العدد 4536 - الجمعة 06 فبراير 2015م الموافق 16 ربيع الثاني 1436هـ

بين فيليب وفيليب عَجَبٌ عُجاب!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فيليب بيرجر وفيليب بيرجر! هذا ليس تكراراً لاسم واحد، بل هما اسمان لشخصين مختلفين. ليسا مختلفين في الاسم فقط، بل في الهوية والمعتقد كذلك. دعونا نشرح ذلك. ففي شهر فبراير/ شباط عام 2012م، تمكن علماء فَلَك في مختبر بارانال من «إنتاج أكبر تليسكوب بصري افتراضي في العالم يربط أربعة تليسكوبات ببعضها البعض» والذي يُعرَف باسم «إنترفورميتري».

الفَتح العلمي الهام في ذلك والذي جرى في ألمانيا وموَّلته 15 دولة هو في قدرة الحصول على «نظرة أكثر تفصيلاً للكون» ومعرفة أسراره. وهو إنجاز فاق ما جرى في العام 2011م. المهم أن أحد العلماء المشاركين في ذلك الإنجاز العلمي هو العالِم الفرنسي جان فيليب بيرجر، الذي يعتبر أحد أهم الباحثين في مجال الفضاء والأجرام السماوية.

أما فيليب بيرجر الآخر، فهو شخص مختلف تماماً. فهو ليس بعالِم. بل رجل من مدينة دينسلاكين في شمال الراين الألماني، اعتنق الإسلام، ثم ما لَبثَ أن ذهب للقتال في سورية والعراق مع التنظيمات المتشددة هناك. وقد سجَّلت معه إحدى الصحف مقابلة وهو يقود سيارة تكتظ بعشرات الجثث من الذين ذُبِحُوا تواً في سورية. لقد صوَّر نفسه وهو يضحك بجانب تلك الرؤوس المقطوعة.

بعد ذلك بشهر أصبح فيليب «الثاني» انتحارياً؛ حيث قادَ «سيارة محمَّلة بالمتفجرات مستهدفاً ثكنة عسكرية كردية في العراق، فقتل عشرين شخصاً على الأقل» لينتهي كل شيء. لقد بات جلياً أن بين فيليب الأول وفيليب الثاني حديث لا ينتهي من الوصف: واحد ينتمي إلى مشروع اختراع أكبر تليسكوب بصري افتراضي في العالم، وبين آخر أصبح انتحارياً لمشروع عَدَمِي، وقبلها كان يعيش نشوة حمل عشرات الرؤوس المقطوعة. إنهما عالَمان لا يتشابهان بالمرة.

الحقيقة، أن هذه النماذج من المفارقات والتناقضات لا تنتهي في موضوع الإرهاب. في أحيان كثيرة يُصاب المرء بالإعياء وهو يتفكَّر فيما يجري. عشرات الآلاف من الشباب تغريهم نداءات ضالَّة يُطلقها تجار الدم، فتصل حتى أوربا، حيث الشباب المسلم، ممن نشأ في كَنَف حياة مختلفة. نعم، البعض قد وجد تمييزاً ضده فانشطرت هويته بين وطن الفسيولوجيا ووطن المنشأ، لكن آخرين لم يجدوا ذلك الشعور لكنهم ضلُّوا الطريق.

قبل فترة، نشر المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي المعروف بـ «آي سي إس آر» تقريراً مفزعاً أشار فيه إلى أن أزيد من عشرين ألف أجنبي من خمسين بلداً في العالم هم أكثر مَنْ يرفد تنظيم داعش بالمسلحين، 20 بالمئة منهم أوربيون (4 آلاف مقاتل تقريباً). وقد أظهر المركز بأن الحرب المستعِرة في كل من سورية والعراق هي من أكثر مناطق القتال استقطاباً للمقاتلين الأجانب في بلدان ذات غالبية مسلمة منذ العام 1945م».

أما دول الشرق الأوسط فنصيبها 11 ألف مسلح، وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة كالشيشان وغيرها 3 آلاف مسلح. وقد قُتِلَ من أؤلئك المسلحين الأجانب ما بين 5 و 10 في المئة في المعارك، وما بين 10 إلى 30 في المئة تركوا منطقة الصراع عائدين إلى بلدانهم. لكن المهم في هذه النقطة، أن أغلب هؤلاء «العائدين» إما أنهم اعتقلوا في مشوار العودة من قِبَل بعض الدول أو أنهم صُفُّوا من قِبَل تنظيم داعش كونهم خونة كما أشارت الأخبار.

هنا أتوقف قليلاً. فـعلى الرغم من كل هذه الدماء التي يُرِيقها التنظيم إلاَّ أن المرء يتأمل في أحوال منتسبيه من القَتَلَة، الذين وكأنهم لم يعودوا ينتمون لا إلى هذا الزمن ولا إلى هذا العالَم، الذي شنوا عليه حرباً شعواء. فلم يعد هناك فرز على أساس الاعتقاد، بل فرز في كيفية ذلك الاعتقاد، بل وفي الأديان الموحِّدة، والأكثر في دين الإسلام نفسه، دون أن ينتهي التفريع معه.

ما يزيد المرء حزناً هو أن يرى هؤلاء، وهم في قمَّة الفتوة والشباب، كيف يعبثون بأعمارهم، وبهذه السنين، ليحرقوها في التِّيه والعبث. فحسب «آي سي إس آر» فإن 89 في المئة من عينة مقاتلة أجنبية هم من الرجال، وأن متوسط أعمارهم هي 26.5 عاماً، وأن الثلثين هم أصغر من 26 عاماً، وأن نصفهم متزوجون، هذا يعني أنهم في قمة العطاء المفتَرَض.

لو تخيلنا أن فيليب «القاتل الإرهابي» أصبح فيليب «العالِم المختَرِع» ومثله تكرر المئات بل والآلاف فماذا كان حال العالَم؟ بالتأكيد سيكون مزيد من العطاء والاختراعات الجديدة. هذا الأمر لو تخيلناه مع أربعة آلاف أوربي أتوا وبالتحديد من ألمانيا والنمسا وبريطانيا والسويد وفرنسا وهي مهابط العلوم، فماذا يُمكن للمرء أن يتصور الحال!

الأكثر بؤساً في حال هؤلاء، هو أنهم بعيدون «فعلياً» عن الدِّين الإسلامي وجوهره. فالجميع يعلم، أن عينة واحدة من أؤلئك الشباب حجمها 378 شخصاً ذهبوا للقتال في سورية كان منهم 249 شخصاً «ارتكبوا أعمالاً إجرامية قبل مغادرتهم» إلى هناك. أي 66 في المئة منهم. هذا يعني أن تديّنهم قِشْرِي. فالتديُّن والالتزام بالعقائد لا يمكن أن يكون بهذه الطريقة. كما أن الدخول إلى الإسلام يجب أن يُصاحبه تهذيب للنفس والأخلاق.

بل إن بعضهم كان يريد الذهاب إلى هناك «فقط» بغرض القتال كما أجاب بعضهم، وكأنها غريزة منفلتة، لا يُؤطِّرها أي شيء يتعلق بالدِّين أو الآيدلوجيا. وهو ما يعني أن القضية عبثية بامتياز. هذه مأساة مركّبة بامتياز تعيشها الإنسانية، وتخسر بسببها وفي سبيل مكافحتها ملايين البشر من القتلى والمشردين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4536 - الجمعة 06 فبراير 2015م الموافق 16 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:00 ص

      جينات

      فليفحصوا ال dna لفيلف برجر الثاني الي اين امتدادها الوراثي !

    • زائر 4 زائر 3 | 2:54 ص

      صحيح

      العرق دساس

    • زائر 2 | 1:26 ص

      اصبح خسران الدنيا والآخرة سمة الكثير

      هو الضلال المبين حين يخسر شخص دنياه وآخرته.
      من زرع هذه الاوهام بعقول هؤلاء ومن اعطاهم صكوك الغفران فقد غشّهم فليضعوا احتمال بسيط ولو 5% انهم ربما يخسرون الآخرة فهل يقدم شخص يشكّ في نهايته الى جهنّم ولو كان الاحتمال بسيط

    • زائر 1 | 11:48 م

      والخسارة الاكبر

      هم بعض الفلسطينيين الذين تركوا الجهاد ضد اسرائيل وذهبوا لقتل السوريين والعراقيين والصوماليين واليمنيين في شبوة

اقرأ ايضاً