العدد 4511 - الإثنين 12 يناير 2015م الموافق 21 ربيع الاول 1436هـ

لست شارلي... ولكنّي ضدّ الإرهاب

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لا يحتاج المقام إلى التذكير بحادثة باريس ولا بمسيرة الجمهورية، لأنّ أحداً لن ينساها بسرعة، ولكنّ واقع الحال يفرض على كل ذي رأي حصيف أن يكون له موقف واضح وصريح؛ فكلنا مسئول عمّا يجري في محيطنا الإقليمي والدولي، وموقفي واضح وصريح: «لست شارلي ولكنّي ضدّ الإرهاب».

لست شارلي لأنّ لحرية التعبير حدوداً؛ فالتفكير والنقد والتعبير عن الاختلاف مع الآخر حقّ ومكسب لا يجوز التخلي عنه، وأمّا السخرية من الرموز الدينيّة ولا سيما الأنبياء والرسل والرسالات السماوية المقدسة فهذا ضربٌ من الاستفزاز لا يبرّره شيء.

لست شارلي، كما يريد رافعو هذا الشعار شرقاً وغرباً أن يسوّقوه رمزاً لحرية التعبير، إذا كان نموذج شارلي في حرية التعبير يمنح الفرصة لمزيد التهكم والاستهزاء من المقدسات الدينية، وهو للأسف ما حصل من خلال إعادة نشر هذه الرسوم في بعض وسائل الإعلام الغربية بعد حادثة باريس بدعوى التضامن مع الصحيفة المنكوبة، ولكنّي مع حرية النقد البناء والكتابة العميقة والتعبير الراقي الذي يقدّم النقائص في فكر الآخر وعقيدته وينقد الممارسات ويشيع روح النقد البناء.

لست شارلي؛ لا تضامناً مع من ينتهج العنف والقتل وسيلة للردّ على المخالفين، وإنّما لأنّ نموذج شارلي في التعبير عن حرية الرأي يمسّ المقدسات وينتهك الحرمات ويشيع الحقد، ويثير الفتن ويحرّض على الكراهية والعداوة بين الأديان والأعراق، رغم الجهود اللامسبوقة في جسر الفجوة بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى في شتى بقاع العالم، ولاسيما في أوروبا خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

لست شارلي لأنّي لا أنا ولا ديني يسمح لي أن أستهزئ برسل الله أو أعبث بمقدسات الآخرين بدعوى حرية الرأي، ولكنّي لن أتوقف يوماً، بدافع من ديني وعقلي، عن نقد الفكر الخاطئ داخل منظومتي الفكرية قبل نقد ما هو خارجها حتى أرى الحق حقاً وأتبعه، وأرى الباطل باطلاً فأجتنبه. ولن أتوانى عن البحث عبر الدليل والحجة عن فساد عقائد الآخرين بعد أن يثبت ذلك لي سعياً وراء الحقيقة لا بحثاً عن الاستفزاز والفتنة.

لست شارلي ولكنّي ضد الإرهاب، ضد أساليب الانتقام اللامسئولة وهل تُغْنِي هذه الأساليب شيئاً؟ إنّ الردّ على شارلي وأخواتها بانتهاج أساليب القتل هو صورة متجددة للضعف والقصور، لأن تداعيات هذه العملية سواءً منها العاجلة أو الآجلة، لن تكون بأيّ حال من الأحوال في مصلحة أحد.

إنّ القتل، فضلاً عن كونه مجرّماً شرعاً وقانوناً، لن يحل المشكلة ولن يزيد إلا في معاناة محبّي السلام، فما بالك بملايين المسلمين المقيمين في البلاد الغربية؛ فمثل هذه الحادثة من شأنها تبرير الهجمة الشرسة التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا عموماً، والتي ازدادت كماً وكيفاً في الآونة الأخيرة، وخصوصاً في ألمانيا عبر ما يسمى «أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب»، والتي تقودها حركة «بيغيدا»؛ فالعملية الأخيرة فجّرت موجة إعلامية غربية غير مسبوقة تحاول توصيل رسالة للعالم مفادها: أنه لا لوم على الحكومات الغربية بعد هذه الحادثة في فرض مزيدٍ من الإجراءات ضد المسلمين.

نعم كلنا ضدّ الإرهاب، هذا هو الشعار الحق الذي يجب أن يرفع، لأنّ الإرهاب وببساطةٍ، يهدم في ليلةٍ ما يبنيه دعاة السلام والتعايش في سنوات؛ إذْ تخيّلوا الجهود الحثيثة التي يبذلها المسلمون هنا وهناك لتمثيل الإسلام في أحسن صورة، وكيف تنهار وكيف يشعر الواحد منا بالخزي والعار حين يصرخ أحد المتورطين في تنفيذ الهجوم على مقر الجريدة «انتقمنا لرسول الله»، فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيسمح لهم بمثل ذلك لو كان معنا؟

أفي كلّ يوم ينهض لنا من يتكلم باسم الله ورسوله ويعمل آلة القتل في الآخرين، دون حسبان لما ينجر عن أفعاله من ويلات على المسلمين! أَوَ صدّق هؤلاء أنهم بهذه الأفعال سيحمون الإسلام والمسلمين ويحفظون حرمة نبيّنا الأكرم!

إن الحقيقة الموجعة بعد هذا وذاك، هو بقاء المسلمين ضحية مزدوجة: ضحية الإعلام الغربي الذي لا يعرف حدوداً ولا يعترف بها إلا إذا تعلق الأمر بالمحرقة اليهودية (الهولوكوست)، وضحية ردود الفعل الإرهابية غير المسئولة التي تزيد في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، خصوصاً حين ترى آلافاً مؤلفةً تحتشد في باريس لتدين هذه العمليات.

إنّ عدم الرد على الإساءة إلى الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) وعدم الغيرة أو اللامبالاة لما ينشر هنا وهناك، هو من السلبية والتخاذل والتهاون... لكن أن يتحوّل الردّ إلى تصفية دموية أقلّ ما يقال عنها أنها وحشية، فتلك خطيئةٌ لا نرضاها لحبيب ولا لعدوّ. نحن اليوم في حاجةٍ إلى دور فاعل للمؤسسات الدينية، كي تقوم بدور واضح وصريح لتغيير بعض المفاهيم السلبية في الاجتهاد الإسلامي، وتنوّر عقول شبابنا بما يمنحهم القدرة على الرد بما يليق بديننا الحنيف.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4511 - الإثنين 12 يناير 2015م الموافق 21 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 12:11 م

      رأيي غير 3

      حسب رايي البسيط الاسلام اليوم في رحلة كونية تكرر خطواته الأولى بين قريش ثم بين قبائل العرب فيهم من قبل و رفض و حارب و المسلمون عليهم ان يرتقوا هم باسلامهم في ممارساتهم و لكن لا يمكنهم احتكار الاسلام و لا حتى الدفاع عنه لنه يدافع عن نفسه و هو يسافر من عقل الى عقل عبر الزمن

    • زائر 12 | 12:09 م

      أنا رأيي غير2

      الاسلام بطبعه ليس دين المسلمين لأنه يخاطب البشرية جمعاء و المسلمون هم جزء من البشرية و عندما تدعو البشر الى عقيدة من الطبيعي هناك من يرفض و يتكبر و يستهزئ في انتظار ان يتحول موقفه لاحقا و قد يعتنق الاسلام في القرن 22 او 23

    • زائر 11 | 12:08 م

      أنا رأيي غير 1

      لمقدسات لا تلزم الا اصحابها...ما هو مقدس عندك ليس مقدس عند غيرك و لا يمكن فرض قواعد تحد الجدل في القرن 21 بينما كانت هذه المواضيع مطروحة منذ نشاة كل الديانات...اذا شك اهل قريش في دين محمد لماذا ننكر ذلك على اهل الأرض جمعاء؟

    • زائر 10 | 9:56 ص

      احسنت استاذي

      نحن ضد هذة المجلة السخيفة والواطية وبنفس القوة ضد المجرمين التكفريين اليه يقتلون الناس بدون ادني ضمير او احساس
      التكفريين تحركت غيرتهم عندما هاجمت الصحيفة مجرمهم الكبير البغدادي وليس دفاع عن النبي الكريم (ص)

    • زائر 9 | 5:54 ص

      شكرا ولكن

      ماذا بعد «شارلي ايبدو»

    • زائر 8 | 5:48 ص

      موقف صائب

      حقيقة هو موقف صائب و جد ناضج فيه عمق بائن و إدراك واسع للمطبات من هنا و هناك . ليته يكون مشتركا بين الجميع . سأنشره في الصفحات الصديقة تعميما للفائدة , أشكرك و أتمنى لك مزيد التألق

    • زائر 7 | 3:28 ص

      رأي وأمرّ

      شارلي ابدو مجلة عنصرية سخيفة، لا أقول أنها تستحق ما جرى لها .. لكن هي من وضعت نفسها في هذا الموقف ..

    • زائر 6 | 3:14 ص

      نعم كلام سليم

      لست شارلي ولكنّي ضد الإرهاب، ضد أساليب الانتقام اللامسئولة وهل تُغْنِي هذه الأساليب شيئاً؟ إنّ الردّ على شارلي وأخواتها بانتهاج أساليب القتل هو صورة متجددة للضعف والقصور، لأن تداعيات هذه العملية سواءً منها العاجلة أو الآجلة، لن تكون بأيّ حال من الأحوال في مصلحة أحد

    • زائر 5 | 12:25 ص

      أحسنت

      أحسنت بارك الله فيك
      تم التسويق الى انا شاري بشكل كبير في العالم
      وهناك الكثير من المسلمين والمثقفين يتداولون هذا الشعار
      حيث انهم نسوا او تناسوا من تكون شارلي وماذا فعلت
      يدعون بان شعار انا شارلي رمز الى حرية التعبير, وهل انتم مع حرية تعبير تستهزء بالانبياء والرسل والكتب السماوية؟؟؟
      لست شارلي... ولكنّي ضدّ الإرهاب

    • زائر 4 | 12:22 ص

      شكرا ولكن

      لم تتطرق لتعريف الارهاب ولا لانواعه

    • زائر 3 | 12:09 ص

      آه يا استاد

      قبح الله الإرهاب

    • زائر 2 | 11:56 م

      مشكوووووووووووور

      ايه احنا مو شارلي احنا مع الحب والسلام والتعايش بين الناس

    • زائر 1 | 11:37 م

      كلام متزن

      لا فض فوك، لست باريسيا كما يتشدق البعض، بل من أرض الإسلام، و لا نرضى بما قامت به شارلي ابدو و كذلك لا نرضى بردة الفعل الإرهابية

اقرأ ايضاً