العدد 4624 - الثلثاء 05 مايو 2015م الموافق 16 رجب 1436هـ

ملتقى الاسكندرية... رؤية إسلامية معاصرة لقضايا المرأة

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لاجتراح رؤى اجتهادية جديدة تنصف المرأة من منظور إسلامي وتدعم المساواة بين الجنسين وتجسرُ الفجوة بين الخطاب المعرفي النسوي والخطاب الإسلامي المعاصر، كما ترفض تسييس واستغلال قضاياها في الصراع السياسي واختزالها في الوظائف الجسدية والأسرية، لأجل كل ذلك، ناقش المجتمعون في ملتقى شبكة «شقائق» الأول بعنوان «النساء والمجال العام: رؤية إسلامية معاصرة»، مفاهيم نظرية وتجارب تتعلق بقضايا المرأة التي طرحتها باحثات نسويات وعلماء شريعة وناشطات من مؤسسات المجتمع المدني، وذلك في الفترة من 27-29 أبريل/ نيسان 2015 في مصر، حيث عقد هذا الملتقى بشراكةٍ بين المعهد السويدي بالإسكندرية ومركز نون لقضايا المرأة والأسرة ومكتبة الإسكندرية ومؤسسة مدى.

اهتمت الورقة البحثية لأستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة الزيتونة منجية السوايحي، برصد قضية العنف ضد المرأة التونسية، فصنّفت العنف إلى ثلاثة أنواع، هي العنف الأسري وأبرز تجلياته «زواج القاصرات»؛ والعنف المجتمعي وأبرز أشكاله التحرش بالأنثى في المجال العام وتقديم صورة نمطية لها في وسائل الإعلام؛ والعنف الثقافي وليد الثقافة الدينية والاجتماعية السائدة، ويتفرع عنها نوعان آخران هما: العنف القانوني بمعنى عدم المساواة القانونية بين الجنسين، والعنف الاقتصادي.

وأرجعت الباحثة أبرز أسباب شيوع ثقافة العنف إلى تقاعس بعض الحكومات عن توفير الحماية القانونية للمرأة، وغياب الإحصاءات الصحيحة عن أعداد المعنفات، وخلصت إلى إن انتشار التعليم بين التونسيات يعدّ سبباً رئيسياً للحيلولة دون وقوع العنف ضدهن، كما قدّمت قراءةً في النصوص القانونية والدستورية التونسية التي كرّست مبدأ المساواة وإحصاءات وبيانات خاصة بأوضاع العنف ضد النساء.

وقدّمت أمل فهمي من «مركز تدوين لأبحاث المرأة» بالقاهرة ورقة عن «التحرش الجنسي في الشارع المصري وتشكيل ثقافة الصمت»، وركّزت على نتائج دراسةٍ للمركز بعنوان «خريطة التحرش في العام 2014»، حيث بحثت في فرضية تأثير خطابات وممارسات أجهزة الدولة، ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية في تشكيل تصورات واتجاهات الأفراد نحو حوادث العنف ضد المرأة، خصوصاً التحرش الجنسي في المجال العام. وخلصت إلى أن تواطؤ الخطاب المؤسسي أدّى إلى ظهور رسائل تبريرية لتبرئة المتحرّش ولوم من وقع عليهن التحرش، ما يشكّل عائقاً أمام المجتمع المدني والمبادرات المختلفة لإيجاد حلولٍ لهذه المشكلة. كما رصدت الدراسة ردود فعل المارة عند مشاهدة حالات التحرش الجنسي باعتباره مؤشراً يعكس مستوى تقبل المجتمع وتسامحه مع الظاهرة.

أستاذ كلية الشريعة بالجامعة الأردنية جميلة الرفاعي ناقشت مفهوم الاختلاط وحكمه من منظور القرآن والسنة ووجوده على مستوى علاقة الرجل بالمرأة، ومفهومه وأقسامه عند الأمم. وعزّزت طرحها بأقوال متعددة لفقهاء المذاهب السنية الأربعة القدامى والمحدثين في حكم الاختلاط.

أما بشأن تجربة المغرب في مفهوم المناصفة، فقد تناولت حكيمة حطري من كلية الشريعة بجامعة القرويين، تأصيل فكرة وجود المرأة في المجال العام الإسلامي قديماً وحديثاً، وركّزت على نماذج لمظاهر هذا الحضور في العهد النبوي ومسألة البيعة باعتبارها المشاركة الأبرز. كما تطرقت لوجود النساء في المجال العام في الأزمنة المعاصرة، ومعاناتهن التي يتسبب فيها «التقسيم» في الخطاب الديني العمومي، وبما يفسحه من فرصٍ لإقصاء المرأة من الشراكة في الحياة العامة وتكريس لدونيتها وبعبارات غير لائقة، ما يمثل برأيها إعادة إنتاج للخطاب الجاهلي وبصيغ ومفردات دينية.

وحول شغل المرأة المغربية للمناصب العليا في المؤسسات الدينية وجدت الباحثة بـ «الرابطة المحمدية للعلماء» نادية الشرقاوي، أن المبادرة الدينية الرسمية لإشراك النساء في المجال الديني تشكّلت بتمثيلهن بنسبة 25% في الهيئة التعليمية لـ «مؤسسة دار الحديث الحسينية»، وثلاث عالمات في «المجلس الأعلى» الذي يمثل أعلى هيئة علمية دينية، فضلاً عن 11 عالمة من أصل 70 في «الرابطة المحمدية للعلماء»، إلا إنها خلصت إلى أن تواجد المغربيات في هذه المناصب يسير بخطى بطيئة.

الأزهرية مريم أمين، تناولت «تمكين النساء» بمؤسسة الأزهر، وأشارت إلى صدور القانون 103 لعام 1961، حيث أنشِئت فروعٌ للإناث، وتخرّجت أعداد كبيرة من الأستاذات العالمات المتمكنات من العلم الشرعي، إلا إنهن يواجهن تحديات تتعلق بالموروث الثقافي الذي لا يتقبل فكرة وجود عالمات قادرات على إنتاج المعرفة الدينية، فضلاً عن الدعاوى الدينية المحافظة داخل الأزهر نفسه والتي تحول دون إدماج النساء في المؤسسات الدينية مثل «مجمع البحوث الإسلامية» و»المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية»، إضافة إلى النظرة الذاتية للمرأة وعدم ممارستها لحقها في الاجتهاد والإسهام الفعلي في الحياة الفكرية الدينية.

رئيس «مؤسسة مسيحيون من أجل مساواة إنجيلية» ميمي حداد، اهتمت في ورقتها بتطور النسوية الدينية في الغرب، وعرضت فكرة إطلاق بيان «الرجال والنساء والمساواة الإنجيلية»، كما تتبعت نشأة وتطور الدراسات النسوية المسيحية المعنية بتقديم قراءات للكتاب المقدس، وعقدت مقارنةً بين رؤية العالم من منظور بطريركي وآخر من منظور المساواة الجندرية الإنجيلية مبيّنةً الفوارق الجوهرية بين الرؤيتين.

في مسألة الحجاب تطرقت أماني صالح من جامعة القاهرة، لمفهومين قرآنيين حول «الحجاب» و»القرار»، اللذين وردا ضمن آيات الحجاب، وهما برأيها مفهومان رئيسان يستند إليهما الخطاب الإسلامي المحافظ لعزل النساء عن المجال العام. كما عرّفت مفهوم المجال العام وفقاً للأدبيات الغربية وتحديد عناصره الأساسية، وحللت نقدياً «الخطاب الفقهي التراثي» الذي يستضعف المرأة باسم الدين، وكذا «الخطاب الأيديولوجي المعاصر» من حيث السياق وبنية الخطاب، وقدّمت رؤية نسوية إسلامية لقضية دور المرأة في المجال العام بالتركيز على آيات الحجاب.

من جامعة القاهرة أيضاً، ناقشت أميمة أبو بكر التشكل التاريخي والثقافي لمفهومي العام والخاص، واعتبرت أن تقسيم الحياة إلى حيّزين أو مجالين –خارج وداخل المنزل- يعد تقسيماً صارماً خصوصاً وقد تحوّل هذا التقسيم إلى ما يشبه الاعتناق الايدولوجي، كما أن تحديد رموز واختصاصات كل دائرة يعد ظاهرة حديثة برزت منذ بدايات الثورة الصناعية في أوروبا، التي عظّمت من التباعد والتناقض في المجال الأسري وأدت إلى تشكيل نظام اجتماعي محدّد تُمثل فيه المرأة المجال الداخلي (المنزل)، وهو بمثابة وعاء يحفظ منظومة القيم التقليدية كما يحافظ على نقائه بعيداً عن التلوث الأخلاقي والمادية والتنافسية المرتبطة بتعاملات السوق والعمل. ولكي يستمر هذا النقاء «الداخلي» ويؤدي وظيفته لتخفيف حدة العالم الخارجي، استلزم عزله وحمايته وتقرير أن النساء القائمات به لا يفترض انخراطهن في المجال العام، وإلا فقدن هذا النقاء والسمو الذي يشكّل الحصن الأخير للمجتمع الصناعي، وهذا حسب نظرها أدّى إلى تحجيم دور النساء في المجال العام.

الخلاصة، لم يكن المرور على التفسيرات والموضوعات السابقة في مناقشات الملتقى يسيراً، وهذا أمر طبيعي خصوصاً أن سعي المجتمعين تركّز على تجديد الخطاب الإسلامي تجاه المرأة وقضاياها، وتقديم رؤية نقدية للخطاب السائد. كان سقف الطموح ولايزال عالياً عند تكرار تبني منهج حواري لا إقصائي، وخطاب تبادلي يستلهم قيم المجتمع ويمثل مشاكل أفراده الحقيقية والتحرر من الخطاب الأبوي والانتقال به من صفته الأيدلوجية إلى المعلوماتية المتحيزة للمرأة. ولاشك أن هذا الأمر يضع الكل أمام تحديات عميقة، ليس أقلها، تحوّل الطرح النظري إلى فعل عملي يمهّد في حدّه الأدنى لخلق أرضية صلبة لهذا الحوار ومرونة التواصل مع الحراك العالمي المتعلق بحقوق النساء وإنصافهن، وتحديد المفاهيم التجديدية ومقاربتها بقضايا المساواة وبنود اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز والعنف ضد المرأة وخلافه.

إن تجاوز التحديات تعكسه القدرة على مواءمة «إعلان الإسكندرية» الذي انتهى إليه المجتمعين في الملتقى، وهو الذي يعد منصةً لانطلاق حركة التجديد.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4624 - الثلثاء 05 مايو 2015م الموافق 16 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:09 ص

      في زحمة المجادلات

      يقع على عاتق المفكرين الإسلامي مسؤولية فهم النص الديني؛ إذ أن عملية التطور الفكري استمرارية لا حد لها، من هنا تتضح حاجتنا لضرورة مراجعة النصوص الدينية المتعلقة بالمرأة؛ لفهمها، و الوصول للرؤية الإسلامية الحقيقية.
      لا أن نسعى لتفصيل الخطاب الديني على قياس معاهدات و وثائق الأمم المتحدة، فوثيقة الجندرية ليست كتاب منزل! بل نتاج فكري بشري ، قابل للدراسة و بالتالي الطعن فيه، أو قبول بعضه، أو تطويره.

اقرأ ايضاً