العدد 4593 - السبت 04 أبريل 2015م الموافق 14 جمادى الآخرة 1436هـ

إدارة نزاعات النفوذ

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

العالم الحديث من بعد الحرب العالمية الثانية، (الأول من سبتمبر 1939 لغاية الثاني من سبتمبر 1945) ونتيجة للانتصارات العسكرية في هذه الحرب، تقاسمت مناطق النفوذ فيه، الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن: أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، وأصبحت هي المعنية بتحقيق غايات تأسيس مجلس الأمن، ومقاصده الأربعة حسب ميثاق هيئة الأمم المتحدة، التي تأسست في 24 أكتوبر 1945، وعُقد أول اجتماع لمجلس الأمن في 17 يناير 1945، وقد تلخصت هذه المقاصد في التالي:

1. حفظ السلم والأمن الدوليين.

2. إنماء العلاقات الودية بين الأمم.

3. التعاون على حل المشاكل الدولية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان.

4. العمل كجهة مرجعية لتنسيق أعمال الأمم.

كل ذلك في ظل تفرد مجلس الأمن باتخاذ قرارات تلزم الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، ونتيجة لهذه الهيمنة الكونية للدول الخمس، فقد عمدت إلى استعمار دول، وإخضاع أخرى لحمايتها، وأنشأت قواعد عسكرية هنا وهناك في مناطق العالم المختلفة، كل ذلك بما يحفظ نفوذها واستمراره، فبات العالم محكوماً بقراراتها، خياراً أو إجباراً.

وحين استنهضت الشعوب همتها، من بعد يأسها من حكوماتها، التي غالباً ما خنعت للمستعمر وارتضت سيطرته، أو استعانت به ضد شعبها، فقد تحرّرت كثير من الدول، بفعل تضحيات شعوبها، من نير الاستعمار المباشر، إلا أن الدول الكبرى عمدت إلى ما يسمى بالاستعمار الجديد، بما نالت بعض الدول استقلالها الصوري من المستعمر، ولكنها ظلت حبيسة إرادته، بفعل معاهدات الحماية التي عقدتها حكوماتها مع المستعمر، وكذلك اتفاقيات التزويد بالخبرة والخبراء. أما الدول التي استطاعت الاستقلال، واستقلت بقرارها الوطني والسياسي، فقد تكالبت عليها دول الهيمنة الاستعمارية، بمثل ما حدث لمصر بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر، بالاعتداء الثلاثي الإسرائيلي البريطاني الفرنسي، وكذلك كوبا بقيادة فيدل كاسترو ودول أخرى.

في العموم، لا تستطيع أية دولة، صغرت أم كبرت، أن تعيش في عزلة عن الدول الأخرى، لذلك تعمد الدول الكبرى إلى إخضاع الدول الأخرى، مستقلة كانت أو مستعمَرة أو محمية من قبلها، لتستأثر بأرضها وثرواتها وجهود أبنائها، أو بمساندتها الأوتوماتيكية، بما يعود عليها بالنفع، وبما يقوي نفوذها في هذه المنطقة من العالم أو تلك. وتختار بعض الدول الصغيرة أن تستظل بدولة من الدول الكبرى، التي تتصارع فيما بينها، غالباً حول أراضي هذه الدول في إقليم بعينه، ما لم تتفق الدول الكبرى وتتقاسم فيما بينها الحصص، السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وواضح هذا من خلال حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، بمثل ما تستخدمه أميركا مثلاً لحماية «إسرائيل» والإبقاء على احتلالها لفلسطين، كذلك ما تستخدمه روسيا والصين، ضد قرارات تودّ دول المجلس الأخرى، اتخاذها في مجلس الأمن، بما يخدم نفوذ كلٍّ منها، ويتعاون بعضها ضد البعض الآخر، فيما يخدمها وضد ما يخدم الأخرى، وهذا ما تبدى واضحاً في تشكيل روسيا والصين محوراً في مجلس الأمن، قبالة محور أميركا وبريطانيا وفرنسا، أو بعبارة أخرى محوري الشرق والغرب.

لذلك لا يصدق أحد، أن هناك دولة، أو ائتلافاً أو تحالف دول، من خارج الدول الكبرى الخمس، دائمة العضوية في مجلس الأمن، يجرأ على إعلان الحرب ضد دولة أو دول أخرى، ما لم تحظ هذه الحرب على موافقة صريحة، ودعم، إن لم يكن عسكرياً فلوجستياً، من إحدى أو بعض هذه الدول الكبرى، والحرب على العراق بقيادة صدام حسين، حين غزا الكويت، أوضح صور ذلك، ولم يكن ردع صدام إجماعاً دولياً لعيون شعب الكويت ولا حكومتها، بقدر ما كان حمايةً لمنابع النفط في دول الخليج عامة، وليس الكويت بالخصوص، من تحويل منافعها إلى غير الدول التي ألفت ذلك، منذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها العام 1945.

وتنسحب خريطة تكتلات وعلاقات الدول الكبرى، ونفوذها في مناطق العالم المختلفة، على تكتلات وعلاقات الدول الإقليمية، وخصوصاً تلك التي تطل حدود دولها على ممرات برية أو بحرية أو جوية استراتيجية، أو تحوي أراضيها النفط والغاز والمعادن، فتتمثل تلك الدول بالدول الكبرى التي تحتضنها، وتطالبها بحمايتها ضد جيرانها من الدول التي تحتضنها دول كبرى أخرى، وهكذا ينقسم العالم إلى محوري الشرق والغرب.

فهناك من الدول الكبرى الخمس أو الكبرى الإقليمية الخاضعة لتلك، مَن يعمد إلى الجبر من خلال التجويع والحروب، للتأثير على الدول الأخرى التي تتبدل ولاءاتها، من هذه الدولة الكبرى إلى تلك، في حين تعمد الدول الكبرى الأخرى، سواء من الخمس أو الأقاليم، إلى سد الجوع وتوفير الأمان لدول الأقاليم، لكسب ودها واصطفافها.

وما بين هذه وتلك، تُسحق شعوب وتُهدم دول العالم الثالث.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4593 - السبت 04 أبريل 2015م الموافق 14 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 1:35 ص

      الأخ يقول سيادي المحترم المصالح والنفوذ كل الدول تشتغل لها وأصبح من البديهيات 0850

      بس الحاصل عدنا في الدول العربية والإسلامية نريد المصالح والنفوذ باسم الدين والمذهب هذا مكمن الخطر الذي يشتغل عليه حتى الأحزاب الدينية ولا يهمهم اشتعال الفتنة التي حصدة ولا تزال أرواح الكثيرين فهل جميعنا ننادي بإبعاد الدين عن السياسة

    • زائر 4 | 12:46 ص

      وعي الشعوب ونسبته هو المدار

      الشعوب الغير واعية والتي يسيطر عليها الاعلام الرسمي في توجيهها دون ان يكون هناك اعلام آخر معارضة ومقابل يستطيع تشخيص اخطاء الطرف الرسمي فإن ذلك يودي بالأمة الى الوقوع في المحاذير اذا لا يوجد شخص كامل والانسان بطبيعته يرى ان رأيه هو الاصوب بينما اذا وجد فكر آخر معارض ومقابل فهو كالمرآة
      يستطيع من خلالها ان يرى الانسان مدى صحة نظره

    • زائر 3 | 12:40 ص

      الله يكون في عونك

      اللع يكون في عونك لهذه الدرجة عاصفة الحزم متعبتك

    • زائر 2 | 11:30 م

      خلاصة الكلام

      حتى نخلق شعوب واعية لكل هذه المعادلات الدولية وكذلك الداخلية و انقيادها الأعمى للأفكار الماورائية ليس هناك سوى التركيز على نوعية التعليم وخلق فكر ناقد متسائل ينظر للأمام ونقل هذه المنطقة من عصور الظلام الحاضرة وقد تكون القادمة الى حرية الفكر والمعتقد تقوم على الحب والتسامح و نظافة النفس الانسانية و لكي نمحي الحقد المتراكم عبر آلاف السنين وبدون ذلك سنظل قابعين في عصور اهل الكهف

    • زائر 1 | 11:06 م

      والعيب في من يدير تلك الدولة او الدول

      العيب في الشعوب والا كيف لفرد ان يقرر مصير أمة دون ان يحظى بتفويض من شعبه او حتى عن طريق مجالسهم الصورية ونقول هي بلاء نحن رضينا به

اقرأ ايضاً