العدد 4625 - الأربعاء 06 مايو 2015م الموافق 17 رجب 1436هـ

ضحايا الأزمة الثانية في سورية... ليسوا قتلى ولا جرحى ولا لاجئين

في الحرب يزدهر كل شيء ما خلا الأمن. وعندما يغيب الأمن، تبرز إلى السطح كل المآسي المرتبطة به، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو صحية أو غيرها وإنْ بَدَت مكتومة. نعم... الحرب هي ليست مجرد قتلى أو جرحى أو لاجئين، بل إن دائرة تأثيرها أعمق من ذلك. نحن نرى القتل والجرح واللجوء كونه الصورة الأشد وضوحاً في المشهد، والمرتبطة بالدَّم وأصل البقاء، في حين هناك تداعيات أخرى تتعلق بالفقر والجريمة والأمراض وغيرها من المشاكل، التي يبقى تأثيرها أشد وقعاً كونه بطيء الحركة لكنه متجذِّر لا يزول بسهولة.

«الوسط» تفتح مآسي الداخل السوري، لتسلِّط الضوء على عوارض الأزمة السورية، المندلعة منذ مارس/ آذار 2011م، خارج أرقام الضحايا (قتلى/ جرحى) واللاجئين (في الداخل والخارج).

يعتبر المجتمع السوري، مجتمعاً فتياً جداً. حيث شكَّل اليافعون (15 فما فوق) ما نسبته 39.6 في المئة، والشباب (25 - 40) 21.9 في المئة. وربما زادت هذه النسبة لاعتبارات اقتصادية واجتماعية، طبقاً لفارق سنين الدراسة. وهو ما يعني أنه مجتمع ذو قابليات متوقدة وفوَّارة. كما أن المجتمع السوري هو من المجتمعات غير المتجانسة دينياً وعرقياً، فضلاً عن تقسيماته الطبقية والتعليمية، وهو بذلك يُشكِّل مجموعة صور تجعل منه متعدد الميول والرغبات، فضلاً عن قابليته للانشطار الاجتماعي والديني. وهذا بالتحديد ما جرى في الأزمة التي تعصف به منذ الشهر الثالث من العام 2011م ولغاية الآن.

هذه الأزمة، التي تشكَّلت وفقاً للأرضية الديمغرافية والثقافية والنفسية للمجتمع السوري، قد وجدت طريقها نحو الانفجار والتوسع الأفقي، حيث أثّرت على أشكال حياتية مختلفة للمواطن السوري. وباتت المأساة أكثر من مجرد قتلى وجرحى ومخيمات لجوء.

الفقر

بحسب توصيف الأمم المتحدة، فإن التعريف المعتمد للفقير هو الذي يثبت حرمانه من «الخيارات والفرص المتاحة في مجالات رئيسية كالتعليم، والصحة، وتوليد الدخل والنقص في القدرة الأساسية على المشاركة الفعالة في المجتمع».

وإذا ما رجعنا إلى تصريح نائبة المدير القطْري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في دمشق اليسار شاكر قبل عام ونصف لوكالة الأنباء الفرنسية، فإنها تشير إلى أن «أكثر من نصف سكان سورية البالغ عددهم نحو 23 مليون نسمة هم من الفقراء، بينهم 9.7 ملايين سوري يعيشون على خط الفقر و4.4 ملايين في فقر مدقع». وهو ما يعني أن عدد الفقراء في سورية تضاعف عما كان قبل الحرب.

وربما كان التفسير الاجتماعي والاقتصادي لذلك الارتفاع الجنوني في معدلات الفقر هو ظهور 6.3 ملايين سوري كلاجئين داخليين (زِدْ على هذا العدد نازِحِيْ الحسكة والقنيطرة والقرى الآشورية الذي طرأ مؤخراً) حيث كانت الدائرة الاقتصادية لهؤلاء هي الإنفاق من المخزون المُدَّخر لديهم، وبالتالي تحوّلهم إلى أشبه بالدول التي لا تمتلك صناديق سيادية ولا عملة صعبة. وهو أمر ينطبق أيضاً على الأسر المستضيفة لهؤلاء (مليون ونصف مليون نازح في محافظة طرطوس وحدها)، حيث تقاسمت طاقتها في الإنتاج والإنفاق مع حِمْل جديد أضيفَ عليها في ظل عجز الدولة عن معالجة مسألة النزوح وانشغالها بالقتال ضد قوات المعارضة المسلحة.

وطبقاً لتقرير أصدرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) فإن خسائر الحرب الدائرة في سورية هي 237 مليار دولار بحلول العام 2015م، 17 مليار دولار منها من الناتج المحلي، ما يعني أن 90 في المئة «من الشعب السوري سيكونون فقراء»، وخصوصاً مع «امتداد النزاع المسلّح إلى مناطق واسعة، وازدياد أعداد النازحين داخل البلد وإلى البلاد المجاورة، وتقلّص النشاط الاقتصادي في جميع القطاعات والمناطق، وإغلاق أعداد كبيرة من الشركات وتسريح العاملين فيها»، مع «ارتفاع الأسعار بنسبة 173 في المئة خلال الفترة الممتدة بين 2010م و 2013م» كما جاء.

فانخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بالأسعار الثابتة كان مريعاً، فقد كان في العام 2010م ستين مليار دولار، وفي العام 2011 ستة وخمسين مليار دولار، وفي العام 2012م أربعين مليار دولار، وفي العام 2013م ثلاثة وثلاثين مليار دولار.

الأمراض

أدت الأوضاع الأمنية المتردية، وارتفاع معدلات الفقر، إلى ظهور أمراض عضوية عديدة في المجتمع السوري، بعضها كان قد اضمحل كالأمراض الوبائية، وبعضها لم تعرفه سورية مطلقاً. فعلى سبيل المثال، أصبح مرض اللاشمانيا يُسجِّل انتشاراً كبيراً بين السوريين، حيث سُجِّلت 41 ألف إصابة بالمرض مع حلول منتصف العام 2013م «بسبب التلوّث المستشري وسوء النظافة ورداءة الصرف الصحي، إضافة إلى انتشار القمامة في مناطق واسعة من البلد، ولاسيما في حلب شمال البلاد» بحسب تقرير رسمي. وفي وقت لاحق أعلن أحد مسئولي محافظة دمشق (محمد هيثم الحسيني) بأن التهاب الكبد الوبائي اليرقاني من النوع (أ) قد سجَّل 800 إصابة.

وطبقاً لتقرير الـ (أ ف ب) نقلاً عن مسئول أممي هو كريستيان لندماير، فإن أول ظهور لمرض الدودة الحلزونية قد رُصِدَ في مناطق الغوطة الشرقية القريبة من العاصمة دمشق. وبحسب التقرير فإن هذه الدودة التي تتغذى من اللحم وتهدد الماشية تظهر نتيجة «وضع الذباب بيوضه في الجروح المفتوحة، ثم تتحول البيوض الى يرقات تتغذى من اللحم»، وهو للوهلة الأولى يعطي انطباعاً عن علاقة ذلك بما تخلفه الحرب الدائرة من جرحى وقتلى في الشوارع. كما رَصَدَت منظمات صحية تابعة للأمم المتحدة، «عودة شلل الأطفال إلى شمال سورية، وكذلك حالات من السل والتيفوئيد والجَرَب على مستوى وبائي».

فحالات الحصار على المناطق آخذة في التزايد، وبالتحديد في مددها، الأمر الذي يحرمها من الخدمات المدنية. فعلى سبيل المثال فإن العاصمة نفسها والتي تُحاط بتحصينات قوية لم تعد تحصل إلَّا على ثلث حاجتها من المياه.

أما بخصوص الأمراض القاتلة الأخرى كالسرطان، فقد أدت الحرب إلى أن تتعاظم مأساة هؤلاء، وخصوصاً أن مراكز العلاج الأساسية (مركز الطب النووي ومستشفى البيروني) متواجدة في العاصمة دمشق، أو في مستشفى تشرين في اللاذقية (بعد تدمير مستشفى الكِندي في حلب بسبب القتال) الأمر الذي يعوق حركة المرضى من المحافظات الأخرى، خوفاً من القتل والخطف أو القيود الأمنية، فضلاً عن عجز المراكز العلاجية عن تقديم علاج منتظم بسبب الانقطاعات المتكررة لتيار الطاقة الكهربائية الأمر الذي يعوق «تقديم العلاج الشعاعي» وعلاج «وحدة الكوبالت» كما يشير أحد الأطباء.

الطلاق

من الأعراض الخطيرة للأزمة السورية هي ارتفاع حالات الطلاق لأسباب متعددة مباشرة وغير مباشرة بالأزمة المندلعة في هذا البلد. ففي محافظَتَيْ دمشق وريفها على سبيل المثال تخطت نسبة الطلاق الـ 100 في المئة «بواقع يعادل 100 حالة في اليوم» بحسب المحامي العام الأول في دمشق أحمد البكري قبل عامين. أما في العام 2014م فقد وصل عدد حالات الطلاق في سورية إلى 9 آلاف حالة بمعدل 30 حالة طلاق يومياً، من دون احتساب حالات الطلاق التي تجري في الأرياف والمدن بشكل عرفي.

وقد كان التفسير الاجتماعي الأول لهذا الارتفاع هو الظروف المعيشية الصعبة، وازدياد نسب البطالة إضافة إلى الأمراض. فقد بيَّنت الأرقام وجود 8 آلاف دعوى طلاق في سورية بسبب أمراض جنسية، كان «متوسط أعمار اللواتي طلبن الطلاق لهذا السبب تراوحت بين 20 إلى 30 سنة». وقد توزعت على: دمشق وريفها 2500 حالة، وحلب 200 حالة، وحمص 100 حالة، ودرعا 40 حالة، وحماة 500 حالة، وطرطوس 200 حالة، اللاذقية 400 حالة، ودير الزور 300 حالة، والقنيطرة 100 حالة، وإدلب 250 حالة. وأشارت الأرقام، إلى أنه وفي العام 2013م وحده، وَقَعَت 40 ألف حالة طلاق تعسفي.

كما أن الظروف الصعبة جعلت العائلات السورية تعيش حالة من عدم الاستقرار فيما يخص الثقة المتبادلة (الكذب وسوء المعاملة). ففي فترة سابقة وخلال شهرين، وصلت «حالات الطلاق بسبب مخادعة الزوج للزوجة» زهاء الـ 400 دعوى طلاق. وفي مرات أخرى كانت الأسباب سياسية، حيث يكون الزوج معارضاً والزوجة موالية للنظام أو العكس.

لكن الأخطر في الموضوع هو تراجع حالات الزواج بنسبة 40 في المئة، يقابلها حالات طلاق كثيرة، وهو ما يؤثر على حالة استقرار النمو والتماسك الاجتماعي.

الاستغلال الجنسي

لقد أدى الفقر والمرض والطلاق إلى ظهور شبكة من الاستثمار الأسوَد من قِبَل المتصيِّدين وأصحاب النفوس الذئبيّة. فقد انتشر استغلال البطون الرخوة في المجتمع السوري، فلجأ البعض للاقتران بقاصرات في زواج هدفه ليس بناء أسرة ومستقبل، بقدر ما هو استغلال الضعف الذي تعاني منه العائلات والفتيات السوريات. فقد كشفت إحصائيات شرعية أن هناك مئتي حالة زواج بقاصرات يومياً تجري في سورية، وأن نسبة كبيرة من ذلك الزواج قد تمّ بشكل عرفي. بل هناك مَنْ يُقدِّر الزيجات العرفية التي تحتاج إلى تثبيت بـ 100 حالة يومياً. وقد فسَّر القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود معرواي «ارتفاع حالات زواج القاصرات» نتيجة لسوء المعيشة التي تدفع القاصر لأن «تصر على الزواج من أي شخص بهدف الإنفاق عليها ولو كان عمرها غير مناسب للزواج». وقد وصل الفارق في العمر بين الزوجين في بعض الحالات إلى 67 عاماً.

ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإنه ومنذ مارس 2011م ولغاية وصول عدد اللاجئين السوريين إلى الرقم 1.2 مليون فإن 70 في المئة منهم نساء وأطفال، حيث تسبب ذلك في ظهور حالات لا تُشكِّل نِسَب آحاد فيما خصّ الاستغلال. فقد أشارت التقارير إلى أن الفتيات السوريات «في سن المراهقة يتعرضن لخطر الاستغلال الجنسي تحت ذريعة الزواج» كما جاء، من دون حصول توافق اجتماعي أو وضع قانوني، الأمر الذي يُفضي إلى وقوعهن في وضع انفصال في حياتهم الزوجية، أو حتى إلى تجارة بغائية بحسب تحقيق لمجلة «كريستيان ساينس مونيتر» الأميركية.

وترى العوائل نفسها بلا حول ولا قوة، أمام رغبتها في حماية بناتها من الاستغلال، فتلجأ إلى اتخاذ قرارات لا حيلة لها فيها، وفي أحيان كثيرة من دون علمها إذا ما تعلق الأمر بالعوائل المشتتة. وهو أمر حصل لتلك العوائل حتى قبل نزوحها من سورية، حيث كان الاغتصاب أحد وسائل إرهاب المدنيين في الحرب بحسب مدير منظمة نساء تحت الحصار لورين وولف، وكذلك تقرير للجنة الإنقاذ الدولية، حيث جرت عمليات الاغتصاب داخل السجون السورية بحسب تقرير لمراسلة الـ لو موند الفرنسية في الأردن أنيك كوجون في مارس 2014م، لكن الفرار لم يكن خيار حماية لهن في المخيمات بحسب وولف، فقد كان المصير ذاته ينتظرهن وإن اختلفت أشكالهم.

الجريمة والعنف

كانت الأزمة السورية، وانفجار العنف الناتج عنها مريعاً. فقد بُثَّت صور ثابتة وأخرى متحركة، لقلوب تُؤكل، ورؤوس تُقطع، وبُطون تُبقَر، وأجساد يُهشِّم عظامها الركام. ولم يبقَ شيء من الجريمة إلاَّ وارتُكِب في سورية. وقد أثر كل ذلك على الميول والاتجاهات النفسية للفرد السوري تجاه الجريمة. فقد شَهِدَ العام الثاني من الحرب المستعرة ظهور إحصائيات مخيفة جداً. فقد سُجِّلت دعاوى قتل أطفال (ذكور وإناث) لم يتجاوزوا العام الخامس عشر بواقع سبعين جريمة، ارتُكِبَت على أيدي كبار وأطفال بالسواء.

وخلال بضعة شهور من فترات الأزمة تجاوزت الدعاوى الجنائية الـ 500 دعوى اقتصادية (فقط) لتضاف لآلاف الدعاوى الجنائية الاقتصادية المنظورة أمام المحاكم. وارتفعت معدلات الخطف والسرقة إلى مستويات كثيرة. وقد أفادت مصادر أمنية وقضائية أن مئتي عصابة نشطت في سورية بلغ عدد أفرادها الألف بينهم 150 امرأة، وقامت بأعمال سرقة ونهب وخطف بهدف الفدية. وأصبحت سرقات المنازل تنتشر واستهداف الدراجات النارية عبر قطع سلاسل الأبواب الحديدية.

وقد أفاد رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان في سورية باولو سيرجيو بينيرو بوجود «زيادة كبيرة في معدل الجرائم» التي يرتكبها المسلحون بمشاركة مرتزقة أجانب في شمال سورية» قائلاً بأنه قد توافرت لديه معلومات مجازر بحق سكان سلميين في القرى الواقعة في ضواحي اللاذقية على أيدي مسلحين. وقد أفضى هذا إلى قيام السوريين العاديين وبالتحديد النساء ورجال الأعمال بحمل البخاخات والآلات الحادة والعصي الكهربائية لمواجهة أخطار محتملة في الطرقات.

الأيتام

من الأعراض الخطيرة التي خلفتها الأزمة السورية هي تزايد عدد الأيتام. فإذا ما علمنا عدد قتلى الحرب المستعرة هو 300 ألف قتيل، وأن 30 في المئة منهم متزوجون ولديهم أبناء بمعدل ولديْن فهذا يعني أن 190 ألف يتيم قد أضيفَ على ما هو موجود أصلاً. أما إذا كان الافتراض هو 50 في المئة فإن الرقم سيصبح مهولاً.

وطبقاً لإحصائيات تقديرية نشرتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإنه ومنذ مارس 2011م ولغاية مايو/ أيار 2013م فقدت 82 ألف أسرة معيلها الأب، إضافة إلى فقدان 2300 أسرة لأمهاتها.

أما إحصائيات منظمة اليونسيف فقد كانت مؤلمة، حين كشفت عن أن هناك ثمانية آلاف طفل سوري نزحوا «وحيدين» من دون أب أو أم أو حتى مرافق، من بين مليون طفل نازح باتجاه دول الجوار لغاية فبراير/ شباط 2014م.

وقد أشار أحد مسئولي المحكمة الشرعية في دمشق إلى أن المحكمة «تستقبل يومياً ما بين 1000 إلى 1500 معاملة لقاصرين منهم أيتام وأبناء» من قُتِلوا في الحرب وغيرهم. هذا الأمر ترك آثاراً اجتماعية قاسية على العائلات السورية. حيث بدأ الآلاف من الأطفال الدخول في سوق العمل الشاق بدل الدراسة، بعد أن فقدوا معيلهم، أو أنه لم يعد قادراً على التنقل للعمل في المحافظات الأخرى أو الدول المجاورة كـ لبنان. وقد عرَّض ذلك الآلاف من الأطفال للخطر، حيث وخلال ثلاثة أعوام ونصف من عمر الأزمة، قُتِلَ 17 ألفاً و723 طفلاً في سورية، واختفى أزيد من 1600 طفل وأصيب ما لا يقل عن 280 ألف طفل بحسب تقرير للشبكة. ليس ذلك فحسب، بل أثر ذلك على جوانب أخرى، حيث حُرِمَ 1.3 مليون طفل سوري من التعليم، إمّا لانشغالهم بالعمل أو لكون الظروف الأمنية والاقتصادية لا تساعدهم على ذلك. وهو ما يعني انعكاس ذلك على معدلات الأمية، وبالتالي تزايد معدلات الجريمة في أوساط غير المتعلمين.

وقد أظهرت إحصائيات نقلاً عن مصادر قضائية سورية أن «عدد القاصرين الذين لديهم أموال في القضاء السوري قد يصل إلى ما يقارب مليون قاصر منهم أيتام» وهو ما يدل على تزايد أعداد الأيتام في سورية.

المتخلفون

عقلياً والمعاقون

من الأشياء المحزنة، التي خلفتها الأزمة السورية هو تضرر الفئات المعتمدة بشكل كُلِّي على المُوجِّه، ومن بينها المتخلفون عقلياً والمعاقون. فطبقاً للمعاملات الرسمية، التي تتلقاها الجهات الصحية والقضائية، فإن هناك 3000 معاملة لمجانين ومعتوهين في سورية خلال العام 2014م. وربما كانت أكثر الحالات معاناة هي تلك التي في المناطق الملتهبة، حيث إن هناك 1000 معاملة في العاصمة وريفها، و250 معاملة في حلب و150 معاملة في حمص و100 حالة في درعا و170 معاملة في دير الزور و90 حالة في القنيطرة على سبيل المثال، وهي مناطق تشهد صراعاً شديداً بين الأطراف المتحاربة. وبحسب قاضي دمشق فإن معاملات المجانين والمعتوهين «ارتفعت مقارنة بالأعوام الماضية».

أما فيما خص الإعاقات الجسدية، فإنه وطبقاً لتقديرات مؤسسات دولية فإن هناك «أكثر من 270 ألف حالة إعاقة دائمة بين السوريين» تتوزع عن فقدان أطراف (رجل/ يد وغيرها) إضافة إلى التشوهات الخلقية والشلل الدماغي. وإذا ما استُحضرت تلك الأرقام فيجب أن تُستَحضَر معها الحياة الخاصة بهم من حيث توفير وسائل نقل محددة وأرصفة ومصاعد كهربائية وغيرها. كما أن مثل هذه الفئات تحتاج إلى ظروف اجتماعية خاصة، تتعلق بالرعاية والمستقبل، سواء من حيث التعليم أو الزواج أو غيره.

وإذا ما قدرنا أن هذه الفئات هي فاقدة للأهلية وإدارة شئونها فيما خص المعاملات المصرفية وغيرها فإن المأساة يمكن رؤيتها بشكل خطير.

الآثار

من أكثر أضرار الأزمة في سورية بؤساً هي تعرض الآثار النفيسة فيها للهدم والتخريب والسرقة. فأغلب المواقع الأثرية على الأرض السورية تضررت. وتمثل سورية أحد أهم الكنوز التاريخية الأثرية، إذْ تضم زهاء الأربعة آلاف موقع أثري، ستة منها مُدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

وطبقاً للتقارير المحلية والأممية فإن آثار المنطقة الشرقية التي تعرضت للتخريب حيث دير الزور والحسكة والرقة هي 104 من المواقع الأثرية. فقد وقع انفجار في متحف الرقة أدى إلى تضرره، وحُفِرَ في تل الباردة وتل أبوحمزة بريف الحسكة بطريقة غير شرعية، وتعرض موضع دورا اوروبس بدير الزور لعمليات تنقيب سري، ربما بهدف بسرقته، ثم دُمِّر محيطه الأثري. وفي شمال سورية، تعرض 39 موقعاً أثرياً في حلب وإدلب إلى خطر داهم. فسوق السويقة وجامع السلطانية في حلب القديمة تعرضا لأضرار هائلة، كما سُرِقَ ما سُرِق في قلعة سمعان بالريف الحلبي، وفُجِّرت الفجوات الواقعة بين آجام الأشجار داخل الموقع، ودُمِّر عشرون ضريحاً. بل إن المدير العام للآثار والمتاحف في سورية مأمون عبدالكريم قد أشار إلى أن 750 موقعاً ومبنى أثرياً تعرض للتخريب في حلب.

وفي إدلب حُطِّمت أعمدة الكنيسة الأثرية بموقع الفاسوق، وكذلك أعمدة الدير الاثري في موقع البارة، وتضررت جدران قلعة حارم. وفي ريف حمص دُمِّرت تسعة مواقع أثرية في «تل الطيبة وقصر الحير الشرقي والمدافن الأثرية البيزنطية، والمدافن الغربية والشرقية، والشارع الطويل، ومتحف التقاليد الشعبية» كما جاء.

وفي جنوب سورية، تلاعب السُّراق بـ 15 موقعاً أثرياً كـ «قلعة تل شهاب وازرع وخربة كوكب» في ريف درعا. وقد سُرِقَت قطع ثمينة «من السرير الجنائزي في مدفن طيبول. كما تم تسجيل سرقة خمسة عشر متحفاً، بينها تمثال الإله أرامي البرونزي «المطلي بالذهب من متحف حماه، وقطعة حجرية رخامية من متحف أفاميا» كما دُمِّرت أجزاءٌ من مقبرة تدمر، وآثار زنوبيا كما جاء. وكان ذلك كله يحصل لتمويل عمل المعارضة المسلحة، كما ذكرت التقارير.

ويعتقد خبراء علم الاجتماع، بأن التلف والتخريب وسرقة الآثار يُفقد سورية عنواناً عاماً وجامعاً للهوية، ويفقدها نشوء مواطنة تتسع لتسعة عشر طائفة وإثنية تعيش على الأرض السورية. كما أن وقوع مثل تلك الآثار بيد جماعات ذات توجهات دينية متطرفة يجعلها في خطر التحطيم وليس التهريب فقط.

الخاتمة

تلك الأعراض هي ليست جانبية للأزمة السورية، بل هي في حد ذاتها أزمة كاملة الأركان حتى ولو لم نشاهدها بشكل جلي كما نشاهد القتلى والجرحى والمشردين في بلد بات وكأنه سفينة تبحث عن شاطئ من دون جدوى. فسورية لم تعد سورية التي عرفها الجميع، ولن (للتأبيد) تعود. لسنا متشائمين لكننا أيضاً لسنا واهمين. فالبلد، نَعَقَ فيها غراب أسوَد، واعتدى الذئب على الحمل، وما جرى وسيجري هو صدى للأزمة الأولى. وإنْ كان هناك من حلّ فهو تدارك ما بقي في ذلك البلد من لحم.

العدد 4625 - الأربعاء 06 مايو 2015م الموافق 17 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 8:27 م

      الله يحميك

      ربي يحميك يا بشار والله ينصر الجيش العربي السوري.

    • زائر 6 | 6:37 ص

      محرقي بحريني

      لايوجد نظام أجرامي على وجة الارض نكل واستباح شعبة لاكثر من 5 عقود مثل نظام الاسدي الاجرامي الذي ضحى بشعب كامل في مقابل أن تبقى عائلة آل الاسد في السلطة
      لوقبل المجرم بشار بنقل السلطة بعد أن توسخت أيدي نظامه بكل أنواع الفساد والاجرام لانتهت الازمة السورية ولكن هذا السفاح لايقبل أن يتنازل الا بعد أن تصبح سوريا بلا بشر أو شجر

    • زائر 5 | 4:44 ص

      يارب

      اللهم اهلك بشار الاسد ومن عانه

    • زائر 9 زائر 5 | 9:20 ص

      يا رب الارباب

      اهلك التكفيريين ونهجهم و انزل الرحمه على سوريا العربية..

    • زائر 4 | 4:36 ص

      متابع

      مقال مؤلم
      من راقب الناس مات هما
      يحتاج الانسان إلى فسحة يعطيها لنفسه بين الحين و الآخر يبتعد فيها عن مثل هذا الأجواء ، ففي الأخير هكذا وضع الأرض منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا هذا ، دائما هتاك حروب و صراعات وضحايا أبرياء .
      و لا ننسى أنه ورغم ذلك هناك بسمات و طرائف و أفراح و منوعات يعج بها العالم حولنا ، فليست الأرض كلها ظلم و شقاء كما يقول البعض .
      هناك أشياء جميلة في العالم تستحق المتابعة تعطي سرورا للنفس و أملا للمستقبل
      وشكرا للأستاذ محمد

    • زائر 3 | 3:37 ص

      الله

      الله يحفظ سوريا الحبيبه ويجمع شملهم ويهلك عدوهم بحق محمدوآله الاطهار

    • زائر 2 | 3:30 ص

      تعسا لقرن الشيطان

      يجب أن يزول قرن الشيطان من الوجود

اقرأ ايضاً