العدد 4477 - الثلثاء 09 ديسمبر 2014م الموافق 16 صفر 1436هـ

تونس ومسار التحول الديمقراطي

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الزائر لتونس هذه الأيام يشعر بحماس وتفاعل الشارع التونسي مع الحراك السياسي القائم نحو بناء الدولة الديمقراطية، من أجواء تنافسية بين المرشحين في الحملات الانتخابية، مفاوضات تسوية بين الأحزاب والكتل السياسية، صحافة حرة ومتابعة، أحاديث الناس على مختلف مستوياتهم، مشاركة فعالة لمؤسسات المجتمع المدني.

بعد أن تمت صياغة الدستور والتصويت عليه، وانتخاب أعضاء البرلمان، ستكون المرحلة الأخيرة في الانتخابات الرئاسية خلال الأيام القليلة المقبلة بين 27 مرشحاً.

بلا شك فإن تونس مرت منذ قيام ثورتها بتحديات عديدة إلى أن وصلت إلى المرحلة الحالية، خاضت خلالها عديداً من التجارب والمنافسة بين مختلف القوى والاتجاهات، ولكنها تمكنت من تجاوز معظم تحديات مرحلة التحول نحو الديمقراطية.

من أبرز قضايا الحوارات القائمة بين القوى السياسية هو السعي لعدم ممارسة إقصاء لأية قوة أو جهة سياسية، مما يعني إتاحة الفرص للتنافس بصورة ممأسسة ودستورية، والقبول بنتائج صناديق الاقتراع وتداول السلطة بصورة سلمية.

هذا بحد ذاته في نظري يشكل ضمانة لاستمرار عملية التحول الديمقراطي بصورة إيجابية وسلسة. بالطبع لا يخلو الحال من حالات اتهامات متبادلة ناتجة عن المنافسة بين مختلف القوى، ولكنه في النهاية يخضع إلى منظومة قانونية ودستورية واضحة.

المراقب يشهد بأن مختلف القوى تعمل على الوصول إلى تسويات وتنازلات أحياناً من أجل التوافق وعدم إضاعة فرصها الحالية أو المستقبلية، وذلك يعني ممارسة السياسة بصورة فعالة ومطمئنة. فالقوى الإسلامية التي كانت متشددة في مواقفها بداية الثورة بدأت تصوغ خطاباً أكثر مدنية واتزاناً عما كان عليه سابقاً، كما أن غيرها من القوة السياسية خففت كثيراً من حدة موقفها من الإسلاميين.

هناك قناعة لدى الجميع بأن تتم العملية السياسية التونسية بعيداً عن تأثيرات الخارج، ولعل ما جرى في مصر ودول عربية أخرى درس مهم في تونس مشروع التحول هنا، وحتى الإسلاميين بدأوا ينحون بأنفسهم من تجربة نظرائهم المصريين.

التخوف والحذر الذي يبديه كثيرون هنا هو أن أي تدخل خارجي عربي أو غيره لدعم أو تأييد اتجاهات سياسية معينة قد يسبب أضراراً في الداخل التونسي، سواء كان إعلامياً أو مالياً أو سياسياً. ويستحضر كثيرون نمط الدعم التنموي الألماني لتونس طوال فترة التحول الديمقراطي كأنموذج ينبغي الاقتداء به، بحيث أنه لا ينحو باتجاه مساندة طرف دون آخر.

من أبرز التحديات التي تتفق عليها القوى السياسية في تونس مشكلة الإرهاب والتوجهات المتشددة، خاصة الوافدة عبر الحدود الليبية، وضرورة معالجتها بحسم ضمن استراتيجية قانونية وأمنية واضحة.

ومنها أيضاً مواجهة الفساد الذي كان قائماً سابقاً وما زال في الفترة القصيرة الماضية، باعتباره سبباً لإنهاك الاقتصاد الوطني وإضعاف مشاريع التنمية. ومن أبرز التحديات أيضاً معالجة مشكلة البطالة وتوظيف الشباب وتنمية المناطق النائية بصورة متوازنة. وجود مؤسسات المجتمع المدني وفاعليتها ودورها الإيجابي والتوعوي ومشاركتها وحضورها في مختلف الفعاليات، يشكل ضمانة حقيقية لتصحيح وتوازن مسار التحول الديمقراطي، فهي تلعب دوراً بارزاً في توعية المواطنين وإشراكهم، وتعمل بكل حرية ويسر، وتشارك فيها شخصيات نخبوية مهمة وبارزة.

كلنا أمل في أن تكون مسارات التحول الديمقراطي في تونس ناجحة وقادرة على مواجهة التحديات التي تمر بها، وتكون أنموذجاً لدولة مدنية تتمتع بالأمن والازدهار في عالمنا العربي المضطرب سياسياً واجتماعياً.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 4477 - الثلثاء 09 ديسمبر 2014م الموافق 16 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً