مثل إعلان مجلس التنمية الاقتصادية عن تحقيق البحرين نمواً في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من العام 2014 بلغت نسبته 5.1% تأكيدًا جديدًا على نجاح سياسات المملكة الاقتصادية، فتحقيق نمو اقتصادي بهذا الحجم الذي يتعدى متوسط النمو في العالم في ظل الهبوط الشديد لأسعار النفط والذي يعد المصدر الرئيسي للدخل في الدول الخليجية دليل على قدرة المملكة على الخروج من شرنقة الارتباط بأسعار النفط هبوطًا وارتفاعًا، وتحقيق النجاح اعتمادًا على سياسة تنويع مصادر الدخل.
إن ما كشف عنه التقرير الفصلي للاقتصاد البحريني الذي أصدره مجلس التنمية الاقتصادية هو قصة نجاح بحرينية في تحقيق استدامة النمو الاقتصادي رغم التحديات المختلفة، ويقف وراء هذا النجاح جهود جبارة قادها عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وحكومته برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة ومجلس التنمية الاقتصادية برئاسة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة.
وفي قراءة لهذا الانجاز الاقتصادي الكبير والذي تناوله بالتفصيل التقرير الفصلي لمجلس التنمية الاقتصادية يمكن القول بأن هذا الانجاز البحريني قام على عدة أسس نوجزها فيما يلي:
1ـ قيام الحكومة بالبناء على ما تحقق من نجاح اقتصادي تمثل في خلق اقتصاد متنوع لا يعتمد فقط على النفط كمصدر وحيد للدخل، هذا النجاح الذي جعل المملكة تستطيع تخطي آثار الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008 وغيرها من الأزمات، وها هي الآن تواجه الهبوط الطارئ في أسعار النفط متسلحة بسياساتها الاقتصادية القوية، ومما يدعو للتفاؤل في هذا الصدد أن برنامج عمل الحكومة الموقرة للأعوام من2015 حتى 2018 قد أكد على ذلك، حيث أشار في إحدى فقراته إلى "سعي الحكومة إلى تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسيته وتطوير مناخ الاستثمار وتعزيز دور القطاع الخاص"، وفي فقرة أخرى أشار إلى "تعزيز عملية التنويع الاقتصادي من خلال تنمية الأنشطة الاقتصادية التي تساهم في خلق فرص عمل ذات جودة عالية للبحرينيين؛ في مختلف القطاعات والمجالات".
2ـ الأساسيات والدعائم القوية التي يمتلكها الاقتصاد البحريني، والذي جعلت منه الاقتصاد الأكثر حرية في العالم، حيث تصدرت المملكة البلدان العربية في مؤشر الحرية الاقتصادية وفقًا لتقرير مؤسسة هريتدج الأمريكية لعام 2014، وجاءت في المرتبة الثانية عربياً والسابعة عالمياً في مجال سهولة إصدار تراخيص المشاريع الاستثمارية وفقاً لتقرير البنك الدولي، كما أن الاقتصاد البحريني هو الاقتصاد الأسرع نموا وفق البنك الدولي، وهذا ما أدى إلى زيادة النمو الاقتصادي الكلي للعام 2014 ليصل إلى 4.2%، وفقًا للتقرير الفصلي لمجلس التنمية الاقتصادية، وهو التوقع الذي أيدته شركة مباشر للخدمات المالية وشركة أبحاث كامكو، هذا بالرغم من تراجع نمو القطاع النفطي من 15.3% عام 2013 إلى 2.9% فقط عام 2014.
3ـ الاستثمار الكبير في مشروعات البنية التحتية، وهي سياسة ثابتة للمملكة من أجل جلب الاستثمارات الخارجية، ساهمت في تعويض تراجع النمو في القطاع النفطي، فعلى سبيل المثال كشف التقرير الفصلي لمجلس التنمية الاقتصادية عن نمو سنوي كبير في قطاع الإنشاء تسارع من 3.6% في الربع الثاني من العام 2014 ليصل إلى 12.3% في الربع الثالث في طفرة جعلته يصبح القطاع الأسرع نموا. وهذه النتائج تعكس الزخم الإيجابي في حجم الأنشطة المستقبلية في مجال مشاريع البنى التحتية والتي تزيد قيمتها عن 9 مليارات دينار بحريني (22 مليار دولار أمريكي).
4ـ عززت البحرين خلال عام 2014 مكانتها كمركز تجاري واستثماري وسياحي رائد في المنطقة، مما جعل قطاع الفنادق والمطاعم يحقق نمواً قوياً بمعدل 7.4% على أساس سنوي.
5ـ يلعب القطاع المصرفي دوراً حيوياً في تنويع مصادر الدخل في البحرين، إذ تحتضن البحرين 404 مؤسسة مالية توظف 14 ألف شخص، أكثر من الثلثين منهم من البحرينيين، ويساهم القطاع المالي بنسبة 16.7% من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة كبيرة وتعكس التنوع والسعة اللذين يمتلكهما القطاع المالي، بينما بلغ إجمالي الموجودات المصرفية نحو 200 بليون دولار في سبتمبر2014.
6ـ حرص الحكومة على تحقيق النمو في القطاع النفطي أيضًا، فالبحرين وهي تسعى إلى تنويع مصادر الدخل لا تهمل هذا القطاع الحيوي الهام، وكان نتائج ذلك أن استمر هذا القطاع في تحقيق النمو رغم هبوط أسعار النفط، وهو ما جاء في بيانات مجلس التنمية الاقتصادية للربع الثالث، فعلى عكس التوقعات السابقة التي أشارت إلى أن مستويات الإنتاج ستحافظ على معدلاتها، واصل القطاع النفطي تسجيل نمو إيجابي هذا العام، فبعد الزيادة التي بلغت نسبتها 9.5% في الربع الثاني، سجل القطاع نموًا إضافيًا بنسبة 4.7% في الربع الثالث.
7ـ الأداء القوي لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي والذي يمثل دعامة للنمو في البحرين، إذ أن النمو الذي حققته دول مجلس التعاون الخليجي جاء بشكل أساسي نتيجة قوة ومتانة القطاعات غير النفطية.
كل الأسس السابقة وغيرها جعلت المملكة قادرة على تجاوز أي أزمات اقتصادية بأقل الخسائر والاستمرار في النمو الاقتصادي، ولعل ما بشر به التقرير الفصلي لمجلس التنمية الاقتصادية يصب في هذا الجانب، حيث أكد التقرير – في نظرة مستقبلية إيجابية للاقتصاد البحريني – أن أداء الاقتصاد الوطني سيستفيد بعدد من محركات النمو الإيجابية التي تساهم في تحقيق معدلات نمو قوية، خلال السنوات الثلاثة القادمة، منها ما يتعلق باستمرار الإنفاق على المشاريع الكبرى في مجال البنية التحتية، حيث يشكل برنامج التنمية الخليجي أحد أهم محفزات النمو في هذا الإطار، بالإضافة إلى ذلك تعمل عدة مبادرات حكومية على تحفيز المشروعات الهامة ذات الأولوية في مختلف القطاعات، فبرنامج عمل الحكومة يشمل بالإضافة إلى استراتيجية التنمية الوطنية العديد من المبادرات التي تشمل شتى القطاعات كقطاع التصنيع والمواصلات والخدمات الاجتماعية وغيرها، مع محاولة توفير مصادر تمويل متنوعة لهذه المشروعات الهامة لا تقتصر فقط على ميزانية الدولة، من ضمنها الاعتماد على القطاع الخاص وقد تضمن برنامج عمل الحكومة الموقرة إشارات إلى ذلك حينما تحدث عن تنويع مصادر الإيرادات، كما أكد وزير الدولة لشئون المتابعة أن بعض مشاريع برنامج عمل الحكومة سوف تمول من قبل القطاع الخاص أو بالشراكة معه أو بالتمويل الذاتي أو الدعم الخليجي.