العدد 4537 - السبت 07 فبراير 2015م الموافق 17 ربيع الثاني 1436هـ

هاوزر في "مطْلَب كافكا"... تعرض 26 فبراير بنيويورك

فرانز كافكا
فرانز كافكا

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

مسرحية "مطلب كافكا"، للكاتبة لو هاوزر، تتبَّع وتنقِّب عن شخصية فرانز كافكا الرئيسية في مسرحيته "المسخ"، أو "المتحول" في المعنى الأدق للصفة (غريغور سامسا)، والتي ستعرض في مسرح سينو بمدينة نيويورك في 26 فبراير/شباط و 15 مارس/آذار 2015.

ثمة من يبحث عن كافكا من جديد. منذ عمله "المسخ"، وكافكا يثير جدلاً منذ تأسيسه للأعمال الكابوسية في الأدب العالمي. لم تأتِ تلك الأعمال فقط انعكاساً لحالات من التشرذم والتشظي الذي عاشه، بين هويته التشيكية، والألمانية التي كتب بها. ليست كوابيس بالضرورة تحتل مساحته الشخصية، بقدر ما هي رؤية لا تنفصل كثيراً عن حقيقة العالم من حوله وقتها، ولم يتغير شيء مذ رحيله. على العكس، تراكمت وتكدّست تلك الكابوسية في الشاهد مما يحدث في العالم اليوم. التشرذم في الهويات هو هو. الاغتراب هو الآخر. مأزق الإنسان لم يرَ انفراجة منذ العام 1915، الزمن الذي كتبت فيه روايته.

كافكا لم يكن مطلوباً منه، ولم يفعل، تقديم سبب وتبرير مقنع للتحوّل الذي حدث لبطل روايته، ولم يضع القرّاء أمام فرضية أن يحل بأي كائن بشري ما حلّ بريغور.

الكاتبة المسرحية الراحلة لو هاوزر، تصور حياة عائلة غريغور سامسا، الضحية المأسوية لتحولات كافكا. العمل نفسه اشتغال واستعادة لتحولات كافكا نفسه. كأنها استعادة لمطلبه الذي عاش من أجل تحققه. أن يتخلص من حال الكابوسية التي وسمت حياته.

مسرحية "مطلب كافكا"، وتعرف أيضاً باسم "كافكا/ سامسا"، شبه واقعية، وهي واحدة من مسرحيات الكاتبة الراحلة لو هاوزر، والتي تصور حياة عائلة غريغور سامسا، الضحية المأسوية لتحولات كافكا.

التحوُّل الحقيقي في الكابوس!

غريغور سامسا، ذلك الذي تحول إلى حشرة، ليس بفعل تهيؤات وهلوسات تطرأ على الشاب، بل نحن في العمل إزاء تحول في الجسم حقيقي حدث للبائع الجوال في إحدى الشركات (غريغور)، يصل به إلى بروز قوائم دقيقة له، وبطن منتفخة.

وقع ذلك في براغ العام 1912، حيث غريغور سامسا (اسم كافكا الذي تجسّد في الكتاب) موزع بين والده، الذي يريده المحافظة باستقامة على وظيفة بدوام كامل، وبين صداقته مع مجموعة من الفنانين من المسرح اليديشي، والذين يريدون له لانضمام والكتابة لهم. (اليديشية، لغة يهود أوروبا وقد نمت خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين من لغات عدة منها الآرامية والألمانية والإيطالية والفرنسية والعبرية. يتحدثها ما يقارب 3 ملايين شخص حول العالم، أغلبهم يهود الأشكناز).

إفلاس والده أجبر غريغور على أن يصبح المعيل للأسرة. العامل البسيط، يجبر على الاستيقاظ مبكراً ليلحق بقطارات كي يجوب المدن بائعاً متجولاً، في شقاء يومي متكرر، بالكاد يحقق له دخلاً يستطيع به أن يعول أسرته. يتحرك غريغور بين قطبي حياته هو، والذروة التي يصلها في مرحلة التحول إلى مسخ. مسرح نيو سيتي سيقدم عرضاً مسرحياً عالمياً للمخرج مانفريد بورمان، وفقا لبيان صحافي تم نشره.

التوجُّه نحو الحقائق

لا ترمي المسرحية إلى الاتكاء على الجانب التاريخي بحيث تكون ضمن ذلك التوجه، ولكنها تقوم على الحقائق والوصول إلى كل شخص هو على دراية برواية كافكا الشهيرة (المسخ)، وفي ترجمة أكثر دقة تم اعتماد "المتحوِّل" عنواناً لها. مؤامرة التحول، وسفر غريغور سامسا كبائع متجول يحاول التكيف مع حالته الجديدة، في الوقت الذي يتعامل مع تلك الحالة باعتبارها عبئاً على والديه وشقيقته. يمكن ملاحظة أن مأساة غريغور لا تقتصر بعد ذلك على عجزه عن المواءمة مع هذا التحول الخارج عن إرادته (تحوله إلى حشرة)، بل يتعدى الأمر ذلك إلى موقف الأسرة السلبي منه، باستثناء أخته، والتي بدورها تبدأ بالابتعاد عنه، ما يفعل ذلك فعله في تفاقم أزمته الوجودية، ولا يجد بداً من الاختفاء عن الأعين. الشقيقة مع التحولات الدرامية المتسارعة، سرعان ما تبلور مشاعرها، بحيث تتحول إلى مشاعر باردة وغير إنسانية بالمرَّة. تبرز أيضاً رغبة جماعية في الوسط الخاص الذي يحياه ويعيش فيه في التخلص منه، ولا يهم بعد ذلك طريقة التخلص تلك، وإن جاءت في شكل وخيار الموت.

هنالك مجسدون للدور في "المسخ" أو "التحول" تعمد هاوزر إلى توسيعه في مسرحيتها، واصفة إياهم بأنهم قمعيون. يتم استخدامهم لمشروع في المستقبل، ينذر مستقبل براغ بالنازية.

التاريخ الفعلي لفرانز كافكا مع المسرح اليديشي مألوف بدرجة أقل، ويحتاج إلى قليل من التفسير. في العام 1910 و 1911، حين كان كافكا يقترب من الثلاثين عاماً من عمره، تأثر بشدَّة من قبل اثنتين من فرق المسرح اليديشي اللتين قامتا بجولة إلى مقهى بفندق سافوي في براغ، وهو مكان رث يحوي مساحة للتمثيل وبيانو في إحدى زواياه.

إحدى الفرقتين ظهرت على يد إسحاق لوي (يكتب أحياناً هكذا: اسحاق ليفي) وممثلين تابعين لفرقته.

تتبَّع المؤرخون إلى حد كبير ومن خلال يوميات كافكا، كيف انعكست هذه التجارب على المسرح اليديشي، من خلال موقف كافكا تجاه يهود أوروبا الشرقية وتقاليدهم، والتي تم تسخيرها بشكل روتيني من قبل عائلته.

السرد والغرابة

من جانبهم أوضح مؤرخو الأدب، كيف أثّرت عروض المسرح اليديشي على كوابيس كافكا: كانت النتاجات التي تم استقاؤها من المنامات بسيطة، وعاطفية، غير واقعي، وهنالك قفز غير منطقي في السرد مشوب بنوع من الغرابة.

كان كافكا أيضاً، وبكل بساطة، مسحوراً بالفيض العاطفي والعفوية التي وسمت "العالم القديم"، وكذلك اليهود، الذين وقفوا على النقيض من حيث البرودة واللامبالاة بالمحافظة على أسرته الناطقة باللغة الألمانية. (والده عارض صداقته مع لوي، ووجَّه إليه لوماً "إذا اضطجعت مع الكلاب، ستحصل على البراغيث"، وهو ما أثار استياء ابنه).

شهد كافكا في مذكراته على الشعور بالوحدة المؤرِّقة في شبابه والتي ترددت أصداؤها في معنى ثقافي محدَّد؛ حتى انه كتب إن اللغة الألمانية حالت دون محبة والدته وذلك ما كانت تستحقه.

بات كافكا نفسه مدركاً بأنه يهودي غربي في حال من الاغتراب، وهو الشرط الذي كان سيتيح له أن يصبح عالمياً على نحو غريب. ولكن كان في حال من الازدواجية تجاه اليهودية - "ماذا لدي من القواسم المشتركة مع اليهود؟ أنا بالكاد لدي شيء مشترك مع نفسي" - يعكس ذلك ازدواجيته تجاه كل شيء تقريباً، والمفارقات التي سادت روحه. مسرحية هاوزر لا تعيد خلق نتاجات مقهى سافوي، ولكنها تعيد خلق علاقات كافكا مع لوي والسيدة.

الكاتبة المسرحية لو هاوزر، ولدت في العام 1924 وتوفيت في العام 2011)، كانت ممثلة كلاسيكية، وتحولت إلى الكتابة المسرحية. تم إنتاج أعمالها في "EST"، وفي مسرح لويزفيل، ومسرح إنتيمان، ومسرح سياتل، ومسرح جاكسون بالميسيسيبي، ومسرح غودمان في شيكاغو. حصلت مسرحيتها "لينكولن على شارع هيستر" على جائزة المركز الأول من قبل "التحالف الأميركي للمسرح والتعليم" وأنتجت في مسرح بمدينة نيويورك، من إخراج جورج فيرنيز، في العام 2009.

يذكر، أن "المسخ" رواية قصيرة كتبها الروائي التشيكي فرانز كافكا، ونُشرت للمرة الأولى في العام 1915، وهي من أشهر أعمال القرن العشرين وأكثرها تأثيراً.

تبدأ القصة بتاجر مسافر اسمه غريغور سامسا، يستيقظ ليجد نفسه قد تحوّل إلى حشرة بشعة. الحدث غير الواقعي وغير محتمل الوقوع، تمضي أحداثه ضمن مسارات واقعية. هنالك فطنة وذكاء يستطيع من خلالها كافكا أن يقنع القارئ بواقعية وصدق الكابوس.

ولد كافكا في 3 يوليو/ تموز 1883 بالقرب من ساحة المدينة القديمة في براغ، التي كانت آنذاك جزءاً من الإمبراطورية النمساوية المجرية، لعائلة ألمانية من الطبقة الوسطى تنحدر من أصول يهودية أشكنازية.

تعلم كافكا الكيمياء والحقوق والأدب في الجامعة الألمانية في براغ (1901).

تكاد تكون جميع أعمال كافكا المنشورة كُتبت باللغة الألمانية.

لم ينهِ أياً من رواياته الثلاث وأحرق ما يقارب 90 في المئة من أعماله.

بقيت الإشارة إلى أن أن كتابات كافكا قد تعرضت فيما بعد للحرق على يد هتلر، وواجهت مؤلفاته موقفين متناقضين من الدول الشيوعية في القرن الماضي، بدأت بالمنع والمصادرة وانتهت بالترحيب والدعم.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً