلفزيونية التونسية، قبل أسبوع واحد من الانتخابات التي تنطلق اليوم (الأحد 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2014). بل وزاد تأكيد تلك الانطباعات ما كان تطرحه الفضائيات العربية المستقلة من متابعات وتغطيات للحدث التونسي.

القضية الأبرز التي يناقشها المتحاورون هي «المال الفاسد»، الذي يجري ضخّه للتأثير على نتائج الانتخابات، في لعبة صراعات حزبية كبرى، ستفسد العملية الانتخابية حتماً. فمن يدفع للإتيان بمرشحين معينين، إنّما يخدم مصالحه الفردية أو الحزبية، والتي تكون دائماً على حساب الغالبية الصامتة أو الضائعة من الشعب. فليس هناك من يتبرّع بالمال الانتخابي، حكوماتٍ أو أحزاباً أو رجال أعمال، قربةً إلى الله تعالى وابتغاء الأجر في الآخرة!

على الأرض، تشاهد بوضوح عدم وجود اهتمام في الشارع بمتابعة الانتخابات، خصوصاً من جانب الشباب الذي يشعر بإحباط كبير، حيث لم تحقق له الحكومات الأربع المتعاقبة بعد الثورة (القائد السبسي، حامد الجبالي، علي العريض ومهدي بن جمعة) حتى الحد الأدنى من طموحه أو تطلعاته. وفي وقتٍ انخرطت الأحزاب القديمة في صراع مرير على الكراسي، كانت فلول الحزب الحاكم السابق تستجمع قواها للعودة بقوةٍ إلى الحكم.

الطبقة السياسية في تونس كما في دول عربية أخرى، تنظر إلى الديمقراطية باعتبارها «لعبة سياسية»، أو مناورة للالتفاف على الخصوم ومحاصرتهم. ويجري الحديث عن ضخ ملايين الدنانير لشراء الأصوات، في بلدٍ يوجد به عددٌ كبيرٌ من العاطلين وشريحةٌ واسعةٌ من الفقراء. وهي لعبةٌ قذرةٌ، ستدفع الحكومات بسببها الناس إلى كراهيةٍ شيء اسمه الديمقراطية، وتدفع بكثيرين من الشباب إلى الالتحاق بحركات العنف والعبث والقتل المجاني.

الحكومة المتعبة حريصة على نجاح الانتخابات، للخروج من هذه المرحلة الانتقالية المضطربة إلى مرحلةٍ أكثر استقراراً، وقد سمحت للرقابة الدولية لمراقبة مدى شفافية الانتخابات وسلامة إجراءاتها، فهناك 9600 مراقب من داخل وخارج تونس، للتأكد من سلامة الحملات وسير العملية الانتخابية، وستقوم برفع تقارير دورية بشأنها.

المؤكد حتى الآن أن الانتخابات ستعيد إنتاج القوى السياسية الحاكمة نفسها أو تدويرها، مع الإبقاء على القوى الشبابية بعيدةً عن القرار، وبالتالي إعادة إنتاج الأزمة أو استمرار الأوضاع الجامدة كما هي. فمازلنا كدول عربية، لا نريد ديمقراطية تمثل الشعب مثل بقية أمم الأرض، وإنّما نريد ديمقراطيةً مدجّنةً للهواة والمخصيين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4432 - السبت 25 أكتوبر 2014م الموافق 02 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 8:17 ص

      أمريكا تفصل وإحنى نلبس

      للأسف الشديد أن الشعوب الإسلامية التي تطمح في الدولة الإسلامية والتي ترى فيها مخلصا وبديلا عن الدكتاتوريات التي تحكم بلداننا بأوامر أو على الأقل بإشراف أمريكا والإستعمار القديم قد خاب أملها في مصر وتونس وليبيا أيضا لما قدمه حزب الإخوان من أسلوب متخلف يريد أن يرجع أيام الجاهلية الظلماء وذلك أيضا كان بتخطيط أمركي صهيوني قدم على أنه هو الإسلام وقد إنطلا وللأسف على الشعب العربي .

    • زائر 15 | 6:51 ص

      من البحرين

      الديمقراطية الزائفة لا تنطبق علي اي حزب إسلامي حين يفوز في الانتخابات التي ينتخب الشعب من يراه مناسب حدث في الجزائر ومصر حين فاز الإسلامين فتم انتزاع الحكم بانقلاب عسكري في تلك البلدين اما ان تنتقص من فوز الإسلامين فهذا مناقض للديمقراطية التي يؤمن بها البغض ويكفر بها حين يفوز الإسلامين وياريت تقول رايك في حكم الإسلامين في أيران اللذين يحكمون بدون إذ انتخاب ؟

    • زائر 14 | 4:29 ص

      الاحزاب الدينية السنية و الشيعية

      مَنْ لَمْ يَقْدِرْ على فِعلِ الفَضَائلِ، فَلْتكُنْ فَضَائِلُهُ في تَرْكِ الرَّذَائِلِ.

    • زائر 13 | 3:55 ص

      يعني اختك مثلك

      المؤكد حتى الآن أن الانتخابات ستعيد إنتاج القوى السياسية الحاكمة نفسها أو تدويرها، مع الإبقاء على القوى الشبابية بعيدةً عن القرار، وبالتالي إعادة إنتاج الأزمة أو استمرار الأوضاع الجامدة كما هي.

    • زائر 12 | 3:47 ص

      بن دينه

      الكاتب قاسم حسين رجاء عدم رضاك بالاسلام السياسي وانا اتفق معاك وانتقدت التجربه التونسيه والشعب التونسي انتفظ ياريت تنتقد التجربه الايرانيه وولايه الفقيه وحزب الدعوه سوى في العراق او البحرين .الا اذا ممكن تعتبرهم من الحزب الجموهري

    • زائر 11 | 3:00 ص

      الاحزاب الدينية فاشله

      الاحزاب الدينية السنية و الشيعية كلها فاشله الحل هو العلمانية

    • زائر 8 | 12:25 ص

      في البحرين مجلس مفرّغ الصلاحيات ونواب مفرّغون من المرشّحين

      الحمد لله في البحرين برلماننا فارغا ونوابنا أفرغ منه همهم جمع الاموال يتراكضون عليها دون الاعتبار لأي ضمير او دين

    • زائر 7 | 12:12 ص

      انا لدي قصر نظر ولا احتاج لأنظر لتونس فما اراه في بلدي يكفيني

      نظارتي او كشمتي لا تستطيع ان تنقل لي ما في تونس لأن ما في بلدي ادهى وامرّ

    • زائر 6 | 12:11 ص

      لماذا تونس وهل الوضع لديك في البحرين مختلف؟

      الوضع هو هو لا يختلف في البحرين عن الوضع في تونس بل ربما في البحرين اسوأ بكثير فالانتهاكات والتعدي لم تتوقف وحقوق الانسان اصبحت في خبر كان

    • زائر 5 | 11:48 م

      اتنكار

      لماذا الاستنكار الشديد على اقامة حكم اسلامي في منطقتنا العربية والاسلامية والاستهزاء بكلمة الخلافة الاسلامية وهناك دولة غير عربية مل ايران تحكم بالاسلام والاسلام المتشدد ايضا ولا تنكر عليها ايها الكاتب العزيز وشكرا

    • زائر 4 | 10:54 م

      الاحبط هنا وهناك

      الحال زي بعضه. الفرق هنا ليس فقط يين الشباب بل بين الصغار والكبار جميعا.

    • زائر 3 | 10:19 م

      غريب الرياض

      تتشابه المشاهد عندهم و عندنا مع فروقات بسيطة. الاحباط منتشر في البلد، فالجهات الرقابية و التشريعية عقيمة و متخاذلة. و سرقة الثروة العامة في وضح النهار و مباركة البرلمان الكسيح.

    • زائر 1 | 10:06 م

      نبقى ويبقون عربا وهي ماركة مسجلة بلالتصاق بكرسي الحكم

      كلهم من نفس الطينة من يجلس على كرسي السلطة والنفود لا يرغب بالتحرك عنه الاسلام موجود في دول الغرب وليس لدينا ما يوجد عندنا هو العصبية والقبلية والتخلف

اقرأ ايضاً