العدد 4511 - الإثنين 12 يناير 2015م الموافق 21 ربيع الاول 1436هـ

"بنا": برنامج عمل الحكومة يواجه تحديات مرحلة دقيقة في تاريخ الوطن والمنطقة

كان يومًا تاريخيًا يضاف إلى أيام البحرين الخالدة هو يوم الثلثاء السادس من يناير عام 2015، ففي هذا اليوم التأمت السلطتان التنفيذية والتشريعية ليقدم رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة برنامج عمل الحكومة لمجلس النواب، وبحضور ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء نائب القائد الأعلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ، حيث سيقوم المجلس بدراسة البرنامج وإبداء موافقته من عدمها عليه في تطور ديمقراطي شهد به العالم من خلال الاهتمام الإعلامي الكبير بهذه الخطوة البحرينية المتقدمة على طريق الإصلاح والتطوير ضمن برنامج جلالة الملك المفدى الإصلاحي.

إن المشهد كان عظيما بحق، واستحق أن يسجل في تاريخ البحرين لصالح ملك عظيم استطاع قيادة مشروع إصلاحي طموح في وسط أجواء إقليمية ودولية غاية في الصعوبة فلم يحد ولم يتراجع بل قالها مدوية قوية لا عودة إلى الوراء وكانت التدرجية والحكمة في تنفيذ المشروع الإصلاحي هما كلمتا السر لنجاحه الذي يتواصل يوما بعد يوم في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

إن عظمة المشهد يوم الثلثاء الماضي لم تستمد من هذا التطور الديمقراطي الكبير فقط بل من قوة برنامج عمل الحكومة حيث يستمد البرنامج قوته من اعتبارات عديدة أهمها شفافيته في توضيح التحديات التي تواجه المملكة، وواقعيته في وضع الحلول العملية التي تتناسب وإمكانيات المملكة، وشموله لكل المجالات التي تهم الوطن والمواطن، والاستراتيجية الصحيحة التي سار عليها في تنفيذ مشروعاته والتي قامت على وضع السياسات تلاها تقديم المبادرات ثم توضيح الإجراءات التنفيذية لتنفيذ هذه المبادرات.

وفي قراءة لبرنامج عمل الحكومة يمكن الخروج بالملاحظات والاستنتاجات التالية:

أولاً ـ اختيار اسم البرنامج "نحو مجتمع العدل والأمن والرفاه" يحمل الكثير من البشرى لأبناء الوطن وكان ترتيبا منطقيا فتحقيق العدل والأمن يجعل الطريق ممهدًا للوصول إلى دولة الرفاه، وهي سياسة انتهجتها الحكومة وما تزال بتوجيهات من جلالة الملك، وتأكيد برنامج العمل على هذه النقاط هو التزام جديد من جانب الحكومة الموقرة على الاستمرار في طريقها نحو دولة الرفاه بمواصلة الاهتمام بتحقيق العدل والأمن.

ثانيًا ـ أصابت الحكومة عندما وضعت في مقدمة البرنامج التحديات التي تواجه المملكة في هذه المرحلة الدقيقة حتى يكون النواب والشعب كله الذي يمثله مجلس النواب على دراية بها من جهة وكذلك لمعرفة لماذا تم ترتيب الأولويات في البرنامج الحكومي بالشكل الذي جاءت عليه، وقد تمثلت أهم هذه التحديات في الوضع الإقليمي المتوتر وتزايد خطر الإرهاب، وتأثر البحرين بهذا الوضع إلى جانب الأحداث الداخلية منذ عام 2011. ومحدودية الموارد الطبيعية من الأراضي، والمشتقات النفطية والمياه، وارتفاع الدين العام والعجز المالي في ميزانية الدولة نتيجة تخصيص اعتمادات مالية كبيرة في دعم السلع الغذائية والطاقة والمحروقات ومواجهة التحديات الأمنية على الساحتين المحلية والإقليمية، هذا بالإضافة إلى الاعتماد الأساسي على الإيرادات النفطية، حيث تمثل حوالي 86% من الإيرادات العامة بالميزانية مع التأثيرات السلبية المتوقعة نتيجة انخفاض أسعار النفط. والعجز الاكتواري لنظام التأمين الاجتماعي والآخذ في الازدياد نظراً للزيادة الكبيرة في المستحقات التقاعدية. والتأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية عام 2008، وعلى الأخص في المشروعات العقارية، كما أثرت سلباً على بعض الصناعات الرئيسية مثل الألمنيوم.

ثالثًا ـ أن الحكومة الموقرة والتي استطاعت تحقيق التنمية المستدامة وتوفير الخدمات اللازمة للمواطنين وتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسيته وتطوير مناخ الاستثمار وتعزيز دور القطاع الخاص وتنمية الموارد البشرية مما أدى إلى نمو الاقتصاد بنسبة 70% وانخفاض معدلات البطالة وارتفاع متوسط دخل المواطن إلى ما يقارب 24.2 ألف دولار، أكدت التزامها وحرصها على البناء على المكتسبات السابقة، وهكذا يستمد الاقتصاد قوته عن طريق التراكم في العمل ، وهذه الاستراتيجية ستؤدي بمشيئة الله إلى مزيد من الإنجازات فالنجاحات السابقة ستكون الطريق المؤدي إلى نجاحات مستقبلية تفيد الوطن والمواطنين.

رابعًا ـ جاء ترتيب الأولويات في برنامج عمل الحكومة متوافقًا مع التحديات والمتطلبات الحالية ولذلك كان الأمن والاستقرار من أهم الأولويات بعد ما مر به الوطن من أحداث مؤسفة وتربص بعض الجهات في الداخل والخارج به ، وكذلك ما تمر به المنطقة من ارتفاع موجة الإرهاب والتطرف والتي تستلزم اليقظة والانتباه وأخذ الحيطة والحذر، والتفاعل مع الإطار الإقليمي ممثلا في مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال تعزيز التعاون مع دول المجلس والعمل على تحقيق التحول من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد بالاتفاق مع باقي دول المجلس، والإطار العربي بتعزيز دور البحرين داخل الجامعة العربية، والإطار الدولي من خلال توثيق التعاون مع الدول والمنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة لمواجهة هذه المخاطر بالإضافة إلى ذلك تعزيز الديمقراطية والتي وضعها برنامج عمل الحكومة ضمن أولى الاستراتيجيات مترافقة مع الأمن والاستقرار وهي وجهة نظر صحيحة فتعزيز النظام الديمقراطي، والذي يأتي متضمنًا أيضًا تعزيز حقوق الإنسان والعمل المؤسسي وترسيخ حرية التعبير، يؤدي إلى تعزيز الاستقرار والأمن.

تلا ذلك في ترتيب الأولويات ترسيخ اقتصاد قوي ومتنوع ونظام مالي ونقدي مستقر ثم تمكين البحرينيين لرفع مساهمتهم في عملية التنمية، فتأمين بنية تحتية داعمة للنمو الاقتصادي المستدام والإدارة المستدامة للموارد الاستراتيجية مع تأمين التنمية الحضرية المستدامة، وتعزيز فعالية وكفاءة الأداء الحكومي.

خامسًا ـ ترتيب الأولويات في برنامج عمل الحكومة لا يعني الاهتمام بجانب على حساب جانب آخر، وهذا أمر يتضح في أنها كلها ضمن الأولويات الاستراتيجية هذا من جانب ومن جانب آخر أننا نلاحظ في تفاصيل البرنامج أن كل أولوية من ضمن الأولويات السابقة قد أخذت حيزًا مهما من العمل الحكومي وتتطلب جهدا كبيرًا وهذا دليل على الاهتمام بجميع الأولويات.

سادسًا ـ أثبت برنامج عمل الحكومة كم هي الحكومة الموقرة قريبة من المواطن وملتصقة بهمومه وآماله وتطلعاته يظهر ذلك في جوانب عديدة نذكر منها على سبيل المثال الاهتمام الكبير من جانب برنامج عمل الحكومة بتعزيز الأمن والاستقرار وهذه أولوية لدى المواطنين، كما يظهر أيضًا من وضع الحكومة ملف مرضى فقر الدم المنجلي (السكلر)، من الأولويات التي قدمتها لمجلس النواب بعد أن بدا قلق المواطنين من خطورة هذا المرض ومن كم الضحايا التي يحصدها سنويًا، إذ اشتمل قسم الارتقاء بالخدمات الصحية، "الاستمرار في تقديم الرعاية المتكاملة لمرضى فقر الدم المنجلي، بدايةً بفحص المواليد، وتوفير خدمات للفحص الدوري، إلى جانب وضع الخطط التدريبية للمهنيين في هذا المجال، ووضع البرامج التوعوية لطرق الوقاية والرعاية".

سابعًا ـ أكدت الحكومة إلى أن من العوامل التي تساعد على تعزيز الأمن والاستقرار "تعزيز الوحدة الوطنية وإشاعة روح التسامح والتآلف" فأفردت جزءًا خاصًا بها في برنامج العمل ركز على عدد من الوسائل المهمة لتحقيق هذه الأهداف المهمة وأبرزها تعزيز دور المناهج التعليمية والمنبر الديني وأجهزة الإعلام ووضع خطط للارتقاء بالأمة والخطباء ودعم وتعزيز دور وأنشطة مراكز الشباب ومؤسسات المجتمع المدني وترسيخ قيم المواطنة وتفعيل دور لجنة مناهضة الكراهية والطائفية ومراجعة التشريعات المتعلقة بتعزيز قيم المواطنة.

ثامنًا ـ أحسنت الحكومة عندما وضعت ضمن برنامجها إشراك القطاع الخاص في التنمية، فقد آن للقطاع الخاص أن يمارس دوره وأن يتحمل مسؤولياته في دعم التنمية في المملكة وهو دور بحاجة دائما إلى التعزيز والتطوير خاصة مع ما تعانيه الموازنة العامة للدولة من عجز نتيجة العوامل السابق ذكرها من خلال تعزيز الاستثمار الحكومي المشترك مع القطاع الخاص في المشاريع التنموية وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في عملية النمو الاقتصادي.

تاسعًا ـ اتخاذ الحكومة العديد من الإجراءات من اجل ترشيد النفقات وزيادة الموارد الحكومية هي خطوات جيدة لمواجهة العجز في الموازنة، وبدأت الحكومة بنفسها عندما أعلنت التشكيل الوزاري الجديد مع تقليص الوظائف العليا أي "الوزراء" وهو يدخل ضمن ضبط النفقات الحكومية، كما يشمل برنامج عمل الحكومة تخفيض المصروفات المتكررة والتي لن تؤثر على العنصر البشري، مع إعادة توجيه الدعم لمستحقيه من المواطنين.

عاشرًا ـ أكد برنامج العمل الحكومي أنه لن يحيد عن رؤية جلالة الملك لأهمية تنمية العنصر البشري البحريني باعتباره أغلى الثروات التي تمتلكها البحرين، فقد قامت الحكومة بتوجيه معظم خطط التنمية من اجل تحقيق هذا الهدف والذي جعلها دائما ضمن قائمة الدول الأولى في العالم في مجال التنمية البشرية وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التابع للأمم المتحدة، فتعهدت الحكومة في برنامجها بتحسين جودة وكفاءة الخدمات التعليمية والارتقاء بالخدمات الصحية وتوفير الخدمات الإسكانية عن طريق توفير 20 ألف وحدة سكنية خلال أربع سنوات وهو معدل كبير جدا لتحقيق رؤية جلالة الملك بتوفير 40 ألف وحدة سكنية، وتمكين المرأة ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين.

الحادي عشر: تنفرد الحكومة في برنامجها بوضع محور كامل من المحاور الاستراتيجية لتطوير الأداء الحكومي، وهي خطوة متقدمة على مستوى دول المنطقة، تؤكد العزم من جانب الحكومة على الارتقاء بأدائها من أجل تطوير وتحسين القدرة على تقديم الخدمات في القطاع العام لتكون بأفضل كفاءة وفعالية وسرعة ممكنة، وذلك من خلال تحسين إنتاجية القطاع العام وتطوير عمليات وأنظمة التوظيف والترقيات في القطاع العام وحوكمة القطاع العام، تحسين وتبسيط الإجراءات في تقديم الخدمات في القطاع العام وتعزيز مبادئ المساءلة والشفافية وتحسين التخطيط الاستراتيجي وتطوير السياسات الحكومية وتطوير آليات قياس ومتابعة الأداء الحكومي.

إن النقاط السابقة تؤكد مدى الجهد الذي بذل من جانب الحكومة في إعداد برنامج عمل قوي وعلمي لمواجهة كل التحديات التي تواجه المملكة وكذلك تحقيق آمال وتطلعات المواطن في دولة الرفاة والرخاء.. ولا شك أن الإشادة بهذا البرنامج الشامل من جانب النواب ومؤسسات المجتمع المدني هو مقدمة لإقراره لبدء العمل به وقد أصبح البرنامج الآن في عهدة النواب وهي مسؤولية وطنية كبيرة نسأل الله لهم التوفيق والسداد في إنجازها.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً