العدد 4453 - السبت 15 نوفمبر 2014م الموافق 22 محرم 1436هـ

خط الفقر المائي... وضرورة إنشاء مجلس للموارد المائية

«قطرات خليجية» لوليد زباري...

وليد زباري
وليد زباري

«تحت خط الفقر المائي» تتردد كثيراً، وكأنَّ الأمر لا يعني دول المنطقة. مشاريع التحلية هي الخيار المتاح، مروراً بمعالجة المياه، وصولاً إلى إنشاء نظام مشترك للإمدادات يعمل على جلب مياه مالحة من خارج الخليج وتحليتها. المخاطر المحدقة في واد، والإصغاء إلى المعالجات والحلول في واد آخر. من هنا تأتي أهمية كتاب أستاذ الهيدروجيولوجيا وإدارة الموارد المائية بجامعة الخليج العربي، البروفيسور وليد زباري، الذي صدر في العام 2008، وهو عبارة عن مجموعة مقالات نشرها في صحيفة «الوسط»، في الفترة ما بين فبراير/ شباط 2006 وفبراير 2008، وصدرت في كتاب عن جمعية علوم وتقنية المياه، وجامعة الخليج العربي، على رغم مرور 6 سنوات على نشره، إلا أن الموضوعات التي تناولها والتحذيرات التي تخلّلتها معالجاته، تجعل من الكتاب واحداً من أدوات الاستدراك لوضع حلول للمشكلة.

زباري رأى في إنشاء مجلس أعلى للموارد المائية في البحرين من جميع الجهات ذات العلاقة بالمياه، فرصة إدارية لإصلاح الواقع الحالي.

حيث توجد المياه، إضافة إلى عوامل أخرى، يوجد الاستقرار. منذ نشأة المجتمعات؛ أو التجمّعات البدائية، كان الماء هو المُحدِّد، من بين مجموعة مُحدِّدات لمثل ذلك الاستقرار.

مع القفزة الهائلة التي حدثت في تشكيلة وطبيعة المجتمعات البشرية، وقيام الدول بالحدود التي نعرف، وتطور الصناعات وامتدادها، والازدياد المضطرد في أعداد السكّان نتيجة التقدم العلمي واكتشاف الكثير من الأمراض والعلاجات لها في الوقت نفسه، باتت مسألة المياه اليوم واحدة من أكثر الملفات المعقّدة والمقلقة، والتي نشأت وستنشأ عنها الكثير من التوترات التي ستصل إلى الحروب، وخصوصاً في المناطق التي تعاني من شح كبير في الموارد المائية.

«حروب المياه» قادمة لا محالة بحسب قراءات لتوترات تنشأ ثم تخمد لتطل برأسها بين فترة وأخرى، وخصوصاً في الدول التي تشترك حدودها في المياه بامتدادات أنهار في أراضيها، من المنبع إلى المصب، وبينهما الدول التي تمتد من خلالها تلك الأنهار.

قادمة لأن دولنا ضمن مؤشر الندرة المائية، ذلك الذي يقل فيه متوسط نصيب الفرد منه سنوياً عن 1000 - 2000 متر مكعَّب.

المنطقة العربية عموماً، بطبيعة جفافها، وارتفاع درجات الحرارة، وقلة تساقط الأمطار، هي الأقرب إلى أن تحتل المراتب في مؤشر الفقر المائي؛ بل واحتلال ما تحط خط فقره!

هذا ما أكدته دراسة مائية في العام 2013، بأن هناك نحو 20 دولة عربية (من أصل 22 دولة) تقع تحت خط الفقر المائي!

ربما من الأهمية الإشارة إلى أن «70 في المئة من الموارد المائية العربية المتجدِّدة، تأتي إلى الدول العربية من خارج حدودها؛ أي أن الدول العربية بمعظمها دول مصبٍّ وليست دول منبع».

الكتاب لم يحْظَ بالمراجعة والاستعراض الذي يستحقه من قبل المعنيين، وخصوصاً أن صفحات تُعنى بالبيئة كانت قائمة وقت صدوره.

تطرح مقالات الكتاب قضايا مرتبطة بالمياه ومواردها والمشكلات المرتبطة بها، كما تتناول أهم ما خرجت به المؤتمرات من قضايا وتوصيات ومبادئ، إضافة إلى الندوات، وركّز في المقالات تلك على الملف الخليجي باعتباره ضمن المناطق المصنّفة ضمن خط «الفقر المائي»، مع تناولات معمّقة لمشكلة المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي في مملكة البحرين.

تناول زباري تعزّز بمنهجية، ومواكبة للمستجدات والتطورات والتوجهات المتبعة لدى كثير من الدول في محاولاتها وضع حلول لمشكلة «الفقر المائي» التي تتفاقم مع مرور الوقت.

رئيس المجلس العربي للمياه، والوزير السابق للموارد المائية والري في جمهورية مصر العربية، البروفيسور محمود أبوزيد، الذي كتب مقدمة للكتاب، لخَّص أهم ما اتسم به من حيث التناول والمعالجة، ورأى أن زباري تمكّن من مجاراة ومتابعة تطور الفكر والاستراتيجيات العالمية والخليجية بشأن المياه والبيئة والتنمية.

كما تمكّن من تحليل وإبراز التحديات والمشكلات والطريق نحو تحسين آليات وسبل تنمية وإدارة المياه بالمنطقة.

وعمل بجد على إلقاء الأضواء على طبيعة وتعقيدات الموارد المائية بمختلف أشكالها وصورها، ولاسيما المياه الجوفية (السطحية والعميقة/ المتجدِّدة والأحفورية) وتعقيدات إدارتها والطريق نحو التعامل معها، متناولاً طبيعة ومستقبل وأساليب ومنهجيات إدارة المياه للزراعة والبلديات والصناعة وغيرها.

ودعوته إلى حتمية تطوير النظم المؤسسية والهياكل التنظيمية والتشريعات واللوائح وبناء القدرات وزيادة الوعي ومشاركة القطاع العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق التكامل والتنسيق.

البحرين وإعادة

استخدام المياه المعالجة

في تناوله لهذا الموضوع «إعادة استخدام المياه المعالجة والمخاطر الصحية... البحرين مثالاً»، انطلاقاً مما أثير بشأن انخفاض كفاءة محطة توبلي لمعالجة المياه العادمة، بسبب تدفق كميات من هذه المياه تفوق طاقة المحطة؛ ما يؤدي إلى تراجع كفاءة عملية المعالجة فيها.

من بين ما تطرّق له زباري في هذا الشأن ضرورة تحويل النظام الحالي المعمول به تدريجياً إلى النظام اللامركزي في المستقبل، وعمل الدراسات الاقتصادية والهندسية والبيئية لإنشاء محطات معالجة صغيرة لخدمة مراكز التجمّع الحضري البعيدة عن محطة توبلي.

كما أشار إلى القصور في مشروع إعادة استخدام المعالجة في مملكة البحرين في جانب البحث العلمي المغيّب، من حيث تطبيق الدراسات العلمية التطبيقية المعمّقة والإجراءات الاحترازية المطلوبة. ليخلص إلى أن تشكيل المجلس الأعلى للموارد المائية في البحرين من جميع الجهات ذات العلاقة بالمياه، فرصة إدارية لإصلاح الواقع الحالي، وجعل موضوع معالجة وإعادة استخدامها على سلّم أولوياته، ويتطلب ذلك، إنشاء نظام مؤسسي وتشريعي لمشروع إعادة استخدام المياه المعالجة.

الربط المائي الخليجي

مصادر خليجية تشير إلى أن دول الخليج العربية تستهلك أكثر من 717 مليار غالون من المياه سنوياً، وبمعدّل 61 غالوناً للفرد يومياً (الوسط - 14 أغسطس/ آب 2013). ذلك التعاظم في الاستهلاك، وعدم وجود استراتيجية واضحة وعملية للترشيد من الاستهلاك، يدفع بالمخزون المائي إلى الاضمحلال.

مشاريع تحلية المياه مكلفة، ويبدو أنه الخيار الوحيد لدول المنطقة، وفرصة لقيام مزيد من تلك المشاريع وتعدّدها في أكثر من بلد.

يكفي أن نقف على حجم الإنفاق للمملكة العربية السعودية التي أنفقت حتى العام 2011 وحده ما يعادل 25 مليار دولار لبناء وتشغيل مصانع تحلية. وفي السعودية تستهلك الزراعة وحدها، بحسب تقرير اقتصادي، 90 في المئة من المياه على الزراعة. ولا جديد يقال بالإشارة إلى أن السعودية هي أكبر منتج للمياه المحلّاة في العالم، وحصتها تقارب 30 في المئة من الطاقة الإنتاجية.

وهنالك توجهات تذهب إلى أبعد من التحلية بالذهاب إلى ما بعد حدودها لـ «إنشاء نظام مشترك لإمدادات المياه يعمل على جلب مياه مالحة من خارج الخليج وتحليتها، وتوزيع مياه صالحة للشرب على الدول الأعضاء». بحسب ما أعلنته قناة «الجزيرة» في 18 يوليو/ تموز 2013. وبحسب تصريحات للأمين العام المساعد للشئون الاقتصادية في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي عبد الله الشبلي، فإن «المشروع هو إنشاء خط من بحر العرب أو بحر عُمان إلى الكويت مروراً بدول الخليج».

ومن المقرر إنشاء خزانات لمياه الشرب في إطار المشروع الذي قال الشبلي، إنه قد يتكلّف نحو 7 مليارات دولار.

في هذا الإطار، يشير زباري في «الربط المائي الخليجي... معالجة الصدى وليس مصدر الصوت»، إلى أن جهود مجلس التعاون الخليجي «تركزت في تلبية الطلب المتزايد (للمياه) للقطاع البلدي - بشكل رئيس - على تنمية وزيادة إمدادات المياه، ومعالجة مشكلات الموارد المائية من جانب العرض»، ويرى أنه «لم تُبذل جهود جادّة في مجالات إدارة الطلب والمحافظة وتحسين كفاءة الاستخدام؛ ما أدّى إلى بروز استخدامات وأوضاع غير مستدامة للقطاع البلدي تمثلت في التزايد المستمر على للطلب على المياه البلدية بمعدلات تفوق قدرة المجلس على مجاراتها، وارتفاع شديد لمستوى استهلاك الفرد؛ إذ يصل استهلاك الفرد في دول المجلس إلى أكثر من 460 لتراً في اليوم (من 300 لتر/ اليوم إلى 745 لتر/ اليوم)، مع مراعاة أن الإحصاءات تلك تعود إلى ما قبل العام 2008 وقت صدور الكتاب.

إنشاء الخط البحري لإمداد الدول الأعضاء بمياه الشرب، تناوله البروفيسور زباري، ويرى أنه في حال الموافقة عليه وتنفيذه «سيعد أحد المشروعات الضخمة على مستوى العالم من حيث حجمه وموازنته، وسيحل لفترة زمنية معينة إحدى المشكلات المزمنة لدول المجلس، كما أن كلفة شراء الماء من شبكة الربط ستكون أقل لبعض الدول من إنشاء محطات تحلية خاصة بها».

التحوُّل في الفكر تجاه المياه

ظل عدم إعارة محدودية موارد المياه هو الغالب في سياسات كثير من الدول، وهو ما تطالعنا به الفقرة الأولى من مقاله «التحوّل في الفكر العالمي تجاه المياه»، بإشارته إلى أن أسلوب إدارة المياه استمر «في التركيز على محاولة توفير المياه وحماية صحة الإنسان بأي شكل من الأشكال، دون الالتفات إلى محدودية الموارد المتاحة، أو كفاءة استخدام هذه المياه، أو التأثيرات البيئية المترتبة على ذلك مثل استنزاف الموارد المائية أو تجفيف المناطق الرطبة التي تعتمد عليها الأنظمة الإيكولوجية».

يعود زباري في بداية الكتاب/ المقالات، بالقارئ والمهتم على حد سواء إلى الاجتماع التشاوري العالمي بنيودلهي في العام 1990، والذي بحث مياه الشرب والصرف الصحي لعقد التسعينات، وخروج الاجتماع بوجوب أن يكون المحور الرئيسي للإدارة المتكاملة للموارد المائية. وبحسب زباري «كانت هذه هي المرة الأولى التي يذكر فيها ذلك المصطلح لأنه جاء «تعبيراً عن إدراك المجتمع الدولي المعنيّ بالمياه بأن مشاكل المياه هي مشاكل متعدِّدة الأبعاد، ومتعدِّدة القطاعات، وتحمل في طيَّاتها العديد من الأسباب والمصالح والأجندات المختلفة».

مُعرِّجاً على اجتماع دبلن في العام 1992، الذي اعتبره «البداية الفعلية لنموذج ومنهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية، فقد نتج عن المؤتمر بيان دبلن حول المياه والتنمية المستدامة»؛ حيث تم في المؤتمر «وضع ما يُعرف بمبادئ دبلن، الركيزة الأساسية للإدارة المتكاملة للمياه، التي تعتبر بمثابة خطوط استرشادية للدول في تعاملها مع قضايا المياه وإدارتها وهي:

1 - أن الماء العذْب محدود الكمية ومُعرَّض بشكل متزايد لتهديدات التلوُّث، ومهم لاستدامة الحياة والبيئة والتنمية (أي بعد الحياة تأتي البيئة والتنمية).

2 - تعتمد الإدارة المائية على التنسيق بين كل القطاعات وعلى كل المستويات.

3 - إن مسئولية المياه والمحافظة عليها تقع على الجميع، وليس على جهة واحدة فقط، بما فيها النساء والأطفال والشباب.

4 - للمياه قيمة اقتصادية بالإضافة إلى قيمته الاجتماعية والبيئية، بمعنى أنه بعد توفير احتياجات الإنسان الرئيسة، يجب توزيع حصص المياه لأعلى قيمة مضافة لاستخدامها.

المؤتمر نفسه، دعا إلى تبنّي مبادئ ثلاثة لصوغ السياسات المائية وهي: العدالة الاجتماعية، باعتبار المياه سلعة عامة، بحيث تكون استخداماتها للمصلحة العامة، والمحافظة عليها بشتى الوسائل لضمان حصول كل فرد في المجتمع حالياً ومستقبلاً على حصته من المياه.

أما المبدأ الثاني فتحدَّدَ في الكفاءة الاقتصادية، كون الماء مورداً يتسم بالندرة، ويجب استخدامه بكفاءة.

وتحدَّد المبدأ الثالث بالاستدامة الإيكولوجية، وذلك باستخدام المياه دون التضحية باستدامة المنظومات الإيكولوجية السياسية التي يمثل الماء العنصر الرئيس لها.

الأفكار والمعالجات التي يقدمها زباري في كتابه ليست صعبة التحقيق، لكنها تحتاج إلى جدّية في التعاطي مع مشكلة المياه، بدءاً بالتشريعات وقيام الهيئات المعنية، وليس انتهاء بالكفاءات التي لا تخلو منها مملكة البحرين، وزباري في مقدمتها.

يذكر أن البروفيسور وليد زباري حصل على شهادة الماجستير في الهيدروجيولوجيا وإدارة الموارد المائية، تخصص دقيق نماذج المحاكاة الرياضية من جامعة أوهايو الأميركية في العام 1987، وشهادة الدكتوراه في الهيدروجيولوجيا، تخصص دقيق نماذج المحاكاة الرياضية، من جامعة كولورادو الأميركية في العام 1990.

له أكثر من 45 بحثاً ودراسة في مجال تنمية وإدارة الموارد المائية، وأشرف على أكثر من 20 رسالة ماجستير.

هو المؤلف الرئيس للجزء الخاص بحالة البيئة والسيناريوهات البيئية لمنطقة غرب آسيا «الجزيرة العربية والمشرق العربي» لتقرير التوقعات البيئية العالمية الرابع الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في العام 2007.

تتم الاستعانة بزباري في تحكيم العديد من البحوث المقدمة للنشر بالمجلات العلمية العالمية والإقليمية، ومشاريع الأبحاث المقدمة لتمويل الجهات المانحة، والجوائز العالمية والإقليمية، مثل جائزة الأمير سلطان العالمية للمياه، وجائزة دول مجلس التعاون للبيئة. كما تم تعيينه رئيساً للجنة الوطنية للجوائز البيئية بمملكة البحرين للفترة ما بين 2044 وحتى 2007.

يعمل خبيراً للعديد من منظمات الأمم المتحدة والعربية والوطنية في مجال الموارد المائية والبيئة.

حصل في ديسمبر/ كانون الأول 2002 على جائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) لأفضل باحث عربي في مجال الموارد المائية.

العدد 4453 - السبت 15 نوفمبر 2014م الموافق 22 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً