العدد 4568 - الثلثاء 10 مارس 2015م الموافق 19 جمادى الأولى 1436هـ

اتركونا «نتأنسن»

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ما يدور حولنا من مصائب وأحداث جسيمة، وممارسات بشعة وغير أخلاقية، وقمع متواصل للحريات وإهانة للكرامة الإنسانية، تجعل الفرد يخرج من نطاقه الإنساني حتى يتمكن من التعايش مع هذه الأجواء المشحونة حقداً وكراهيةً وبؤساً.

إنسانيتنا كأفراد بدأت في التدهور والضمور في مقابل تضخم العقد والتوحش، والاندفاع نحو شرائع الغاب، وقوانين الغالب والمغلوب، والصراعات المفتوحة على كل الجبهات وضد كل من حولنا.

العلاقات البينية القائمة على الثقة وحسن النية، وحمل الآخر على أوجه حسنة انتهت وحلت محلها الشكوك وسوء النيات وتتبع العثرات، فلم يعد الواحد يعيش حياته كما يريد هو بل كما يريدها الآخرون، خوفاً من إلصاق مختلف التهم به. وحتى التواصل الإنساني الطبيعي بين الناس وبعضهم أصبح خاضعاً لمعادلات اجتماعية معقدة، وتتطلب مراعاة أعراف اجتماعية طارئة في زيارة أو لقاء شخص مختلف معك.

أية كلمة تريد قولها أو كتابتها أو التعبير عمّا يجول في فكرك وخاطرك، ينبغي عليك أن تزنها بدقة شديدة، لأن هناك من يبحث عن تفسيرات لها لعلك لم تقصدها مطلقاً، فلذا ستشعر بأن سكوتك هو الأسلم لتفقد جزءًا مهماً من إنسانيتك. هناك من يحدّد لك ماذا تقرأ، وفيم تفكر، وماذا ينبغي أن تقوله، وكيف تعبر عنه لتتحول إلى مجرد آلة متحركة ومبرمجة مسبقاً بلا تفكير أو إبداع أو تأمل.

الجو العارم يريدك أن تتحوّل إلى أداة للتطرف والتعصب، وتمتلئ حقداً وكراهيةً على كل شيء، كي تتأهل لتدمير ذاتك وكل شيء حولك، من بشر وفكر وتراث وتاريخ، وتحطم أية بادرة تعيد لك إنسانيتك الجميلة الصافية المحبة للخير وللناس وللطبيعة والفن والجمال.

مطلوب منك أن تكون يائساً محطماً، تعيش لحظتك بلا أمل ولا مستقبل، وترى البؤس والإحباط منتشراً حولك في كل ركن، وتكيل على الآخرين ممن يحققون الإنجازات والتقدم كل أشكال السب واللعن والشتائم لأنهم تقدّموا وتركوك عاجزاً. لقد اختلت موازين الإنسانية لدينا، وضاعت القيم والمبادئ السامية والأعراف الجميلة، وفقدنا أهم ما يميزنا عن سائر المخلوقات في هذا الكون. نعم... أضعنا إنسانيتنا.

ما أحوجنا إلى أن «نتأنسن» من جديد، ونعيد بناء ذواتنا على أساس القيم الإنسانية الرائعة التي تقوم على تقدير الذات والثقة بها، وإعطائها الاحترام والكرامة، وضمان كامل حقوقها. وتقوم أيضاً على احترام الآخر – مهما يكن هذا الآخر – وخياراته وآرائه وأفكاره، بل والدفاع عنها متى ما لزم.

لنتأنسن، نحتاج إلى الوقوف صفاً واحداً مع كل مضطهد ومحروم وبائس، وأمام أي ظلم أو اضطهاد أو إهانة أو تمييز يمارس ضد أي أحد. ونحتاج أيضاً إلى أن نكون شهداء على أنفسنا بقول ما يعتقده أي منا أنه صحيح، والتعبير عن الآراء بكل شفافية ووضوح وصدق وإخلاص.

ما نحتاجه لنتأنسن هو أن يكون كل واحد إنساناً، حراً، كريماً، محباً للخير ولجميع الناس، ومكافحاً عن حق كل إنسان يراه مضطهداً. كما نحتاج إلى جرعات من النظرة المتوازنة لكل ما هو جميل في هذا الكون، وإبرازه في حياتنا وسلوكنا اليومي. فقط دعونا نعيش حياتنا دون ضغوط أو منغصات أو تدخل، وسيعود كل واحد لإنسانيته الجميلة.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 4568 - الثلثاء 10 مارس 2015م الموافق 19 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:25 ص

      الأناسة والأمان والمحبة والثقة انشاء الله ترجع نفس أيام زمان وأكثر 1410

      الكل أصبح يعرف هذا المرض الذي أصاب المنطقة والبحرين لم تكن محصنة منه والمتعصبين دينيا ومذهبية تاثرو أكثر بهذا المرض وظهرت تيارات ونقسم المقسم والسلطة ساهمة في انتشاره ولم فتحنا في جمعيات مدنية وطنية هو الذي يزيد اللحمة والاناسة

    • زائر 4 | 2:03 ص

      صدقت يا استاذ

      هل تصدق انه اصبح لدي ولدى الكثير من الناس هاجساً بأن بعض الناس من الكائفة الأخرى يتحينون الفرص لإيقاع الضرر بنا وأنه لو قدم أحد منا شكوى ضد أحدهم سيكون الحق لهم ولو كانوا مخطئين في الوقت نفسه لا زال هنامك اناس محترمون لم تغيرهم الاحداث ولا زالوا يودون الجميع بلا تمبيز اللهم اصلح حالنا ومثل ما قلت نبي نستانس مثل الأول

    • زائر 3 | 1:25 ص

      بحرينيه وافتخر

      اشكرك استاذ عل هاذا المقال الذي يذكر الانسان بفطرته التي فطره الله عليها بريئة طيبه محبة للناس فما احلى النسان واسعده ان يعيش بعذه الفطره الطيبه

    • زائر 1 | 12:47 ص

      انسان

      فعلا أصبحت الإنسانية لها تفسيرات عدة من جهة بينما فقدت المعنى الحقيقي من جهة أخرى و أصبح الإنسان تائه يبحث عن مجموعة من الإجابات و لكنه لا يجد غير التناقضات . شكرا على هذا الكلام الرائع أستاذي الكريم .

اقرأ ايضاً