العدد 4510 - الأحد 11 يناير 2015م الموافق 20 ربيع الاول 1436هـ

الاقتصاد في المواقف

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

في التعريف السائد والمتعارف عليه للاقتصاد، هو «النشاط البشري الذي يشمل إنتاج وتوزيع وتبادل واستهلاك السلع والخدمات». ذلك في المعاش، وما ينظم حياة الناس وعلاقاتهم بالموارد، استقبالاً وإرسالاً، ومصادر تلك الموارد.

لكن في تلك العلاقات أيضاً، هناك من يقتصد في مواقفه وأفعاله. بمعنى رؤيتنا له وهو ينأى بنفسه، مجنّباً إياها التورّط في ما يعتقد أنه سيجرّ عليه المشكلات والمآزق، كلّما راعى تلك المواقف والأفعال، ونشط في اتخاذها، وخصوصاً في اللحظات والفترات التي تسود فيها حالات من الاضطراب، والقلق والتوتر والاحتقان في أسوأ درجاته.

اقتصاد المرء في حياته، يتيح له الاستعداد لفترات قد تشح فيها الموارد، وقد لا يتمكّن من الوصول إلى بعضها، والانتفاع بها.

وكما أن الإنسان لا يمكن أن ينجح ويحقق شيئاً أو هدفاً إذا اقتصد في المعرفة، على سبيل المثال، ولن يكتشف الوجود الإنساني، ويقف على طبيعة العلاقات فيه إذا اقتصد في حركته وانفتاحه وتعاملاته مع البشر من حوله باتخاذه العزلة خياراً وموقفاً وطريقةً وأسلوب حياة. تلك العزلة، هي في جانبٍ من جوانبها؛ إن لم تكن فاعلة، بالاشتغال والتفكير والتأمل والإنجاز، فهي دون شك، تقطع صلته بالعالم، ولن يحقق له ذلك الانقطاع أي قدرة على اكتشاف جوانب في نفسه، حين يكون بمنأى وابتعادٍ عن علاقاته مع من حوله.

وكما أن اقتصاد الإنسان وتقليصه لأعمال الخير التي يمكن أن يقوم بها، وضمن إمكانياته، لا يمكن أن يمنحه قبولا أو حضوراً أو تأثيراً لدى المحيطين به، لا يمكن لأي مخلوق اليوم يقتصد في مواقفه التي لا تقبل اللبس، ولا تقبل المناورة، ولا تقبل «اللعب على أكثر من حبل». الاقتصاد في المواقف المهمة، والتي تحتاج إلى حسْم، وإن ظنّ المرء أنه بذلك يمد في حياته بعيداً عن المنغصات والمعوقات، إلا أنها تظل حياة، طالت أو قصرت. كما أن علينا أن نعرف أن الحياة في حد ذاتها لا تكون ذات قيمة ما لم تحكمها المواقف التي تمنحها الدافعية والهدف والنبل. وليس جديداً حين نقول إن الطفيليات والميكروبات، وبقية الكائنات التي تُرى بالعين المجردة، وتلك التي لا تُرى، لها هي الأخرى حياة، مع الفرق في الأثر والتأثير، ومع تلك النماذج من البشر هي بيننا ونعي خطورة الأدوار التي يؤدونها بالاقتصاد في كل مشرّف من المواقف والإحجام عن البذل وعدم الاكتراث بأنهم بمثل تلك المواقف يتجاوزون كل ما هو أخلاقي وسامٍ، ويسقطون بشكل مدوٍّ بهروبهم من المسئوليات خوفاً من التبعات.

وإذا عدنا إلى تعريف الاقتصاد، سوف نجد الذين يقتصدون وينأون بأنفسهم عن اتخاذ مواقف وأفعال في لحظات وفترات الاضطراب؛ لا علاقة لهم بالنشاط البشري من حيث محصلاته والأثر الذي يتركه في لحظات كتلك، ولا علاقة لهم بإنتاج أفعال تصب في صالح المحيط بسلبيتهم وما يسمونه «حياديتهم»، ومثل أولئك لا يؤمنون بتوزيع المسئوليات والأدوار وقيام كل فرد بواجبه تجاه محيطه والبشر، ولا علاقة لهم بعمليات التبادل لا بمعنى المنفعة الخاصة والخالصة، ولكن بمعنى الوقوف على مواقع ومواضع سد النقص وردم الفجوات التي يمكن أن ينفذ منها أصحاب الأطماع والانتهازيون والمتسلقون، والذين لا يحلو لهم إلا الاصطياد في المياه العكرة، حيث كل شيء معتم ومتوافق مع نفسياتهم وأهدافهم المريضة، كما أن أولئك لا يعرفون ولا يفقهون سوى الاستهلاك في ما تبقى من المعنى والتعريف الشائع للاقتصاد. هم مستهلكون للجاهز وكل ما لا تترتب عليه تبعات وضرائب ومساءلات لا يقوون عليها وليسوا مستعدين أن يكونوا طرفاً فيها، في التزامهم الاقتصاد في تحديد مواقفهم، وحيادهم الذي لا يقل خطورة عن انحيازهم في اللحظات والفترات الزمنية الحرجة والخطيرة.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4510 - الأحد 11 يناير 2015م الموافق 20 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً