العدد 4478 - الأربعاء 10 ديسمبر 2014م الموافق 17 صفر 1436هـ

“المناطق الزرقاء”.. فكرة بيوتنر عن الحياة الصحية

ا لمناطق الزرقاء مصطلح أطلقه الكاتب الأميركي دان بيوتنر، ثم اسم لكتاب حقق أعلى نسبة من المبيعات حين نشر، فإلى مشروع طُبِّق في العديد من المناطق في الولايات المتحدة الأميركية.

ويعبر المشروع عن أحلام بيوتنر في تحسين نمط الحياة في المجتمع الأميركي ليعيش حياة أطول، وفي أفضل حالة صحية ممكنة، عبر تغيير البيئة المحيطة بهم. وبدأت القصة في العام 2004 حيث اتفق بيوتنر مع «ناشيونال جيوغرافيك» للبحث عن المناطق التي يوجد بها أكثر نسبة من المعمرين في العالم. ووجد في بحثه أن هناك مناطق يصل فيها عمر الفرد إلى 100 عام بمعدلات تقفز على 10 أضعاف مقابل مناطق شبيهة لها في الولايات المتحدة الأميركية.

وخلص الكاتب الأميركي مع فريقه إلى أن هناك 9 خصائص محددة يشترك فيها سكان هذه المناطق مثل سردينيا في إيطاليا، أوكيناوا في اليابان، ايكاريا في اليونان؛ ويمارسونها كأنماط حياة يومية ساهمت في رفع معدل أعمارهم وحفاظهم على صحتهم أيضاً.

وكتب بيوتنر النتائج التي توصل إليها في بحثه في مقال من 30 صفحة لمجلة «ناشيونال جيوغرافيك» في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، وهو التقرير الثاني الذي حاز على المرتبة الثانية في المقالات الأكثر قراءة في تاريخ المجلة. وقد قام بتأليف كتابين عُدَّا من الكتب الأكثر مبيعاً على أساس أبحاثه: «المناطق الزرقاء» و«تزدهر».

في كتاباته، ركز بيوتنر على أن هناك 9 مبادئ يساعد الالتزام بها في التمتع بحياة صحية مفيدة مثل تناول الفواكه والخضراوات والحبوب يومياً، العيش في حياة أسرية هادئة، وجود أصدقاء يدعمون النمط الصحي، والحد من التوتر من خلال القيلولة، والصلاة والاستمتاع بالوقت مع الأصدقاء يومياً.

من الفكرة إلى التطبيق

لم يكتفِ بيوتنر بالكتابة فقط، بل عمل جاهداً لتطبيقها على أرض الواقع، فقد كان يهدف إلى نشر المعرفة بين الشعب الأميركي، وتحسين جودة الحياة ليس عن طريق إجبار الناس على اتباع الحمية أو ممارسة الرياضة، بل عن طريق تغيير البيئات التي يعيشونها يومياً بطرق تشجع على حياة أصح.

في العام 2009 نجح بيوتنر في تطبيق أفكاره بالتعاون مع مؤسسة اتحاد الصحة، وبالشراكة مع «هيلث ويز» في منطقة ألبرت لي في ولاية مينيسوتا كمشروع تجريبي.

نتائج المشروع كانت مذهلة فقد ارتفع متوسط الأعمار للمشاركين بواقع 2.9 سنة خلال عام، وانخفضت معدلات مطالبات الرعاية الصحية للعاملين في المدينة إلى 49 في المئة.

بعد عامين من بدء مشروع المناطق الزرقاء في ولاية كاليفورنيا المجتمعات شاطئ هيرموسا، ريدوندو ومانهاتن بيتش، التي يبلغ عدد سكانها مجتمعة من 130 ألف، سجلت مؤسسة غالوب انخفاضاً في نسبة الإصابة بالسمنة بواقع 14 في المئة، وانخفاضاً بواقع 30 في المئة في تعاطي التبغ، وارتفاعاً بنسبة 10 في المئة في الممارسات الصحية.

وقدرت الإحصاءات في مؤسسة غالوب تلك التغييرات بما يعادل نحو 10 ملايين دولار في المدخرات سنوياً.

وتقول مؤسسة المناطق الزرقاء في موقعها على الإنترنت إنها تعمل حالياً على بناء المناطق الزرقاء في المدن والشركات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وترتكز مهمتها على مساعدة الناس على العيش حياة أطول وأفضل.

التزام الكل... عامل النجاح

يلفت دان بيوتنر إلى أن المشروع هو نظام طويل الأمد يشترك في تطبيقه الجميع من مؤسسات حكومية وأهلية وتجارية أيضاً وأفراد من مختلف الفئات العمرية لتحسين البيئة المحيطة.

ويقول إن البرنامج يتطلب أن يوقع نحو 20 في المئة من السكان في هذه المناطق على تعهد بالالتزام بتطبيق سياسات مؤسسة المناطق الزرقاء، كما يتطلب توقيع نحو 50 في المئة من أهم 20 صاحب عمل في تطبيق المعايير الصحية في أماكن العمل.

ويؤكد أنه لتحقيق النجاح يجب أن يطبق 25 في المئة من المدارس والمطاعم، ومحلات البقالة الأنظمة الصحية. ويضيف إلى ذلك أهمية امتلاك مصدر تمويل لمشروع التحول في نمط الحياة المعاش، فمن أجل إجراء تقييم لمدة ستة أشهر هناك حاجة لنحو 350 ألف دولار ، وهذا يدفع بسرعة إلى الوراء وفورات في الكُلَف، بحسب ما ورد في صحيفة وليكس الوطنية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وتقوم استراتيجية المناطق الزرقاء أيضاً على تشكيل ورعاية الفئات الاجتماعية التي تدعم عادات صحية. وتقوم على مساعدة الناس في تصميم منازلهم بحيث يكون مجال الحركة فيه أوسع. إضافة إلى تشجيع الناس على الحد من التوتر.

بسيطة ومؤثرة

ومن الملاحظ أن أفكار بيوتنر بسيطة جداً وسهلة التطبيق، فمن الأفكار التي طرحها وطبّقها بناء أرصفة جديدة تربط بين المناطق السكنية والمدارس والمراكز التجارية، وذلك لتشجيع التنقل مشياً على الأقدام والتقليل من استخدام وسائل المواصلات.

ويعلق المدير التنفيذي لمؤسسة المجتمعات التي يمكن المشي والعيش فيها، دان بوردن، في مقال نشر في مجلة «نيوزويك» في عدد 23 فبراير/ شباط 2010: «إن هذه الإجراءات من شأنها مضاعفة قيمة الأجور للبنايات التي يمكن الوصول إليها سيراً على الأقدام بمعدل 3-5 أضعاف، ما سيرفع الإيرادات الضريبية من دون أن تزداد البنى التحتية». ويوصي «بحمية لإزالة الطرقات»، حيث تستغني المدن عن ممر أو ممرين من ممرات السيارات لصالح أرصفة. ويقول: «عندما تنحف الطرقات تنحف الناس أيضاً».

وتوجهت «الوسط الطبي» بسؤال لعضو أمانة العاصمة مجدي النشيط عن توجه المجلس لتطبيق مثل هذه الأفكار فقال: «هناك فكرة قريبة منها تم تطبيقها في منطقة الجفير في شارع المعارض وهي إغلاق المنطقة في الفترة المسائية للتخفيف من الازدحام، وحث الناس على المشي، ما مكن المطاعم والمقاهي من تقديم خدماتها لزبائنها في الهواء الطلق».

وأضاف: «تقدمنا بالمقترح نفسه في إحدى مناطق الرفاع، لكن لم يقر حتى انتهاء دورة المجلس، ولدينا مقترح آخر في منطقة مدينة عيسى أتمنى أن يطبق على يدي المجالس المقبلة؛ كما أتمنى أن تعمم هذه الفكرة في مناطق أخرى».

ولفت إلى أن هناك عوائق أمام التطبيق منها وأهمها قلة مواقف السيارات التي تمكّن الجهات المختصة من إغلاق المناطق مساءً من دون أي تأثيرات سلبية.

وأكد أن مثل هذه الأفكار تحث على الحركة، خصوصاً أن هناك ظاهرة منتشرة تحد من الحركة وهي أن الخدمات المقدمة من قبل المحلات تقدم للزبائن في السيارات.

ومن الأفكار التي طبقها بيوتنر إلزام المطاعم بإضافة أغذية صحية في قوائم الطعام لديها. وحظر الأكل بين الممرات في المدرسة للحد من تناول الأطفال للوجبات السريعة، كما توقفت المدارس عن بيع الحلويات في جمع التبرعات واستعاضت عنها ببيع الزهور.

المباردة الكبرى هي تطوع 2.6 ألف من سكان مدينة ألبرت لي والبالغ عددهم 18 ألفاً باتخاذ إجراءات معززة للصحة من قبيل إزالة الصحون الكبيرة من مطابخهم؛ لأنها تشجع على تناول وجبات أكبر. كما شكلوا حافلات راجلة لمرافقة الأطفال إلى المدارس سيراً على الأقدام.

ومن الأفكار التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير في تحسين الصحة ما طرحه رئيس قسم التغذية في كلية هارفارد للصحة العامة، الدكتور والتر سي ويليت، من أهمية فرض وضع تحذيرات مصورة على علب السجائر.

وقال: «التحذيرات المكتوبة يسهل تجاهلها، لكن ليس من السهل تجاهل صور لأطراف الجسم المصابة بالغرغرينا، أو صور لقلوب مريضة».

وقد فرضت العديد من الدول على شركات التبغ وضع هذه الصور على منتجاتهان ومنها البحرين.

وقد لاحظت «الوسط الطبي» في أحد محلات البقالة أن الوافدين الآسيويين يرفضون شراء بعض علب السجائر المطبوع عليها صورة رئة أو امرأة حامل، ويقبلون على مضض علباً مرسوماً عليها صوراً أقل تقززاً. ويقول البائع إنهم يكرهون هذه الصور على علب السجائر.

وأوضح - في إجابة عن رد فعل البحرينين تجاه هذه الصور - أنهم أقل حساسية تجاه هذه الصورة، وفي الغالب لا يعيرونها اهتماماً.

وفي المحصلة، يمكن طرح سؤال مشروع، هو: هل من الممكن إنشاء مناطق زرقاء في مملكة البحرين؟

العدد 4478 - الأربعاء 10 ديسمبر 2014م الموافق 17 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً