العدد 4460 - السبت 22 نوفمبر 2014م الموافق 29 محرم 1436هـ

لماذا اختزال الخلافة الإسلامية بإقامة الحدود الشرعية؟

تقي محمد البحارنة comments [at] alwasatnews.com

شاعر وكاتب بحريني

يهتم الدعاة إلى حكومة الشرع الإسلامي اهتماماً كبيراً فوق المعتاد بإقامة الحدود الشرعية، بل إن كثيراً من السلفيين والتكفيريين يكادون يختزلون الإسلام في هذا الباب. وأغلبهم لا يعترفون بوجود مشكلة كبيرة في تطبيق أحكام الحدود في هذا العصر، ولا يقيمون وزناً لاعتراضات محلية ودولية تصفها بالوحشية وانتقاص حقوق الإنسان الذي كرّمه الله ووعده بالعفو والمغفرة عند التوبة.

والإعتراض إنما ينصبّ على وسائل التحقّق من ثبوت تلك الجرائم باعتبار أن معظم المحاكم الشرعية والسلفية بالذات، لا تستعمل أدوات التقاضي والإثبات في المحاكم العدلية المدنية المعترف بها دولياً... إلى آخر تلك الاعتراضات.

ثم إن بعض المذاهب الإسلامية لديها اجتهادات في كيفية تطبيق الحدود. ولعدد لا بأس به من الدعاة والمفكرين الإسلاميين أيضاً آراء واجتهادات في هذا الموضوع. ونستعرض فيما يلي بعض الأمثلة دون إبداء رأي في صوابها من عدمه.

* حدّ السرقة: قطع اليد، حيث يرى معظم فقهاء المذهب الإمامي أن موضع القطع هو الأصابع دون الكفّ، وذلك لكي يتمكن العبد في صلاته من أداء الركوع والسجود (ولذلك فائدة أخرى وهي عدم خلق عاهة دائمة تعيق الإنسان عن العمل وطلب الرزق).

ويرى المفكر الإسلامي من الإخوان المسلمين السيد قطب في كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، ومن على رأيه من المفكرين الآخرين، أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عطّل العمل بقطع اليد للسارق في عام المجاعة؛ وأن الفقر شائعٌ في ديار المسلمين اليوم لعدم تطبيق العدالة الاجتماعية، فمن العدل إنزال عقوبة أخف لا تصل إلى قطع اليد، حتى تأخذ الأمة كفايتها من العدالة الاجتماعية. كما يقترح العمل بمبدأ وارد في الشرع تحت مسمى «سد الذرائع»، وذلك بإصلاح المجتمع وحصول الفرد على كفايته حتى لا توجد ذريعة للسرقة والفساد.

كما يرى الكاتب الإسلامي محمد قطب في كتابه «شبهات حول الإسلام»، أن الإسلام يقرّر عقوبات رادعة، ولكنه لا يطبّقها أبداً حتى يضمن أولاً أن الفرد الذي ارتكب الجريمة قد ارتكبها دون مبرر ولا شبهة اضطرار. ولا يقرّر قطع يد السارق أبداً وهناك شبهة بأن السرقة نشأت من جوع... وأن سياسة الإسلام في جميع العقوبات أن يلجأ أولاً إلى وقاية المجتمع من الأسباب التي تؤدي إلى الجريمة قبل أن يقرّر العقوبة، فإذا عجز المجتمع، لسببٍ من الأسباب، عن منع مبررات الجريمة أو قامت الشبهة عليها في صورة من الصور، فهنا يسقط الحد بسبب هذه الظروف المخففة.

ويرى الكاتب الإسلامي المفكر محمد شحرور أن ورود كلمة «السارق والسارقة» في القرآن الكريم بـ «أل التعريف» هو دلالة على من اتخذ السرقة مهنةً له مثلما نقول في اللغة (الحدّاد والنجّار والبنّاء إلخ...)، وأن من يسرق لأول مرة لا يعاقب بقطع اليد، إلا بعد أن يثبت بعد التحرّي مزاولته للسرقة مراراً.

كما يرى شحرور ما معناه أن الحدود في القرآن الكريم بعموميتها، هي الحد الأعلى للعقاب استناداً لقوله تعالى: «وتلك حدود الله فلا تعتدوها... فلا تقربوها... إلخ، وأنه من المناسب في هذا العصر أن تبدأ العقوبة بالحد الأدنى ثم تتدرج بتكرار ارتكاب الجرم إلى ما فوقها.

ولا يقف المفكرون الإسلاميون المجدّدون كثيراً عند تطبيق حد الزنا، لاشتراط القرآن الكريم توفّر أربعة شهود عدول، وذلك نادر الحدوث.

ويرى البعض في موضوع شرب الخمر أنه معصية بين الإنسان وربه، وأن المذاهب اختلفت في مسألة التحريم أهو في السكر ذاته أم في المسكر، والمسكر في قليله أم كثيره.. إلخ. وكثير من المسكر داخل في الدواء، ويرون أن ما يرد من عقوبة في القانون المدني فيه الكفاية.

أما قتل المرتد عن الإسلام ففيه إشكال، لعدم وجود نص صريح في الكتاب على ذلك. والآية في القرآن الكريم تقول: «ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خلدون» (البقرة، 217).

تلك هي مجرد آراء واجتهادات في موضوع تطبيق الحدود الذي تعتبره الجماعات المتشددة والسلفية أمراً مفروغ منه قابل للتطبيق في عصرنا هذا، وهو ليس كما يتصوّرون، وذلك من بين آراء واجتهادات أخرى مستجدة لعلماء في الشرع الإسلامي ولمفكرين إسلاميين وسواهم، لا مجال لذكر أسمائهم، جديرة بأن تُناقش بموضوعية في نطاق تجديد الفكر الإسلامي المعاصر، بدلاً من اللجوء إلى التشهير والتكفير وتهم الإرتداد عن الدين كما جرى في بعض البلدان الإسلامية.

والخلاصة: فإن ما يتصوره دعاة إقامة «خلافة إسلامية» وتنصيب خليفة أو أمير للمسلمين وأخذ البيعة له، والتغرير بشباب الأمة واستغلال حماستهم للدين للتضحية بأنفسهم وثكل عوائلهم تحت مسمى «الجهاد»، لتحقيق هذا الغرض الذي هو خارج التاريخ وخارج العصر الحديث؛ وأن ذلك فرض واجب على المسلمين في هذا العصر لتحقيق ذلك ولو أدى إلى الفتنة والإقتتال بين المسلمين، وأنه من أمر الله تعالى... لا يستند إلى نص شرعي مقبول متفق عليه، ولا مبرر له في عصرنا هذا، لا سيّما إذا اقترن كل ذلك بإزهاق أرواح المسلمين وغير المسلمين، باعتبار من تحرّج من المسلمين عن هذا الفعل كفاراً يستحلّ غزوهم وقتلهم وتشريدهم من ديارهم. ونصرة شعب فلسطين من الغزو الصهيوني هو الأولى شرعاً وعرفاً لمن أراد التضحية والاستشهاد في سبيل الله والوطن. أما سبيل الدعوة إلى الله كما أمر بها الله فهي «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، فذلك حق مشروع وقد تكفلت به الحكومات المدنية العصرية في دساتيرها وتشريعاتها والتي تفسح المجال واسعاً للإعتراض والمعارضة السلمية وتكوين أحزاب معارضة لها. ولم نسمع أن الله تعالى سوف يحشر للحساب دول العالم وحكومات الدنيا كافة، ولكنه سوف يحاسب أفرادها على أعمالهم: فمن يعمل خيراً يره ومن يعمل شراً يره.

وأختم مقالتي بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون» (المائدة، 105).

إقرأ أيضا لـ "تقي محمد البحارنة"

العدد 4460 - السبت 22 نوفمبر 2014م الموافق 29 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:29 ص

      شرع الله

      يطبق شرع الله بالاعتدال ولكي يسود العداله الاجتماعيه وليس كما يفعلونه هم بقطع الرقاب بمجرد انهم خالفوهم

    • زائر 1 | 3:06 ص

      هم بعتقدون

      ان الاسلام الذي يعتنقونه هو تطبيق للحدود فقط لان اسلامهم غير اسلام النبي ص وانما هو اسلام اموي وهو معروف تاريخه الدموي , وحينما كانت عصابات القاعدة تردد الاهازيج في الرمادي وهي تقطع الطرقات كانت تردد . حنا تنظيم اسمنا القاعدة نكطع الروس و نكيم الحدود . وقد اكمل بعض الظرفاء ذلك بقوله . لانبني مدارس ولامستشفيات لانبني مصانع و لانبني سدود . ههههههه
      علي جاسب . البصرة

اقرأ ايضاً