العدد 4478 - الأربعاء 10 ديسمبر 2014م الموافق 17 صفر 1436هـ

جحيم الأرض... جنة الوطن

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

«جحيمٌ يسمونه بلاداً، حيناً يقال له الوطن،

وغالباً يحمله الشخص مثل خيطٍ من الأوسمة:

زينة الضريح. جنازة الأمل.

قيل إنه الوقت والمكان

يتراءى مثل الحلم فيما يكون وهماً

يتمارى فلا تدركه البصيرة ولا يطاله الكلام

لن تعرف ما إذا كنت سيداً في هذا الجحيم أم عبداً».

ذاك هو مقطعٌ من نصٍ طويلٍ للشاعر البحريني قاسم حداد، طالما استوقفني وأنا أسمع أدونيس يلقيه من خلال شريط كاسيت أنتج لتجربة «وجوه» التي عرضت في التسعينيات، ومنذ ذلك الوقت وأنا أبحث عن معنى الوطن من غير أن أصل إلى نتيجة نهائية، وكأنه بالفعل شيء لا تدركه البصيرة ولا يطاله كلام، ومنذ ذلك الوقت وأنا لا أعرف من السيد في بلادي ومن هو العبد.

فالوطن هو الحيز النقيُّ من القلب، من الذاكرة، من البشر الذين لم تلوثهم أضغانُ وأحقادُ الممسوخين، من الحلم بمكانٍ آمنٍ للحياة، مكانٍ صالحٍ للتمدّن بعيداً عن الهمجية، المكان الذي لا يقتسم فيه أفرادٌ بعينهم ما يجب أن يكون ملكاً للجميع، فلا فساد ولا سرقة.

الوطن هو تلك الرقعة التي يكون فيها المواطن غنياً بكل ما يكتنز بداخله من اختلافٍ عن الآخر وتشابهٍ معه، بكل ما يحمله من كفاءاتٍ ومشاعر ومعتقدات، هو الأم والإبن والأب والحضن والحبيب. هو المكان الذي كلّما بعد عنك اقتربت منه وبحثت عنه، وازداد بداخلك الحنين إليه.

فللأوطان قدرةٌ على تجيير كل المشاعر لصالحها، حتى تلك التي يتناوب عليها السرّاق والقتلة وأكلة لحوم البشر، فالوطن هو الكلّ لا الفرد، هو الروح لا الجسد، وبهذا يكون معناه بعيداً عن كل ما يريدون له أن يكون.

الأحداث التي تمرّ بكل البلدان في العالم، الجحيم الذي تعيشه شعوبٌ كثيرةٌ مصادرة الحقوق، الدماء الحارة التي تسفك كل يوم على اسفلت الشوارع وعلى تربة الأراضي في بلدانٍ شتى، الصراعات التي يتبانها حاقدون خلت أجسادهم من الروح والضمير، كل ذلك الخراب لا ينتج أوطاناً؛ بل ينتج بلداناً يعيش الوطن بداخل كل فردٍ فيها كالحلم الذي يغطيه الضباب، مهما طال وقته لابد وأن يشرق بعد أن تشرق الشمس عليه وتجفف معاناته.

الشتائم والإتهامات المتبادلة بين أية حكومة ومعارضيها، جرائم التفخيخ والقتل، مظاهرات العنف، والقمع القاتل، الاعتقالات والهجرات، المسيرات السلمية وتصريحات المسئولين المغلفة بالزيف والتضليل، الأغنيات الوطنية وقصائد مدح الحكام والسلطات، التغييرات الوزارية والبرلمانات كاملة الصلاحية وتلك قليلة السلطة على غرار كل شيء قليل الدسم يباع في السوبرماركت بحجة المحافظة على الصحة، كل هذي الأمور ما هي إلا محاولات لتغيير معنى البلاد إلى مفهوم الوطن أو العكس، فكل فردٍ على أرض البلاد يبحث عن وطن بمقاس أحلامه وطموحاته ومصلحته الشخصية.

بداخل كلٍّ منا وطن قد يكون جحيماً كالذي يعيش على أرضه أحياناً، أو جنة كما يتمناه قلبه.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4478 - الأربعاء 10 ديسمبر 2014م الموافق 17 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:25 ص

      آه يا وطن ..

      شكراً للكاتبة الراقية الأستاذة سوسن دهنيم ، على هذا المقال القيّم و (المُسكِّن للقريحة) ..
      شكراً لكم ..

    • زائر 2 | 11:38 م

      الوطن

      ان عملية تمزيق النسيج الوطني و وأد الحركة الوطنية بدأت في عام تسعه و سبعين عندما صار عدد لايستهان به يتبع الأفكار الطائفية التي تم ادخالها علينا في البحرين من ايران

اقرأ ايضاً