العدد 4617 - الثلثاء 28 أبريل 2015م الموافق 09 رجب 1436هـ

فقدان معنى الحياة... المرأة مثالاً

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

المجتمع الذي يفقد معنى الوجود، يفقد معنى الحياة، ويحرم من رؤية الحقيقة، فيصبح الفرد فيه أعور يرى البشاعة ولا يرى الجمال، يرى القبح ولا يرى الحسن... وهذه نتيجة حتمية لـ «التدمير الروحي» للمجتمع.

ما هو التدمير الروحي؟ هو تدمير عالم المعنى. فالإنسان يعيش في ثلاثة عوالم متداخلة، وهي العالم المادي، والعالم العقلي «الذهني»، وعالم المعنى «الروحي».

العالم المادي هو كل ما له وجود مادي ويمكن أن نلمسه بأيدينا أو نراه بأعيننا، مثلاًً عندما نقول «قلم»، القلم له وجود، أو نقول «حجر»، الحجر له وجود ويمكن أن نلمسه بأيدينا. ولكن عندما نقول «الفضيلة»، هل الفضيلة لها جسد مادي، هل تراها بعينك أو تلمسها بيديك كما تلمس الحجر؟ فالفضيلة ليست من عالم المادة.

أما العالم العقلي، هو كلّ ما يتصوره الإنسان بعقله وينظمه العقل، مثلاً سائق السيارة لماذا يتوقف عندما تكون الإشارة حمراء؟ هل الإشارة لها قدرة على إيقاف السيارة؟ لا، الإشارة الحمراء ليست صخرةً في وسط الطريق تمنع السيارة من السير، وإنما عقل السائق تم برمجته، عندما يرى الضوء الأحمر يتوقف، يتوقف نتيجة لعملية عقلية، فالضوء الأحمر والأخضر لإشارة المرور هي رموز من العالم العقلي.

بينما العالم الروحي عالم خفي، كالهواء نتنفسه ولا نراه، مثلاً الفضيلة والحب والقيم العليا والأخلاق، هي من عالم المعنى، وهذا العالم لا يدرك إلا بالتأمل، فجوهره وحقيقته لا يمكن كتابتها أو نطقها، وكل ما يكتب وينطق مجرد خيوط تساعد الإنسان لفهم عالم المعنى.

وكل عالم من العوالم يساعد الإنسان على فهم العوالم الأخرى، مثلاً «الحساب البنكي» من العالم العقلي، وحتى نوصل الفهم للطفل، نشبه «الحساب البنكي»، بـشيء من العالم المادي كـ «الصندوق» الذي تضع فيه أموالك. والتشبيه أقوى أداة لتقريب الفهم بين العوالم. وكثير من المجتمعات تقوقعت في العالم المادي والعالم العقلي، ودمّرت عالم المعنى وبذلك فقدت السعادة وطعم الحياة.

ومن أبرز مظاهر تدمير عالم المعنى، هو إهلاك المرأة باختزال عالم المعنى في جسدها. فمثلاُ «الحب» من عالم المعنى، في هذه المجتمعات اختزلوا الحب في جسد المرأة والغريزة الجنسية، كذلك «الشرف» تم اختزاله في جسد المرأة، وكذلك الأخلاق تم اختزالها في جسد المرأة وملابسها.

من غير المعقول أن تختزل أعظم ما في العالم المعنوي كالحب والشرف والأخلاق في جسد المرأة والغريزة الجنسية، فهذا هو التدمير الروحي بعينه، والضياع المبين.

عندما يقول شخص لأصدقائه «أنا أحب»، يتبادر لأذهانهم أنه يحب فتاة وستكون النهاية ارتباطاً جنسياً، وهذا فهم خاطئ للحب، فالحب ليس جسد المرأة وليس الغريزة الجنسية. الحب معنى واسع كحب الله، حب الأم، حب الأب، حب الزوجة والأولاد... إلخ، الحب كما يقول الحكماء لا يمكن تفسيره ولكنه يفسّر كل شيء.

وهناك فرق بين أن يكون الجنس تجلياً من تجليات الغريزة، وبين أن يكون الجنس تجلياً من تجليات الحب، فالأولى غريزة من العالم المادي، والثانية من العالم المعنوي.

أما فيما يتعلق بالشرف، فالشرف أيضاً ليس جسد المرأة، فمثلاً الشخص عندما يتفوه بالكذب فهو في هذه الحالة غير شريف، وعندما يقول الصدق فهو شريف، وعندما يظلم فهو غير شريف، وعندما يعدل فهو شريف، كذلك بالنسبة للعلاقة الجنسية كانت بطريقة شريفة أو بطريقة غير شريفة، لكن الجنس في حد ذاته ليس هو «الشرف».

وبالنسبة للأخلاق، عندما كنا صغاراً، كنا نعتبر أن الغرب يعيش انحطاطاً أخلاقياً فظيعاً، فمجرد أن نشاهد في التلفاز امرأة غربية مع رجل، نقول: «شوف الفساد والانحطاط الأخلاقي»، وربما يكون زوجاً مع زوجته جالسين في مطعم، ونحن نحكم عليهم من خلال الملابس. والآن بعد أن كبرنا، فهمنا أنه لا علاقة بين جسد المرأة والأخلاق، ولا علاقة بين ملابس المرأة والأخلاق، فجسد المرأة من العالم المادي كما هو جسد الرجل، بينما الأخلاق من العالم المعنوي والروحي.

ونتيجة تدمير العالم الروحي واختزال أعظم ما فيه في جسد المرأة والغريزة الجنسية، أدّى إلى تحميل المرأة ما لا تحتمل، وتحطيم روحها إلى درجة فقدان معنى الوجود، وبالتالي فقدان المجتمع طعم الحياة والسعادة. وأصبح المجتمع أعور لا يرى في المرأة إلا القبح ويصفها بأسوأ الصفات، والمشكلة ليست في المرأة ولكن في المجتمع الأعور الذي يرى القبح ولا يرى الجمال.

وأعظم عقاب يعيشه المجتمع الذي يدمّر عالم المعنى، هو حرمانه من رؤية جمال الحياة، وفقدان طعم الحياة والسعادة. ولن يعيش المجتمع السعادة في أبهى صورها إلا عندما يعيد بناء العالم المعنوي، ويعطي المرأة حقوقها الفطرية.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4617 - الثلثاء 28 أبريل 2015م الموافق 09 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 10:46 ص

      يوسف الحبسي

      مقال رائع أستاذ عباس .. ومبدع

    • زائر 7 | 8:04 ص

      تعجز الكلمات

      لن اعلق سوى بـ: احسنت، احسنت، احسنت

    • زائر 4 | 4:44 ص

      وينك يا رجل؟

      طولة الغيبة يا الحبيب!!

    • زائر 3 | 3:53 ص

      مقال رائع

      نحن الشعوب الدول الثالث فعلا استاذ نحتاج لنعيش عدة سنوات في الغرب لنتعلم منهم اشياء كثيره كثيره جدا لا يعد ولا يحصى وان نرتقي مثلهم سواء في مدارسنا او في بيوتنا او مجتمعنا مع احترامي للجميع العرب والمسلمين

    • زائر 6 زائر 3 | 5:06 ص

      زائر

      لسنا بحاجه لان نأخذ من الغرب لو طبقنا الاسلام بالشكل الصحيح لتفوقنا علي الغرب
      اصلاً الغرب انما تفوق لانه اخذ من مبادئ الاسلام
      لدينا اكبر ثروه وهو الاسلام فلنستفيد منه

    • زائر 2 | 2:16 ص

      فقدت المرأة معنى الحياة عندما فسروا لها الحرية بالتجرد عن ذاتها لتكون مجرد جسد

      فعلاً المراة فقدت معنى الحياة بعدما زرعوا في مخيلتها أن تهتم بجمالها الظاهري فأصبحت النساء جميعهم متشابهات ونسوا أسمى انواع الجمال بعقلها وشرفها وعفتها وهذه الاشياء لا ترتبط بالجسد بل بالروح والنفس والاخلاق

    • زائر 1 | 11:29 م

      شكرًا استاذ عباس على المشاركة الانسانية مع المرأة

      ذكرني مقالك عن المرأة بأحد روايات ديستوفسكي ووصفه للإحساس بالمهانة ، والتقاطه ذلك الإحساس احيانا من عيون الكلب الجالس بسكون بجانب قدمي البطل ، انها المرأة الذي تروج اصحاب العقول العفنه تحت العمائم بأنها نصف إنسان بأنها عورة بأنها شئ يمكن شراء أشياء مثلها في وقت واحد ...و بمنعها من ان تتنفس إنسانيتها

اقرأ ايضاً