العدد 4567 - الإثنين 09 مارس 2015م الموافق 18 جمادى الأولى 1436هـ

أين نحن من هذا العالم؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الأخبار المهمة التي تستوقف المرء، انطلاق أول طائرةٍ تعمل كلياً بالطاقة الشمسية، في نقلةٍ نوعيةٍ كبرى في عالم الطيران وحياة البشر على هذه الأرض.

الرحلة التي سبقتها محاولات طيران في أجواء أبوظبي في الأيام السابقة، انطلقت صباح أمس الاثنين (9 مارس/ آذار 2015) باتجاه عُمان، بعد تأخير نصف ساعة بناءً على طلب المهندسين لفحص بعض الأمور بالطائرة، عبر غرفة التحكم من موناكو غرب قارة أوروبا، ومن عُمان ستتجه إلى الهند وبورما والصين في أقصى شرق آسيا. ويأتي هذا النجاح تتويجاً لمحاولات دؤوبة استمرت 12 عاماً، ويجري التخطيط حالياً لانتقال الطائرة عبر الجهة الأخرى من العالم، لتقطع المحيطين الهادي والأطلسي خلال الشهور الخمسة المقبلة.

نحن في هذا الجزء من العالم، يحلو لنا التغنّي بأول محاولةٍ للطيران، على يد العالم الرياضي عباس بن فرناس في الأندلس، وهي محاولةٌ يتيمةٌ لم تجد لها من يحلم بإكمالها، فظلت مجمّدةً في مهدها عشرة قرون كاملة... حتى جاء الأخَوان الأميركيان الحالمان المغامران رايت (أورفيل ويلبر)، المولعان بالميكانيكا حيث كانا يعملان في محلٍ لإصلاح الدراجات الهوائية، ليبدأ معهما عصر الطيران، وقد نجحا بعد سنوات من المحاولات، في إطلاق أول طائرةٍ في العام 1903.

النقلة الجديدة في عالم الطيران اليوم، والتي ستؤثر كثيراً على البيئة إيجابياً، وعلى معدل استهلاك النفط وأسعاره في المستقبل المنظور، تتم على يد مغامرَين آخرين، السويسريين برتران بيكار وأندريه بورشبيرغ، حيث أسّسا شركة «سولار إمبلس». ويدهشك طريقة تفكيرهما الإبداعية، فـ «التغيّر المناخي» الذي كُتب عنه أطنانٌ من الدراسات والأبحاث والمقالات خلال العقود الماضية، يعتبره هذان الرجلان «فرصةً رائعةً لإدخال تكنولوجيا نظيفة للسوق توفّر الطاقة؛ وتوفّر الموارد الطبيعية لكوكبنا؛ وتحقّق أرباحاً؛ وتوفّر وظائف؛ وتحقّق نمواً مستداماً». فأيّ طموحٍ هذا؟ وأي عقلٍ مذهلٍ يستبق الخيال والتوقّعات؟

الطائرة التي صنّعاها، هيكلها من ألياف كربون خفيفة الوزن، ولن تحتاج في طيرانها إلى قطرةٍ واحدةٍ من الوقود، ولن تخلّف أية انبعاثات كربونية، حيث سيعتمد تشغيلها بالكامل على 17 ألف خلية شمسية مثبتة في جناحيها. وقبيل الإقلاع الأخير قال بورشبيرغ: «كلي ثقة بأن لدينا طائرةً فريدةً للغاية... لتعبر بنا المحيطين الكبيرين، وربما نضطر للطيران خمسة أيام وخمس ليال، وسيكون ذلك تحدياً لنا، لكنْ أمامنا شهران مقبلان، سنحلق خلالهما في رحلات إلى الصين، لتدريب وإعداد أنفسنا». فهما يعرفان ما يصنعان، كما يعترفان بفضل الكثيرين ممن شاركوا في «إنجازات 12 عاماً من العمل للوصول إلى هذه المرحلة».

الرجلان متحمسان للمهمة، ويشعران بمسئولية هائلة كما قالا، فهما يدركان ما سيتركه إنجازهما من تأثيرات على مستقبل صناعة الطيران وأسعار النفط والبيئة وتكلفة السفر وحجم حركة التنقل بين القارات وجوانب أخرى قد لا ندركها حالياً. لكن أين نحن أساساً من كل ذلك؟ ما هو موقعنا من العالم؟

الشعوب الأخرى، شرقاً وغرباً، تتنافس على تحصيل العلم وتسهيل سبل الحياة والرقيّ بالحضارة والذوق الإنساني، ونحن شعوبٌ مختَرَقة، تعيش على هامش الحضارة، عالة على البشرية، وتتغذى على قصص التاريخ، بلا فكر، ولا هوية، ولا علم ولا عمل، ولا جد ولا إنتاج، ولا حرية ولا كرامة. وحين انتفضت الشعوب لاسترجاع إنسانيتها، انقسمت الأمة وتشرذمت، بين عبدة الواقع و»ليس أبدع مما كان»، وبين شبابٍ مقموعٍ في السجون والمنافي، وشبابٍ اجتذبتهم محرقة التطرف والتكفير والكفر بكل ما أنجزته البشرية، ليدمّروا كل شيء، من تاريخ وآثار ومكتبات ومدن تاريخية، كما تفعل «داعش»، في العراق وسورية.

أمةٌ ضائعةٌ، لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تخيط، تعيش في القاع وتظنّ نفسها فوق الأمم والشعوب، وأن الجنة محجوزةٌ لها سلفاً، بينما أحد هذين الطيارَين السويسريين المجاهدَين من أجل الإنسانية، يعلّمنا الحكمة حين يقول: «الذين اخترعوا المصابيح... لم يكونوا حتماً من باعة الشموع».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4567 - الإثنين 09 مارس 2015م الموافق 18 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 6:59 ص

      رد على ردود

      يا زائر 10 لو كنت في عصر النت كما تدعي وتعرف خلال ثواني لكنت عرفتما يفعله الحوثيين باخوانهم اليمنيين وما تفعله المليشيات العراقية واللبنانية باخوانهم ولكن بسبب ... يجعلك تغض النظر عن بقية اخوانك الى الزائر 8 اين وجدت دفاعي عن داعش انا فقط لااعرف من اسوء من من داعش ام الحوثيين ام المليشيات العراقية ام اللبنانية انظر بمنظار واحد لكل الاطراف وليس كما تفعل انت وزائر 100

    • زائر 21 زائر 17 | 2:47 م

      رد على رديد

      يا خوك اللي تسميهم ميليشيات عراقية هم يقاتلون على ارضهم الاوباش القادمين من تسعين بلد اجنبي.واللي تسميهم ميليشات لبنانية هم الذين اذلوا اسرائيل وهزموها بدل المرة مرتين.روح غسل وجهك افضل.

    • زائر 13 | 3:39 ص

      الذين اخترعوا وخدموا الإنسانية لم يكونوا حتماً طاءفين انسلخوا عن قوميتهم 1020

      ليس العرب لوحدهم في مايسمى العالم الثالث والخليج بالذات ابتدأ تدريس العلم الحديث قبل أقل من 100 عام فهل ببساطة نلحق بمن سبقنا بقرون طويلة المهم السير في الطريق الصحيح والتدريس متاح للجميع ومن سار وصل وخلافا مع أي نظام لايجعلنا ننسلخ من عروبتنا التى أكرمنا الله سبحانه وتعالى ونزل معجزتة على العالم بلغتنا

    • زائر 16 زائر 13 | 6:28 ص

      يا رقم 13 اسمعوا وعوا

      الذين يطالبون بحقوقهم ليسوا طائفيين. بل هم من يفصلون الناس بسبب مذهبهم وطائفتهم ويمنعون توظيفهم وترقيتهم ويقفلون عليهم ابواب طلب العلم ولو ذهبوا إلى الصين. فهمت لو لا؟

    • زائر 19 زائر 13 | 7:45 ص

      كنا لا نعرف الطائفية قبل 79 1415

      المحترم في انتخابات 73 كنا ننظر لكفاءة الشخص ولا نعير مسميات مذاهبنا لاكن مع ظهور التيارات المذهبية ابتداء الفتنة وشطر المواطنين حتى نفس المذهب قسم لعدة تيارات فأين يأتي الخير بإنعدام الثقة باصطفافنا الطائفي البغيض أبعاد الإسلام السياسي والمذهبي واتحادنا في جمعيات مدنية وطنية هو الذي يأتينا بالمساواة ووالديمقراطية

    • زائر 22 زائر 13 | 2:54 م

      مسميات‏ ‏من‏ ‏أفعال‏ ‏المجتمع

      لا‏ ‏يوجد‏ ‏شيئ‏ ‏اسمه‏ ‏اسلام‏ ‏سياسي‏ ‏انما‏ ‏الاسلام‏ ‏لتسيير‏ ‏السياسة‏ ‏على ‏الطريق‏ ‏الصحيح‏ ‏
      هذا‏ ‏إن‏ ‏وجد‏ ‏أشخاص‏ ‏يعملون‏ ‏بذلك

    • زائر 11 | 1:45 ص

      حكمة... مادام عندنا النفط فلا حاجة لفكر ولا عقل ولا تفكير.... كل شيء تمام يا افندم

      أحد هذين الطيارَين السويسريين المجاهدَين من أجل الإنسانية، يعلّمنا الحكمة حين يقول: «الذين اخترعوا المصابيح... لم يكونوا حتماً من باعة الشموع».

    • زائر 8 | 12:50 ص

      يا سيد

      كيف نتطور اذا كان عندنا عقول تدافع عن داعش وتخلط الحق بالباطل مثل رقم 3.... لا يحركهم الا الحقد والضغينة وترويج الدجل.

    • زائر 7 | 12:46 ص

      سلمت هذه الايادي

      شكرا استاذ على هذا المقال الرائع واللي يعور القلب من جهة ثانية.. ياترا ماهو مستقبل الأجيال القادمة ؟ مستقبل مظلم امامهم ..نربيهم ونعلمهم ونكبرهم في النهاية يننظر الي بصيص أمل من الله تعالى عز وجل ...ماقول لاحول ولا قوة الا بالله العلي القدير...الله يحمي الجميع....

    • زائر 5 | 12:32 ص

      كيف لنا التطور

      كيف لنا ان نتطور و نتقدم علمياً و بيننا بشر يؤمنون ان للكهنوت سلطة على رقابنا ؟ كيف لنا ان نتطور و نتقدم و بيننا بشر يريدون ان ينتقموا لأحداث انتهت منذ اكثر من الف عام ؟

    • زائر 4 | 12:17 ص

      يحاربون الابداع

      انهم يحاربون الابداع بل يقتلونه في مهده!!!

    • زائر 3 | 12:07 ص

      داعش

      عرفنه يا استاذ قاسم ان داعش مجرمة مجرمة مجرمة لكن اكتب عن من يساويهم فب الاجرام او اكثر منهم مثل الحويين وتدميرهم لليمن ورئيس سورية واجرامه في حق شعبه ولا تسى ا ننتكتب عن المليشيات العراقية واللبنانية وقتلهم لاخوانهم في الدين والعروبة ولك الشكر

    • زائر 9 زائر 3 | 12:52 ص

      عجيبة ما ذكرت الصفويين و إيران

      الموضوع عن الإبداع والتطور يا ذكي

    • زائر 10 زائر 3 | 1:12 ص

      اسمح لنا يا - داعش - انت تدافع عن الظلام وتحارب النور

      والا هل يوجد عاقل يقبل بمقازنة داعش مع التحرر والانعتاق من العبودية وضد الانسلاخ من الانسانية بالقتل والذبح وقطع الرؤوس وبيع الاطفال والنساء في سوق النخاسة وهدم الحضارة والتاريخ كما تشاهد هذه الايام الحالة الهسترية للتدمير ، وليس يوجد عمل واحد يذكر خلال 4 سنوات للبناء ،كيف انت تغطي الشمس و النور بغربال نحن في عصر النت كل عمل يعرف خلال ثوان . ما لك كيف تحكم عقلك ؟!!.

    • زائر 2 | 11:51 م

      زائر

      سلمت يا سيد وسلم قلمك
      هنا في عالمنا الاسلامي والعربي خصوصا لو فكر احد بان يصنع عود ثقاب لكان مصيره معروف لا تتاح الفر

    • زائر 1 | 11:44 م

      بوركت أناملك

      أحسنت يا سيد على هذا المقال الجميسل والواقعي
      وقد وضعت الأصبع على الجرح مباشرةً
      فهل يوجد فيهم أو فينا من يفهم ويعي ويستوعب الدرس ؟؟
      ناديت لو أسمعت حيا.... ولكن لا حياة لمن تنادي

اقرأ ايضاً