العدد 4622 - الأحد 03 مايو 2015م الموافق 14 رجب 1436هـ

دعوا الصحافة تزهر

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

لكل مهنة متاعبها ومشاغلها وثمارها، كما لها أشواكها التي لابد وأن تُحْصَد كلما أراد صاحبها قطف زهرة منها. والصحافة واحدةٌ من هذه المهن، التي ربما بدا شوكها واضحاً، مسنوناً أكثر من أي وقت مضى في الدول العربية منذ العام 2011.

أن تكون صحافياً، يعني أن تكون قادراً على تحمّل شتائم زملائك قبل غيرهم كلما غلب عليك صدقك، وأسرفت في أمانتك، كما يميلها عليك ضميرك. يعني أن تكون قادراً على تحمّل عبارات التخوين والتسقيط والسب والتشهير حين تحاول - محاولةً فقط - أن تكشف فساداً ما في جهةٍ حكوميةٍ يجب ألا تنشر غسيلها.

أن تكون صحافياً يعني أن تكون لك القدرة على تحمّل غضب المسئولين عليك كلّما باغتّهم بفضيحةٍ كانوا يريدون لها الستر. وأن تكون قادراً على تمرير أذىً يطالك وباباً يغلق في وجهك وعشرات العثرات التي توضع أمامك حين ترغب في الوصول إلى حقيقةٍ لا يُراد لك الوصول إليها.

أن تكون صحافياً يعني أن تكون قادراً على النظر إلى كل شيءٍ بعينٍ مختلفةٍ. عينٌ تدقّق وتكشف وتحلّل وتبحث في ما وراء الظاهر كي تستطيع أن تكتب وتنشر وتوصل معلومةٍ ما.

وأن تكون صحافياً يعني أن تكون لك قدرةٌ على سماع تصريحات المسئولين حول حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، والتسهيلات المقدّمة لكل صحافي للوصول للمعلومة، والمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأنت مبتسمٌ من غير أن تتكلم حين تعرف أن كلامك هذا سيأخذك إلى رحلة «خلف الشمس»، أو أن تتكلم مع علمك بما ينتظرك لأنك قرّرتَ أن تكون صحافياً قبل أن تكون بشراً يخاف الخطر.

كل ما كتب أعلاه ليس خيالاً أو مبالغة، وكل العاملين في المجال الصحافي يعرفونه جيداً وجرّبوا يوماً غضب مسئولٍ مع اختلاف نوع التعبير عن هذا الغضب ومع اختلاف مركز هذا المسئول، وكل ذلك يعرفه القرّاء أيضاً خصوصاً في الدول التي تعاني فساداً حقيقياً، وتلك التي تعاني ثوراتٍ داخليةً، أو اضطراباتٍ سياسيةً أو رغبةً في التغيير الحقيقي.

الخطر يحوم حول الصحافي في كل مكان، خصوصاً ذاك الذي يسعى إلى معرفة الحقيقة وإيصالها للجمهور، لا ذلك الذي يجلس خلف كرسيه بانتظار التصريحات الصحافية التي ترسلها أقسام العلاقات العامة في هذه الجهة أو تلك، وما تصريح الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون في كلمته المشتركة بخصوص اليوم العالمي لحرية الصحافة إلا دليلاً على هذا الخطر حين قال: «وقد شهد العالم مؤخراً اعتداءات مروّعة على الصحافيين إذ يقتل في مناطق النزاع والمناطق الخالية من النزاع صحافيٌّ واحدٌ على الأقل في كل أسبوع»، إلا تأكيداً على هذا الخطر إذا ما تجاهلنا الاعتقال والتعذيب والفصل والشتم وتشويه السمعة وغيرها من الاعتداءات الأخرى التي طالت كثيرين ممن يعملون في هذا المجال.

أن تكون صحافياً يعني أن تنتظر اليوم الذي يرتفع فيه سقف الحرية الصحافية في دولتك، ويرتفع فيه صوتك مشيراً إلى موضع الخلل من غير أن تنتظر «رحلةً ما» لا ترغب بها لأنك تكلّمت عن ما يجب السكوت عنه.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4622 - الأحد 03 مايو 2015م الموافق 14 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً