العدد 2491 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ

«بيت القصيد»... «صدر» يتألم بذكريات «عجزه»

ينتجها «الصواري» ويخرجها إبراهيم بحر

يقول مؤلف مسرحية «بيت القصيد» عبدالله محمد صالح في مطلع كتيب المسرحية «كم أنا مسرور أن يعرفني الجمهور البحريني عبر أحد أهم قامات المسرح الخليجي والبحريني خاصة، شخص يملك الإبداع والحس المرهف... إبراهيم بحر ذو القلب الكبير والفكر الذي سيأخذك إلى آفاق الرؤى».

من هذه العبارة الافتتاحية التي صاغها مؤلف العمل المسرحي الذي يقدمه مسرح الصواري على خشبة مسرح الصالة الثقافية، والتي يبدي من خلالها تقديره لفن المخرج البحريني إبراهيم بحر، يكون قد ناول العبارات أولى أحرفها، فكما قال المؤلف، فإن المخرج إبراهيم بحر بحسه وأسلوبه الفني المتميز في الإخراج والتلاعب بإمكانيات المسرح وكيفيات البيئة المحيطة به، قد صاغ من العمل المسرحي أجواء شاملة، أحاطت بالجمهور من كل صوب.

والحديث عن تلك الإحاطة المتميزة لم يكن لحده أمر، فرائحة البخور والدخان المتصاعد من «المبخر»، والمؤثرات الموسيقية والفواصل الغنائية، وكذلك نوعية الإضاءة المستخدمة وسينوغرافيا المسرح، كانت كلها توليفة المخرج الذي احتوى المشاهدين ضمن لحظات تقديم ذلك العمل، وهو يتلاعب بهم في خفة ورشاقة، تساعده في ذلك قدرات فنانيه الشباب، الذين كانوا الأصابع التي تحركها القبضة، لتتلاعب بالجمهور بين لحظات ابتسامة وقهقهات خفيفة، وبين لحظات ألم وتأثر للفحوى الدرامية للنص، إلى جانب دقائق متفاوتة، لم تكن لتبعد هذا العمل عن جو مسرح الصواري العريق، في تقديم الأعمال المسرحية ذات الطابع التجريدي.

العمل المسرحي الذي بدأ «بزفة» العريس من أقصى زوايا الصالة الثقافية، وهي تتقدم نحو المسرح بمن فيها من ممثلين، وهم يزفون العريس «ضاحي» الذي أدى دوره المبدع البحريني الشاب محمد الصفار، على عروسه، وهم يحيون بهذه اللحظات الإرث القديم في الزفاف، ما يرسم في الأذهان الفترة الزمنية التي يدور فيها فلك العمل.

العريس وهو في غمرة سعادته بعروسه التي يحب، والتي أدت دورها الفنانة غادة الفيحاني باسم «مريم»، كانت بداية حكايتهما في ليلة الدخلة، حينما يهم «ضاحي» بخلع ملابسه، وهو يهذي وجسده يظهر بما فيه من آثار لانتشار مرض الجدري فيه، وهو ينتقل بذلك من مشهد لآخر.

محور الأحداث هو في تلك الحالة التي أورثها والد «ضاحي»، الشخصية التي تكرر اسمها تكرارا مستمرا تحت اسم «سيف بن ضاحي»، وهو صاحب السفن الجائر، الذي كان تاريخه ومعاملاته مع العاملين تحت يده شديدة وقاسية، ويتصف - من خلال الحوار - بالظلم والجور، وسلاحه دوما السوط، الذي يستخدمه في التعذيب.

وتكون هذه الحالة بشقين، الأول منهما هو مرض الجذري الذي انتقل منه إلى ابنه قبل وفاته، والجزء الآخر والأكثر أهمية هي تلك الحالة النفسية والذكريات السلبية التي عجنت بشخصية الابن، ليخرج منها كل ذلك السلوك الغريب، والمختلط بين عذاب الماضي وبؤس الواقع.

من خلال المعالجة الدرامية لهذا المحور، يتطرق «ضاحي» لذكر كثير من ذكرياته السلبية مع والده، وما تسبب له فيه من آلام، كان أكثرها ألما عزله عن زوجته، أو تطليقه منها بعد خسارة والدها بسبب غرق أحد مراكب نقل البضائع، وعذاب الزوج المحب بعيدا عن زوجته التي كانت تحمل في أحشائها طفلة له.

مع تلك الحالة التي يعيشها «ضاحي» في منعزله منذ شهور، يكون برفقته مساعده «رباح»، الذي يعمل على خدمة «ضاحي» والقيام بأموره، ويسعى لإيجاد العلاج لمرضه بشتى السبل التقليدية والحديثة التي لا يفهمها.

«ضاحي» يتساءل إن وفى «رباح» كافة ما عليه من ديون والتزامات، متذكرا دينا له لفتاة تسعى دوما إلى منزله جالبة الطعام له وهو في منعزله، فيبعث مساعده للبحث عن هذه الفتاة، التي تتداخل مع مشاهد المعاناة التي يعيشها، في أحلامه بالشفاء من مرضه بالدواء الذي يصفه له طبيب هندي، يصفه الحوار أنه ذو خبرة، إلا أن الفتاة التي تظهر في هيئة المتشردة/ المجنونة، تنصحه بالقول «لا تخلي الأوهام تخدعك»، أي وهم العلاج، ويكون لتلك الفتاة الدور في تقليب مواجعه حول ما كان يفعله والده في الناس، ليتداخل مع هذا التداخل شخصية كوميدية تكسر التراجيديا العامة للمشهد، وهي في شخص السكير «سمعون بوراية»، الذي يدخل بنية الانتقام من ذلك الضعيف لما فعله والده، فيتواجه مع الفتاة، حتى تلهيه، ويطرد من المعتزل.

بخروج السكير على يد «رباح»، تكون تلك الفتاة قد غادرت الخشبة، ويعود الحوار بين «ضاحي» و»رباح»، للبحث عن تلك الفتاة، التي بدأ الشك يساور قلب «ضاحي» بأنها ابنته من طليقته، يفيده في ذلك ما يذكره «رباح» بأن المبغضين له ولوالده يشيعون ذلك حول تلك المجنونة التي كان البعض قد لقيها بالقرب من المسجد.

يخرج «رباح»، وتعود الفتاة راجيتا أباها بأن يعترف للناس أنها ابنته، بعد أن قام والده بنشر الإشاعات تفضح والدتها في شرعية البنت، والتي ماتت غيضا وألما، وهي تحاول ستر تلك الفضيحة.

وفيما هما في ذلك الحوار، يدخل «رباح» مجددا، فيهيب «ضاحي» فيه أن يجمع أهالي الحي كي يعترف أمامهم بنسب تلك الفتاة، إلا أن الموت يستعجله قبل أن يجتمع أهالي الحي في معتزله.

تردد الفتاة في نهاية العرض عبارة تقول «آنه الزهر من عرق مسموم شوكة صحاري تالي لقدام» مختتمة العمل، الذي لم يختتم روعة ما قدمه المخرج، وباقة الممثلين في ذلك العمل الجميل، الذي لم يترك للمشاهد كل المفاتيح، بل أبقى على كثير من الأبواب مرهونة بكيفية الإدراك وأسلوب الفتح لدى كل حاضر في القاعة.

العدد 2491 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً