العدد 4439 - السبت 01 نوفمبر 2014م الموافق 08 محرم 1436هـ

الحاجة إلى قراءة أخرى للمشهد العربي

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

يُعتبر طرح موضوع العدالة الانتقالية في المجتمعات التواقة إلى الحرية، هدفاً لا يمكن استبعاده في البلدان التي تسعى إلى التطور والتغيير، لكون أن العدالة الانتقالية تشمل جميع العمليات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركته من تجاوزات الماضي، بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة، سواء كانت آليات قضائية أو محاكمات الأفراد وصولاً إلى التعويض والكشف عن التجاوزات. وهي دون شك تساعد على إثبات الحقيقة بشأن ما حدث وتساعد على الإصلاحات القانونية والمؤسساتية داخل الدولة، ممهدة للتحول نحو الديمقراطية.

من هنا لابد من التصفح قليلاً في صفحات التاريخ ولا سيما في منطقة أوروبا الشرقية، التي تحمل كثيراً من الدروس والعبر، التي بحاجة إليها مجتمعاتنا العربية اليوم أكثر من أي وقت آخر. وهي الباقية في نضال طويل مع أنظمة سياسية شبيهة في معظمها مثل رومانيا حينما انتهى فيها قائد الحزب الشيوعي ورئيس الدولة تشاوشسكو بإعدامه بعد محاكمة سريعة لم تستغرق إلا دقائق ورأسه كان مرمياً على الأرض. والحزب الشيوعي الروماني حكم البلاد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى العام 1989 واستخدم هذا النظام جميع أنواع التعذيب والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان.

إن إعدام تشاوشسكو، حدث بسرعة، بسبب حالة الاحتقان الطويلة التي عاشها الرومانيون مع هذا الحاكم وبالتالي فإن إعدامه كان بمثابة الشرارة الأولى لتغييرات كثيرة سحبت معها دول أوروبا الشرقية الواحدة تلو الأخرى.

وبقدر ما شهدت بعض تجارب العدالة الانتقالية تشدداً لدرجة الانتقام، فإن هناك من يعتقد أن التجربة الرومانية شهدت تسامحاً كبيراً وصل إلى درجة التهاون أحياناً، والإفلات من العقاب، وهي المثقلة بقائمة طويلة من الانتهاكات الجسيمة وصلت إلى 617 ألف سجين سياسي بينما لقي من هؤلاء نحو 120 ألفاً حتفهم في المعتقلات، في حين أن مَن تم استهدافهم لم يكن إلا عدداً محدوداً من المسئولين السابقين.

وإذا كان هدف تحقيق العدالة مشروعاً، فإن هناك قلقاً دائماً من انقسام منتظر قد يشهد داخل المجتمع، وخصوصاً أن كان حجم المرتكبين كبيراً، وقد تركت مثل هذه المسألة انعكاسات سلبية على بلد مثل الأرجنتين الذي اضطر إلى إصدار عفو عام ووقف الملاحقات ضد المرتكبين.

إن الضمير العالمي اليوم يتجه نحو وضع حد للإفلات من العقاب، لأن ثقافة الإفلات من العقاب هي التي تمكن بعض الجهات من ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية وانتهاك حقوق الناس لاعتقادهم أن بإمكانهم الادعاء بخصوصيتهم أو أن لديهم مبررات لممارسة انتهاكاتهم سواء بذريعة الحفاظ على الأمن أو لاعتقادهم بأفكار عنصرية تدفعهم لاحتقار الآخرين واضطهادهم. إلا أن السعي نحو التحول الديمقراطي، دون إعادة الحقوق لأصحابها، لا يمكن أن يعد تحولاً ديمقراطياً إلا من خلال الاعتراف بارتكاب الأخطاء. وتجربة الأرجنتين أثبتت أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن ترك المحاكمات تحت دعوى المسامحة هي دعوى خاطئة جداً؛ لأن غلق الملفات دون إظهار الحقيقة وتعويض المتضررين معنوياً ومادياً، يفتح باب الثأر ويزيد من التوتر. ولذا فإن المشهد العربي بحاجة إلى قراءة أخرى تدفع بالاتجاه الذي يدفع إلى وقف ممارسات الإفلات من العقاب والانتقال نحو عدالة انتقالية تتجه نحو التحول الديمقراطي الذي يحقق ما خرج الشارع من أجله منذ العام 2011.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 4439 - السبت 01 نوفمبر 2014م الموافق 08 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:32 ص

      مرحلة التوافق والتراضي

      لعل الخوف من الانتقام ومن التطرّف في المحاسبة المبنية على ردود الفعل الغريزية المنفلتة من خلال ما اصطلح على تسميته بالعدالة الانتقالية، هي من أهم أسباب تمسك المتنفذين في أي نظام شمولي ظالم بالسلطة ودفاعهم عنها باستماتة ودون هوادة ، وذلك خوفاً من مصير أرتهم ما سبقتهم من تجارب أنه مصير بشع. لذلك فإنه من المفيد-في تقديري-أن تخرج الإنسانية بتوافقات تساعد على الانتقال إلى حالة الديموقراطية عبر المرور بوضع يمكن تسميته،مرحلة التوافق والتراضي،يجبر خلالها ضرر المتضررين مع الحفاظ على حياة الجميع.

اقرأ ايضاً