العدد 4456 - الثلثاء 18 نوفمبر 2014م الموافق 25 محرم 1436هـ

بريقه الأخّاذ يخطف الأبصار... ولكن؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

من برجه العاجي وبريقه الأخّاذ للنساء وجاذبيته المفرطة التي لا تضاهى لرجال المال والأعمال، هناك عالم يتخفى فيه من التشابك والتعقيد. إنه «الذهب» المعدن النفيس و»الخزنة والخزينة» كما تردد الجدات والأمهات، ذاك الذي يجاهد محافظاً على هدوء تحرّكه وسط زوابع تقلبات النفط وتوقّعات هبوط أسعار برميله إلى ما دون 75 دولار أميركي للبرميل، فهل ينجو بنفسه وببريقه؟

حتماً، على رغم تباين الآراء واختلافها حول أهميته وعلاقته بأسعار النفط والعملات الصعبة وعلى قمتها الدولار الأميركي، فضلاً عمّا يتميز به من شهرة كمعدن نفيس وملاذ آمن في أوقات الأزمات وزمن الحروب، هناك من يقيّمه كسلعةٍ شأنه شأن بقية السلع المتداولة الخاضعة لقوانين العرض والطلب وإن باختلاف، لكونه نادر لا ينضب ولا ينتهي بسبب الاستهلاك بل على النقيض ينتقل من ملكية إلى أخرى ويعاد إنتاجه، وإذ ما ارتفعت أسعاره باستمرار فهذا مؤشر حقيقي وصادق بالنسبة للخبراء على فقدان المستثمرين ثقتهم بالدولار والتوجه نحوه.

في المتداول «مجلس الذهب العالمي» المعني بوضع تقارير وتحليلات عن الذهب كسلعة، يشير إلى هبوط تدريجي لسعره خلال السنوات الأخيرة، لكنه يتوقع بالمقابل صعوده مجدداً بعد أن رصد ارتفاعاً طفيفاً حققه بنسبة 9.2%، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى تنامي وتيرة إصدار السندات المالية وضعف عوائدها، ما يشكّل فرصةً للمستثمرين لشرائه ومراكمته، خصوصاً وأن هناك طلباً مزدوجاً عليه حسب المجلس من جهة المستهلك العادي، ومن المصارف المركزية على رغم ضعف الإقبال عليه استثمارياً.

تعتبر دول الخليج النفطية من المستثمرين الرئيسين للمعدن النفيس، وهذا أمر طبيعي بسبب فوائض الإيرادات النفطية ولاسيما بعد أزمة ديون منطقة اليورو واهتزاز الثقة بالعملات الصعبة المتأرجحة قيمتها تبعاً للظروف والأحداث العالمية، وعلى رغم تطور استخداماته اليوم في صناعات التكنولوجيا وطب الأسنان وتداوله استثمارياً كسبائك وعبر صناديق استثمارية والإقبال عليه بشدة، كما أشرنا من المصارف المركزية باعتباره عاملاً نقدياً مستقراً يدعم العملة النقدية ويمكن تسييله في أي وقت للحصول على العملات الصعبة، فضلاً عن أن أكثر من 53% من الطلب عليه لأغراض استخدامات المجوهرات والزينة. إلا أن بعض المحللين يثيرون الشكوك حوله بسبب انخفاض الطلب عليه بنسبة 30% ويفسّرون ذلك بتراجع مكانته كعنصر زينة أساسي في العديد من المجتمعات، خصوصاً تلك التي تعلي من شأن المنتجات التكنولوجية كبدائل جذابة (راجع: «الذهب يتحضر للصعود»، هيثم الموسوي، «الأخبار» 12/11/2014». بالطبع هذا القول يتطلب النظر بدقة لماهية الذهب كسلعة وما يمثله، لماذا؟

الأمر بديهي، فمن يتتبع سيرة الذهب وتاريخه، سيجد أن عوامل عديدة اتفق عليها أغلب الباحثين تبرز أهميته وتؤثر في تحديد سعره ومكانته كسلعة، كما أنه يتسم بعلاقة طردية مع تحركات أسعار النفط الذي يعد مصدراً أساسياً للطاقة في العالم، إلى جانب تأثره وعلاقته العكسية مع الدولار، ترى ما طبيعة العلاقة بينه وبين النفط والدولار؟ وما أبرز العناصر التي تؤثر في سعره؟

قبل الإجابة عن السؤال الأول، لنوضح إجابة السؤال الثاني، ففي تقارير متعددة تبين ارتباط الذهب القوي بحدوث أزمات سياسية واقتصادية تؤثر عبر نتائجها على انخفاض قيمة العملات، فضلاً عن أي اضطراب قد يحدث للدولار من شأنه رفع طلب المستثمرين على الذهب ويؤدي إلى ارتفاع أسعاره، إضافة إلى تزايد عمليات المضاربة في أسواق الأسهم والسندات التي غالباً ما يفقد فيها المستثمرون ثقتهم بالعملات الورقية والتوجه نحو الذهب.

بيد أن هذا التأثير عند البعض يبقى نسبياً ويعتمد على حركة أسواق المال والأحداث السياسية والاقتصادية المتغيّرة وردود الأفعال تجاهها، إذ تختلف من مجتمع إلى آخر. كما تتأثر أسعاره أيضاً بمعدلات التضخم المرتفعة، التي تعني ارتفاع أسعار السلع والخدمات وضعف معاشات الأفراد ومداخيلهم؛ ما يعني ضعف القوة الشرائية للعملة. هنا يكون سعر الذهب كسلعة في أوج قوته مقابل المستويات القياسية للتضخم.

أما الجانب الآخر فيتمثل في ضعف التعدين عن الذهب كمعدن، أو توقف إنتاجه بسبب ارتفاع تكاليف استخراجه أو الاجراءات القانونية أو المشاكل الجغرافية المؤثرة في نقص المعروض منه. فقد سجّلت تقارير اقتصادية نسبة انخفاض في عرض الأسواق مقدارها 40%، كما أن للتطورات التي تحدث في أكثر الدول إنتاجاً أو استيراداً واستهلاكاً للذهب، تأثيراً كبيراً على سعره، فالصين مثلاً تحتل المركز الأول في إنتاجه حتى العام 2013، إذ بلغ إنتاجها 360 طناً، بقيمة معاملات 298 مليار يورو. وهي تعد أكبر مستهلك أيضاً للذهب في العالم، إضافةً إلى الهند، فمن بين 9 أونسات ذهب تباع في العالم، هناك واحدة منها لصالح الهند، إلى جانب جنوب أفريقيا المنتج الثاني، واستراليا كأكبر رابع منتج في العالم بعد الولايات المتحدة التي تنتج 225 طناً من الذهب سنوياً.

حول صلة الذهب بالنفط وهي إجابة السؤال الأول، يمكن القول أن كلاهما يتمتع بمقومات تجعله في قلب الأسواق وقمتها، بسبب تأثيرهما في النمو الاقتصادي، ولأدوارهما المتعددة في علاقات الدول. على أن الصلة تتوطد أكثر من خلال تحديد النفط لأكلاف السلع بالارتفاع أو الانخفاض؛ وهذا يعكس أثره مباشرةً في الاقتصاد المحلي ومستوى الأسعار عامة. ولاشك أن أي صعود لأسعار النفط سيؤدي في المحصلة النهائية إلى ارتفاع الدخل القومي للبلدان المنتجة، ومنه بتحسن مداخيل الأفراد ومستوى معيشتهم واتجاهاتهم نحو إشباع الحاجات الكمالية ومنها الذهب، الأمر الذي قد يزيد الطلب على الذهب كسلعة ويرفع سعرها، لم لا وهو الذي يمثل ملاذاً آمناً مقارنةً بمشكلات الاستثمار في الأسهم والسندات والمضاربات. كما تتكشف علاقة الذهب بالنفط أيضاً في قانون العرض والطلب، من خلال مضاربات البورصات العالمية بالذهب بهدف زيادة الإقبال عليه ورفع سعره لامتصاص الزيادة في العائدات النفطية.

أما لجهة علاقته بالدولار، فهي قصة طويلة تعود إلى اتفاق «بيرتون وودز» بين أميركا وحليفتيها فرنسا وبريطانيا، في العام 1945، أي بعد الحرب العالمية الثانية، حين اتفقوا وقرّروا اختيار الدولار ليكون عملة مشتركة يتم ربط بقية العملات به وفق قاعدة تساوي فيها أوقية الذهب 33 دولاراً، كما يتعين على أميركا إيداع مقدار من الذهب يعادل نسبة معينة من الدولار الذي تقوم بطباعته. إلا إنه وبسبب تنامي الاقتصاد الأوروبي والياباني وكافة المناطق، فضلاً عن الركود الاقتصادي الذي مرّت به أميركا في السبعينيات، جعلها تتخلّى عن نظام مبدأ التعادل بين قيمة الذهب الموجود والدولار، وأصبح الأخير هو الأساس الوحيد لقياس العملات الوطنية. وقد كان هدف الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون من ذلك، إنقاذ الدولار من الأزمات التي مرّ بها وإقراره ليتربّع على قمة الاقتصاد العالمي، وإبعاد الذهب عن ساحة التعامل النقدي، وهذا ما يفسّر عملياً -حسب المحللين- هيمنة الدولار وتأثيره العكسي على سعر الذهب. وماذا أيضاً؟

أيضاً هناك القرارات والسياسات النقدية التي يتخذها البنك الفيدرالي الأميركي الذي يحتفظ في منهاتن بنيويورك، بمخزون من الذهب تعود ملكية أكثر من 98% منه إلى 60 دولة وعدة مؤسسات عالمية، إذ قُدّر المخزون حتى 2012 بـ 530 ألف سبيكة تزن 6700 طن، بقيمة 368 مليار دولار. كذلك يتأثر الذهب في حال اتخاذ أية سياسات يتحدّد من خلالها سعر الفائدة أو حصص البنوك المركزية من سبائك الذهب الرسمي المقدّر بحوالي 30 ألف طن متري، علماً بأن الاحتياطي الرسمي الأميركي من الذهب هو الأعلى في العالم.

الخلاصة، هل يبقى الذهب كما كان متصدراً شاشة أسواق التداول بقيمته وصفته كمعدن نفيس و»خزنة وخزينة» للدول كما هو للنساء؟

- نعم... يبقى ولكن بآليات سوق مختلفة متخصصة متغيرة باستمرار، تبعاً لوتيرة التغيير السريع في عالم العولمة.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4456 - الثلثاء 18 نوفمبر 2014م الموافق 25 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً