العدد 4568 - الثلثاء 10 مارس 2015م الموافق 19 جمادى الأولى 1436هـ

لماذا الهروب من مصطلح «هدر المال العام» الآن؟

هاني الفردان hani.alfardan [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

صدر ديوان الرقابة المالية الذي كشف النقاب عنه في 6 يناير/ كانون الثاني 2015، وتحدّث عن تجاوزات مالية كبيرة ذهبت صحف ونواب وغيرهم إلى وصفها بـ «هدر» مالي، فيما ذهب آخرون لاتهام الحكومة علناً وعبر تغريدات لهم بـ «سرقة قوت المواطنين»، ولكن دون أن تطبق عليهم المادة القانونية التي تطبق على المعارضة بتهم «إهانة هيئات نظامية»!

مر على صدور تقرير ديوان الرقابة المالية أكثر من عشر سنوات، ويأتي تقرير هذا العام (تقرير 2013) في نسخته الحادية عشرة (من العام 2003 وحتى الآن) ونحن نشهد كل عام جملة من «المفاسد» المالية والإدارية في مختلف المؤسسات الرسمية.

كالعادة، التقرير يتم تسليمه في نسخة مخملية فاخرة وراقية، ويحتوي في داخله على صفحات من الفساد المالي والإداري التي لم ترقَ في يوم من الأيام لتكون سبباً لإحالة وزير أو مسئول رفيع للنيابة العامة بتهمة «التلاعب بالمال العام»، مع كل تلك الجلبة السابقة والحالية من بعض النواب، عن استجوابات ولجان تحقيق، إذ يعلم الرأي العام أنهم «مو أهلها أبداً»، وما هي إلا بهرجة إعلامية... و«جعجعة بلا طحين».

تزايد في الآونة الأخيرة الحديث عن «هدر المال العام»، وهو الأمر الذي جعل من وزير الدولة لشئون المتابعة محمد المطوع «يرفض» ذلك التوصيف، ويؤكد أنه لا وجود في التقرير الحالي لمفهوم «المال المهدر»، وإنما هناك مخالفات مالية مرتبطة بإجراءات إدارية تزول حال تصحيحها من قبل الجهات الحكومية المختلفة، والتي بدأت بعضها بالفعل باتخاذ إجراءات تصحيحية حيال الملاحظات التي وردت عنها في التقرير. واستطرد قائلاً بأن إجمالي الملاحظات الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الأخير 346 ملاحظة، منها 280 ملاحظة إجرائية، و66 ملاحظة مالية فقط.

المطوع دعا إلى «أهمية تحري الدقة والموضوعية في التعامل مع ما ورد في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية والتصنيفات المعتمدة وعدم استحداث مفاهيم وتصنيفات جديدة لا وجود لها في التقرير». وبالتأكيد مصطلح «هدر المال العام».

الحديث عن هدر المال العام ليس «بدعة» ولا «جريمة» بل حقيقة أكّد عليها رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في الخامس من يناير 2015 عندما أكّد على «ضرورة استمرار الرقابة الذاتية والتدقيق الداخلي الحكومي في الوزارات والأجهزة الحكومية لحفظ المال العام من الهدر والتحقق من سلامة ومشروعية إدارته».

في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 وجّه أيضاً رئيس الوزراء الجهات المختصة بدراسة الملاحظات والمخالفات التي أوردها ديوان الرقابة المالية والإدارية في تقريره السنوي 2011 – 2012. وأشار إلى أن الحكومة في ضوء دراستها لتقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية ستتخذ الإجراءات المناسبة التي تعزز توجهها في صرف المال العام في الاتجاهات المرسومة له، وضمان عدم حدوث أي هدر أو تجاوز في إدارته.

في الرابع من نوفمبر 2012 وجّه أيضاً رئيس الوزراء الجهات المختصة بدراسة الملاحظات والمخالفات التي أوردها ديوان الرقابة المالية والإدارية في تقريره السنوي 2011 2012، مؤكّداً في الوقت نفسه حرص الحكومة على المال العام من خلال إجراءات لوقف الهدر.

من خلال متابعتنا لتصريحات مجلس الوزراء والحكومة خلال السنوات الماضية بعد كل تقرير للرقابة المالية، نجد مصطلح «الهدر» حاضراً وبقوة، كما نجد التوجيهات المتعلقة بوقف الهدر أيضاً «موجودة»، ولكنها لم تكن حازمة، في ظل تكرار المخالفات والتجاوزات ذاتها طوال السنوات الماضية دون حل جوهري لها.

بعض الجهات واللجان الحكومية تحاول حالياً الهروب من مصطلح «هدر المال العام»، في ظلّ وجود توجّه نيابي لايزال حتى الآن «غير جاد» للتحقيق بشأن هدر الجهات الحكومية نحو 400 مليون دينار! وفي ظل ما نعانيه من أزمات اقتصادية حقيقية.

التصريحات الرافضة حالياً لمصطلح «الهدر» تعلم جيداً أن أخطر ما في قضايا الفساد المالي، هي مسألة «الهدر» كونها تندرج ضمن ما يعرف بـ«الفساد المحمي»، والمغلفة بأقنعة قانونية تسببت في بعض الدول بسرقة منظمة لمليارات الدولارات سنوياً.

في الجانب الآخر، قد ينظر لعملية «الهدر في المال العام» ضمن سياسة ما يعرف بـ«سوء الاختيار» للمسئولين القائمين على تلك الأجهزة الرسمية المتهمة بذلك الهدر، إذا ما عرفنا أن أصابع الاتهام النيابية موجهة حالياًً إلى 13 وزارة وجهة حكومية على رأسها شركة نفط البحرين (بابكو) من حيث المبالغ المهدرة التي بلغت 209 ملايين دينار، تليها وزارة البلديات والتخطيط العمراني بمبلغ 42 مليون دينار، ثم شركة «بناغاز» بـ 38 مليون دينار... وغيرها.

إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"

العدد 4568 - الثلثاء 10 مارس 2015م الموافق 19 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 10:34 ص

      هالديرة كلها هدر و بوق

      هدر أموال على الفاضي و سباقات و فعاليات و مناصب و ترقيات و غيره و غيره بل هناك بوق و فساد لو كان في بلد آخر لتم ..............

    • زائر 15 زائر 14 | 1:33 م

      ابحث عن السبب

      بدون شك ايران هي السبب

    • زائر 13 | 6:11 ص

      ما عندنا

      ما عندنا هدر للمال العام... الا عندنا توزيع عادل وانصاف ومساواة

    • زائر 12 | 6:10 ص

      مقالك مو واقعي

      الحكومة تعترف بالهدر العام... ولكن تراها تطبق قاعدة اقتصادية مهمة، ومعروفة بإذا بليتم فاستتروا

    • زائر 10 | 6:01 ص

      توهم فاهمين

      تراهم فهموا المصطلح متأخر وايد. وتوهم عارفين ان الهدر فساد اكبر

    • زائر 9 | 6:00 ص

      فضحتهم

      ترى محد يدري ليش تفضحهم عاد

    • زائر 8 | 5:59 ص

      الرفض في كل شيء

      هذي عادتهم كل مرة

    • زائر 6 | 1:31 ص

      الوزير المطوع

      يذكرنا برفضه لمصطلح الهدر العام لرفضه اشتغال الجمعيات بالسياسة وانما انشغال.

    • زائر 5 | 1:30 ص

      احتجاج غير مرخص او حرق اطار العقوبة سنوات = سرقة المال العالم= الفاعل مجهول

      12 سنة ورغم كساحة ومرض البرلمان اكتشفت سرقات بمئات الملايين ولكن ظل السارق مجهول وفي بعضها طبطب على الموضوع ...

    • زائر 4 | 1:20 ص

      صدق او لا تصدق

      صديقتي مسؤولة عن ميزانية ... تقول في احد الايام كان كشف الرصيد المتبقي س دينار و4 فلس ولانه لا يوجد عملة اقل من 5 فلس كانت النقدية المتبقية س دينار و5 فلس فلم يقبل المشرف من الرقابة بذلك وهذا كبعا تصرف صحيح لانه بلتزم الدقة في العمل والسؤال اين من امثال هذا المشرف لمحاسبة المستهترين بالمال العام

    • زائر 3 | 12:21 ص

      من أمن العقاب أساء الأدب

      طرح موفق. للأسف هناك محاولات بائسة لتمييع الموضوع ويشارك النواب بالشق الأكبر وذلك عبر ابعاد المسؤولية عن مجلس النواب بالتعقيب ان تقرير ديوان الرقابة مسؤولية الحكومة لمتابعته

    • زائر 1 | 11:17 م

      الجميع مقصر

      الصحافة أيضا تجامل البعض المفسد وتنشر تصريحاتهم وكأنهم ليسوا أربابا للفساد!

اقرأ ايضاً