العدد 4591 - الخميس 02 أبريل 2015م الموافق 12 جمادى الآخرة 1436هـ

العلاقة بين الثقافة وقيادة المؤسسات

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

المدارس في علم الإدارة متعدّدة، ومن أَهمّها تلك التي بدأت في العام 1911 مع فريدريك تايلور، الذي أَوضح معالم «الإدارة عبر الأساليب العلميَّة»، وكانت هناك مدرسة لاحقة نظرت إلى أهميّة دراسة «السلوك الإنساني» واعتماده بصورة أساسية في أساليب الإدارة.

وفي الثمانينات من القرن العشرين برزت مدرسة جديدة في الإدارة اهتمت بدور «الثقافة»، واتخذ العلماء من تفوُّق أَداء الإِدارة في المؤسسات اليابانيّة (آنذاك) أُنموذجاً يُحتذى. كان من أهمّ الكتب التي صدرت في هذا المجال، الكتاب الذي ألفه عالم الإدارة ويليام أوتشي في 1981 عن «نظرية Z» التي تطرق فيها إلى كيف يمكن للإداريّين الأَميركيّين مواجهة التحدي الياباني. وفي العام 1982 أصدر كل من توم بيترز، وروبرت ووترمانPeters & Waterman كتــابهما الشهير In Search of Excellence، الذي طرح موضوع الاهتمام بالثقافة بصورة مؤثرة وأوضحا دور «الثقافة» المباشر في نجاح أو إخفاق المؤسّسات.

ولو راجعنا نظريَّات «الدافعيّة»، فسنجد تأثير المدارس المختلفة في التعرف على الدوافع البشريّة نحو العمل. وفي هذا المجال، يمكن الإشارة إلى ما يعرف بنظرية X، ونظرية Y، ونظرية Z (التي طوّرها عالم الإدارة ويليام أوتشي).

فنظريّة X تفترض أن العاملين كسالى بطبيعتهم ويكرهون العمل، ونتيجة هذا الطرح، فإنَّ قيادة المؤسَّسة تحتاج إلى الإشراف عن كثب، على العاملين، وأَن تضع نظماً شاملة للسيطرة على سير العمل، وتوجيه العاملين باستمرار، وهناك حاجة إلى هيكليَّة هرميَّة صارمة للتحكُّم في مسيرة العمل. ووفق هذه النظريَّة، فإنَّ العاملين قليلو الطموح، وسيتجنبون تحمُّل المسئوليَّة، كلما كان ذلك في وسعهم.

أما نظرية Y، فتفترض أَنَّ العاملين طموحون، ولديهم دوافع ذاتيَّة لممارسة ضبط النفس، وأنَّهم يتمتَّعون بالقدرة على إيجاد الحلول للمشكلات، وأنَّه بالنظر إلى الظروف المناسبة، فإنَّ معظم الناس يريدون القيام بعمل جيد، وإن الرضا الوظيفي يمثل أقوى دافع للعمل. أما نظرية Z فترى أنَّ بالإِمكان الحصول على أفضل ما لدى العاملين من أداء، من خلال زيادة ولائهم للمؤسسة، وعبر إشراكهم في عملية اتخاذ القرار كلما كان ذلك ممكناً، مع التركيز على رفاهيّة العاملين، سواء داخل العمل أو خارجه، وأنّ كل ذلك يؤدي إلى إنتاجية عالية، وارتفاع في المعنويات، وهذه النظريّة ترتبط بصورة وثيقة بـ «الثقافة» السائدة داخل المؤسسة.

إذن، ومنذ ثمانينات القرن العشرين، ربط علماء الإدارة أهميّة «الثقافة» بتفوق أداء المؤسَّسات، إِذ تشير الدراسات والبحوث التجريبيَّة إلى أنَّ الأداء المؤسَّسي الأفضل ينتج عن ثقافة قويَّة، وفعَّالة، ومناسبة إلى ظروف المؤسَّسة وبيئتها المحيطة بها. كما يشير علماء الإدارة إلى أنَّ الثقافة الفعَّالة هي تلك التي تعطي العاملين في المؤسَّسة إرشادات سلوكيّة تتَّسق مع الأَداء المتوقَّع، حيث يعلم العاملون بالقيم المعتمدة وبالأَداء المطلوب.

الدراسات الحديثة تؤكد أنَّ هناك عاملاً لا يقلُّ أهميَّة عن سلوك القائد، وهذا العامل يرتبط بـ «الثقافة» داخل المؤسسة، والتي تلعب دوراً مباشراً في تحديد ما إِذا كانت بيئة العمل سعيدة وصحيّة للعاملين فيها، أو عكس ذلك.

«الثقافة» تحدّدها القيم المشتركة والتصورات التي يؤمن بها القائمون على المؤسَّسة، ويغرسونها في نفوس العاملين داخل المؤسسة.

البحوث التجريبيَّة تقدّم أدَّلة واضحة لدور «الثقافة المؤسسية» في تحسين الأداء وإنجاز الأهداف، وتحقيق الرضا الوظيفي لدى العاملين، ما ينعكس مباشرة على التزامهم وولائهم وسلوكهم والنتائج التي يحققونها. ومن الواضح لدى الخبراء في هذا المجال، وكذلك الممارسين، أن هناك تأثيراً مباشراً لسلوك القائد والثقافة، داخل المؤسسة على الرضا الوظيفي، وتماسك العاملين أثناء إنجاز المهمَّات الموكلة إليهم.

في كل هذه الدراسات والبحوث والآليات العمليَّة، فإنَّ من الواضح أنَّ «الثقافة» ينظر إليها كنمط متكامل من السلوك البشري، يشمل الفكر والخطاب والأفعال والآثار، وتعتمد على قدرة الإنسان على التعلم، ونقل المعرفة. «الثقافة» في بيئة العمل تحدّدها القيم والمواقف والأساليب المعمول بها، والتي توضّح كيف تجري الأمور داخل تلك المؤسَّسة.

لقد توصَّل علماء الإدارة إلى استنتاج، مفاده أنَّ الثقافة هي المحرك الرئيسي للأداء التنظيمي، لكن، وعلى رغم انتشار وجهة النظر تلك، فإنَّ هناك القليل من الاتفاق حول ما هي الثقافة أو ما تنطوي عليه؛ لأنه لا يمكنك رؤيتها أو لمسها. غير أنَّه في السنوات الأخيرة طرحت أفكار وأدوات لقياس الثقافة واستكشاف تأثيرها على كيفيَّة تصرف العاملين داخل المؤسسات، وأصبحت هناك حاليّاً آليات معتمدة لقياس الثقافة، ومن تلك الآليات ما طوّره كل من «كيم كاميرون» و «روبرت كوين» اللذين اعتمدا على إطار للقيم التنافسية، وصمَّما أداة لتقييم الثقافة، يطلق عليها Organizational Culture Assessment Instrument واختصارها (OCAI)، وقد أوضح كل من كوين وكاميرون أنَّ المؤسسات تحتوي على مزيج من أربع ثقافات، وهي: ثقافة العشيرة Clan، وثقافة تنفيذ المهمّات Adhocracy، وثقافة السوق Markrt، وثقافة التسلسل الهرمي Hierarchy.

ولقياس مدى قوة أو ضعف هذه الثقافات داخل كل مؤسّسة، طور كوين وكاميرون آلية OCAI التي تقيس خصائص الثقافة التنظيميّة، ومن خلال ذلك يمكن قياس الثقافة وتقييمها، وتحديد الأنماط المسيطرة والمعمول بها في هذه المؤسّسة أو تلك، وما إذا كانت مناسبة أو غير مناسبة ويلزم تغييرها.

هذه الآلية (OCAI) تستخدم بصورة واسعة حاليّاً لتقييم الثقافة التنظيميَّة لأي مؤسسة، وكذلك لتحديد الوضع المفضل للمؤسّسة، ومن ثم تحديد الفجوة بين الوضع حاليّاً، والوضع المرغوب فيه مستقبلاً. وعلى أساس ذلك، يمكن اتخاذ خطوات لتغيير الثقافة الحالية واعتماد أساليب ووسائل وإمكانات مناسبة لتحقيق التغيير المنشود.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 4591 - الخميس 02 أبريل 2015م الموافق 12 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً