العدد 4513 - الأربعاء 14 يناير 2015م الموافق 23 ربيع الاول 1436هـ

الفساد عندما يصبح تقليداً

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

انشغل الرأي العام ومؤسسات الدولة، حكومة وبرلماناً وشورى، والمجتمع من جمعيات سياسية وأهلية ونخبة سياسية ومجتمعية، بالحدث السنوي، وهو إصدار تقرير ديوان الرقابة المالية الإدارية للعام 2013– 2014. وأصدرت صحيفة «الوسط» وصحف أخرى ملحقاً خاصاً يتضمن أبرز ما جاء في التقرير.

ردة الفعل المباشرة من قبل المواطنين وبعض أفراد النخبة من سياسيين وصحافيين ونشطاء في المجتمع المدني، هي مزيح من الإحباط والتشاؤم، وقد انعكس ذلك في الصحافة والندوات والفضاء الالكتروني. ويمكن الرجوع إلى التقرير، وهو العاشر منذ إنشاء ديوان الرقابة المالية، والتي أضيف إليها «الإدارية»، منذ تشكيل الديوان في 2004 وصدور أول تقرير له في 2005، والتقرير يزداد تضخماً، عاماً بعد عام.

وعلى امتداد الأعوام العشرة، لم يتمخض عن التقرير شيء جوهري، وإلا لما تكرّرت ذات المخالفات في ذات الهيئات الحكومية، حيث يعتبر المسئولون فيها التقرير مجرد «ملاحظات» لن تترتب عليها إجراء تحقيقات قضائية أو إدارية جدية.

في الأعوام الأخيرة، يُعمد إلى تشكيل لجنة وزارية، ويُناط بها تفحص التقرير واتخاذ ما تراه من إجراءات، وإحالة بعضها لتحقيق ديوان الخدمة المدنية، والأكثر خطورةً يحوّل إلى النيابة العامة. لكن التجربة أثبتت أنه لم يترتب على ذلك تجريم أي مسئول، أو حتى إقالته.

أما مجلس النواب، فمند 2011، لم يعمد إلي تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في وقائع التقرير، والنيابة العامة بدورها لم تحرك دعاوى جديّة في هذه الوقائع. أما المجتمع السياسي فإنه ينفعل بالتقرير، لكن ذلك لا يستمر طويلاً، خصوصاً في ضوء الانقسام العمودي. وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمع المدني الذي يعاني من الخوف والتهميش، فلا يقترب من جوهر التقرير لأن فيه الكثير من المحرّمات. وحدها «الجمعية البحرينية للشفافية»، تنظّم ندوة سنوية حول التقرير بشقّ الأنفس.

المآخذ على التقرير كثيرة، رغم الجهد المهني الكبير المبذول في إعداده والعناء الشديد الذي يعانيه باحثو الديوان في الوصول إلى المعلومات في دهاليز الدولة ومحدودية المساحة المتاحة أمامه، حيث أن بعض القطاعات مغلقة أمام الديوان. وكذلك كل ما يشمل موضوع الأراضي، وهي الأخطر كما جاء في تقرير اللجنة البرلمانية للتحقيق في الاستحواذ على أراضي الدولة للعام 2010، والتي صادق عليها البرلمان ورفعها للحكومة.

من هذه المآخذ، أن تقرير الديوان وهو يستعرض ما يسميه بـ «مخالفات»، فإن مقاربته إدارية ومالية، لكنه لا يكشف السياسات التي تجعل ممارسة ما يسميه بـ «المخالفات»، تقليداً أو ممارسة اعتيادية.

الملاحظة الثانية، هي أن تقرير الديوان يتكلم عن مخالفات، ويصف بعضها بالجوهري، ولكنها في الواقع قضايا فساد مالي وإداري، بمختلف تجلياتها مثل التربح، واندماج المصالح، وهدر الأموال، وشراء النفوذ، والمحاباة في التعيينات والترقيات والامتيازات، مقابل التمييز والتهميش وعدم احترام مبدأ الكفاءة. وإذا كان للديوان حجته المهنية في عدم وصمها بالفساد، فإن من حق الآخرين أن يسموها فساداً بائناً، ويكشفوا دوافع هذه المخالفات والمستفيدين منها والمتضررين منها أيضاً.

أما الملاحظة الثالثة فهي أن العمل في الدولة خدمة عامة، ولأموال الدولة حرمةٌ يؤتمن عليها موظفو الدولة جميعاً، ولذا فإن التربح من المال والملكية العامة، وتجيير المصلحة العامة للمصلحة الخاصة، والفساد المالي والإداري هو فعل مجرّم، يستتبع التحقيق الجدي والمقاضاة العادلة والنزيهة.

تقرير ديوان الرقابة يثير الشجون والأسى لما وصلت إليه البحرين، فهذا البلد الغني بثرواته الطبيعة والبشرية وسمعته السابقة، يعرف في الديون التي وصلت إلى ستة مليارات دينار، فيما يجري تبديد الموارد العامة وهدر أموال الدولة وتتفاقم مشاكل الإسكان والصحة والعمل والتركيبة السكانية، وبالطبع الأزمة السياسية والمجتمعية، حيث يأتي تقرير الديوان صرخةً في واد.

وإذا كانت الأوضاع العامة وصلت بسبب الفساد إلى هذا الوضع المأساوي، فيخشى مما ستؤول إليه الحال وأسعار النفط الذي تشكل عوائده 85 في المئة من موارد الدولة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4513 - الأربعاء 14 يناير 2015م الموافق 23 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:31 ص

      زمان اول

      الاول لين سمعت الناس ان احد مختلس ،يصير حديث المجالس. الحين من كثرة البوق وعدم المحاسبة. صارت الناس ما تقرأ حتى التقرير ولا كأن هالتقرير صدر بعد.

    • زائر 4 | 5:29 ص

      اهلية الرقابة

      الكتابة عن آلية الرقابة دون توفر الأمكانيات الحقيقية لذلك مضيعة للوقت والزمن أو عدم الرغبة للوصول إلى اسباب الخلل والعطب في عملية إدارة واستغلال المال العام ، كما أن كيف تطلب الرقابة البرلمانية من مؤسسات تفتقد أبسط المقومات والخبرة والإهلية لتحقيق ذلك ..مع التحية

    • زائر 3 | 5:27 ص

      الظاهرة الاخطر

      في البحرين هي ظاهرة السطو المسلح وفي وضح النهار وتسمع وتشوفها تحصل كل سته اشهر واصبحت عاديه ورجال الامن الاشاوس ما يقدرون الا على البحارنه

    • زائر 2 | 12:11 ص

      ...

      البوق عيني عينك ويبون الناس تسكت وسيدي سمعا وطاعة

    • زائر 1 | 10:09 م

      لا فائدة تذكر من وراء هذه التقارير

      سمعت عن حفلات الزار ؟ هذا بالضبط ما يحدث عندما يصدر تقرير الرقابة المالية. جعجعة بدون فائدة تذكر ، وهو ما شجع على انتشار الفساد في بلادنا ولكن مع الأسف لا يوجد مفسدين ، أي مسئول في الدولة حين يرى الأمان وعدم المحاسبة لا يمكن إلا أن يسرق وينهب وكله باسم المصلحة العامة وكأنما هذا التقرير هو حماية لهم من أي محاسبة. تتعب وأنت تتكلم عن مثل هذه المواضيع ويتعب المشرفون على إعداد التقرير وحتى إصداره وفي النهاية مكانه الرف ويكسوه الغبار.

اقرأ ايضاً