العدد 4600 - السبت 11 أبريل 2015م الموافق 21 جمادى الآخرة 1436هـ

كيف نحل إشكال «الازدواجية وعدم التنسيق» في العمل الخيري في البحرين؟

حسين مدن comments [at] alwasatnews.com

ناشط اجتماعي ورئيس صندوق جرداب الخيري السابق

في مجال الإدارة عموماً، يعتبر التنسيق من الأمور المهمة والحيوية، وعن طريقه يمكن للإداريين تفادي التعارض أو الازدواجية في العمل والتشتت في تحديد المسئوليات والصلاحيات والعلاقات، ما يؤدي لتعاون متكامل بين العاملين في مراحل العمل. وقد عرّفه أحد الأكاديميين بأنه «توحيد للعمل الجماعي وتنظيمه لبلوغ التكامل والانسجام في إنجاز المهام المتفق عليها لتحقيق الهدف المشترك باستخدام أدوات تنسيقية متنوعة».

يعتمد النجاح في العمل الخيري على قابلية وكفاءة وقدرة المتطوعين للقيام بعملية التنسيق بين الجمعيات الخيرية المختلفة نفسها، وبينها وبين الجهات المسئولة ذات العلاقة. ويهدف التنسيق إلى تجنب التعارض في الجهود ومنع الإزدواجية في العمل.

في البحرين، وفي أحدث دراسة قمت بها وتم نشرها العام الماضي (2014) عن واقع الجمعيات الخيرية البحرينية، تبين أن 15 في المئة من الجمعيات الخيرية لا يوجد بينها أي نوع من التنسيق، وأن 49 في المئة من الجمعيات يوجد تنسيق بينها على مستوى المحافظات فقط، أما التنسيق على مستوى المملكة فإن 36 في المئة فقط من هذه الجمعيات تقوم بذلك.

يقول بعض العاملين المتخصصين في مجال رعاية اليتيم من خلال تجاربهم طوال السنوات الماضية، أن هناك تضارباً وازدواجية في مجال خدمة اليتيم، كمثال واحد على الازدواجية وعدم التنسيق في المجال الخيري، ما يضعف التوافق والانسجام بين أوجه نشاط هذه الجمعيات المتخصصة وتلك التي تقوم بها غيرها من الجمعيات لليتيم في مختلف المناطق، ما يتسبب في ضياع الموارد المالية الشحيحة، وفقدان جهود المتطوعين وضياع الهدف المشترك.

تؤكد الدراسة السابق ذكرها على الحاجة إلى زيادة التنسيق بين الجمعيات على مستوى المملكة لتفادي الازدواجية في تقديم برامجها. ونحن نؤكد هنا على أهمية التنسيق بينها وبين الجمعيات المتخصصة، وكذلك على أهمية التوعية والتقيد بالتخصص في البرامج المقدمة للمجتمع لكيلا تتبعثر الجهود.

كما أن ازدياد عدد الجمعيات الخيرية والمتخصصة بالذات زادت معها الحاجة إلى جهة تقوم بالتنسيق بينها، خصوصاً مع وجود تقاطع كبير في بعض الخدمات التي تقدمها. وقد كشفت وزارة التنمية الاجتماعية مؤخراً أن العدد الحالي للمنظمات الأهلية هو 617 منظمة، منها 110 جمعيات خيرية، وأن المعدل السنوي للترخيص لمنظمات جديدة يبلغ 20 منظمةً سنوياً. وعلى الرغم من أن الوزارة تراه حراكاً إيجابياً، إلا أن هذا الحراك يتطلب المزيد من العمل التنسيقي بين جهود هذه الجمعيات ودعمها.

ويجب أن يواكب هذا التطور في مجال العمل الخيري تطورٌ في عمل الجمعيات الخيرية، لتواكب المستجدات والتوجهات الجديدة في العمل الاجتماعي بما يؤكد الحاجة إلى التخصص والاحترافية والمؤسسية. كما يجب الاستفادة المثلى من الموارد المالية التي هي شحيحة واقعاً. فالدراسة الآنفة الذكر تقول أن 34 في المئة من الجمعيات دخلها السنوي أقل من 10 آلاف دينار، وأن 19 في المئة فقط منها دخلها أقل من 20 ألف دينار، أي أن نصف عدد الجمعيات في البحرين تقريباً لا يتجاوز دخلها الـ20 ألف دينار.

نعتقد أولاً أن مفاهيم التعاون والتنسيق ليست بتلك القوة في وعي المجتمع، على الرغم من تأصل مفهوم الفزعة ومفهوم مساعدة الآخرين بقوة، إلا أنه على نطاق الجمعيات الخيرية ولظروف عديدة، لا نجد التنسيق أو التعاون الكافي، فكل جمعية تعمل بطريقتها حيث الغالب الأعم من القائمين عليها يكونون من المتطوعين.

الأمر الثاني أن هناك تباطؤاً في توحيد الجهود وتنسيقها نظراً لغياب أي إطار للإتحاد بين هذه الجمعيات، وما تقوم به بعض الجهات التي تمثل هذه الجمعيات حالياً كجهات تنسيقية، ما هو إلا تعويض بسيط عن دور في الطريق إلى هذا الإتحاد، وهذا بلاشك يسبب نوعاً من الازدواجية وتداخل الاختصاصات والأعمال، ما يؤدي إلى نوع من الهدر للقدرات والطاقات، وعدم العدالة في توزيع الموارد المتاحة على المحتاجين لها.

إضافةً إلى أن مفهوم المسئولية المجتمعية لدى المؤسسات التجارية ليس شائعاً في البحرين، وتشير الدراسة إلى أن 89 في المئة من الجمعيات تحصل على دعم مادي أو عيني من أقل من 30 مؤسسة تجارية أو بنك فقط، وأن 94 في المئة منها تحصل على أقل من 20 ألف دينار سنوياً كدعم من هذه المؤسسات.

إننا بحاجةٍ إلى أن نعالج هذه المشكلة من أساسها، والتي من أسبابها الرئيسة عدم التنسيق والازدواجية والتكرار في هذا المجال الحيوي الخيري المهم.

من الأفكار التي يمكنها التقليل من هذا التداخل والإزدواجية وتزيد من التنسيق بين الجمعيات هي إنشاء قاعدة بيانات موحدة للجمعيات وربطها إلكترونياً، وكذلك إنشاء موقع إلكتروني موحد لكل الجمعيات الخيرية، وربطه بالمتبرعين الكبار واستحداث تطبيق للهواتف الذكية يمكن لجميع الجمعيات الاستفادة منه في استلام التبرعات والدعم. ففي جارتنا المملكة العربية السعودية يجري العمل على إنشاء مشروع «مدينة العمل الخيري»، ويتضمن المشروع مرافق متكاملة مثل مبانٍ مكتبية للجمعيات الخيرية وقاعات اجتماعات رئيسية ومركز للتدريب ومستودعات تخزين وتسهيلات للحالات الطارئة والكوارث، وصالة للمعارض والمهرجانات.

وبالتأكيد نحن هنا في البحرين بحاجةٍ إلى مثل هذا المشروع، الذي يمكن أن يُقسّم ليكون عملياً، على أساس المحافظات الأربع، وتتبناه وزارة التنمية الاجتماعية بدعم من الحكومة ومشاركة من القطاع الخاص. إلى جانب إنشاء مركز للأبحاث والدراسات متخصص في العمل الخيري، يكون له دور كبير في تطوير العمل وتأصيل مفاهيمه والتوعية بدور هذا القطاع في التنمية.

إن استحداث دبلوم لإدارة الجمعيات والمؤسسات الخيرية سيركّز على خلق طواقم بشرية محترفة في مجال العمل الخيري، إضافةً إلى نشر ثقافة التطوع وفعل الخير. كما يمكن تحديد جمعية واحدة (من بين هذا العدد الكبير من الجمعيات وخصوصاً التخصصية منها)، كقائدة لكل عمل خيري تخصصي وعدد من الجمعيات التخصصية الأخرى كمشاركين في الإدارة.

وأخيراً فإن مشروع إشهار إتحاد جمعيات البحرين الخيرية الذي ظلّ يراوح مكانه منذ سنوات، وحان الوقت للموافقة عليه من جانب الوزارة، سيكون بمثابة المظلّة التي تحوي هذه الجمعيات لتوحّد عملها الفردي حالياً، وتنظمه لبلوغ مزيد من التكامل والإنسجام. فهل من ناصر ينصر هذه الجمعيات ويدعم جهودها الخيرية الخيّرة؟

إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"

العدد 4600 - السبت 11 أبريل 2015م الموافق 21 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:30 ص

      شكرا لك

      البحرين تمتلك طاقات كبيرة في مجال الخيري .. وما أ.حسين مدن الا واحد منها.... عني اعتبره مناضل وسباق في مجال الخير.
      عمل الجمعيات الخيريه والاجتماعية في البحرين أكثر فعالية وأداء من وزارة التنمية الاجتماعية والتي اصبحت تحكمهم بالقوانين الضيقه حتى في جمعهم الصدقات داخل مساجد قراهم وهذا مثال يضيق العمل الخيري الذي قامت على اساسه الجمعيات الخيرية.
      والأهم انها من ساعدت على تقليص تفاقم الفقر في البحرين.
      شكراً لكم وشكر خاص الى أ.حسين مدن

    • زائر 4 | 2:15 ص

      مقال جميل

      الافكار النيرة تأتي دائما من الشباب المثقفين و الواعين الذين اثرو ان يضيفو شيء لهذا الوطن!
      محمود الموسوي

    • زائر 3 | 12:47 ص

      كفاءات يشهد لها الوطن

      الكلام الحلو والوردي الذي سمعته انا كممثل لإحدى الجمعيات الخيرية من الوزيرة فائقة الصالح كان جيداً حين قالت إن الوزارة لا تستطيع عمل اي شيء بدون الجمعيات الخيرية في البلاد وما يحدث الآن من عراقيل وتعقيدات لا تصب في صالح الأعمال الخيرية بالرغم من وجود كفاءات طيبة كاتب هذا المقال وغيره، لذا يتوجب على الوزارة التعاون والتنسيق معهم كي تصل إلى العمل الخيري المنشود بأكمل وجه لا ان نصدر كل يوم قانون يجعل أفراد المجتمع ممن يعمل أو يرغب في ذلك الهرب.

    • زائر 2 | 11:49 م

      صرخة في وجه وزارة خلق التعقيد والتقييد وقتل الإحسان

      مقال جدير بالدراسة يا وزارة التنمية والتسلط والتقييد والتعقيد

    • زائر 1 | 11:20 م

      اقرأ المقال

      مقال قاسم حسين اليوم في هذه الجريدة لتعرف الرد على طرحكم اخي الكريم حسين مدن. الوزارة هي المشكلة الكبرى وهي سياسة حكومة لن تتغير.

اقرأ ايضاً