بدأت إطلالة فصل الصيف وحرارته المعهودة تطل علينا، وإن تباين دخول هذا الفصل المناخي من السنة من تقويم وحسابات فلكية بين جهة وأخرى، فعندنا مقياس آخر يمكن اللجوء إليه وهو، في تقديري، ذا مصداقية أهم وأكبر وهو البوصلة البيولوجية الإلهية التي أبدعتها المقدرة الإلهية في جسم الإنسان وأجهزته المختلفة.

مهنياً وطبياً وعلمياً، لدينا في مجال الرعاية الصحية، الطارئة والمستعجلة، متى ما باشرنا علاج أعراض مرضية عامة يكون أحد مسبباتها التعرض إلى درجات الحرارة بشكل عام في أماكن العمل أو التسوق أو غيرهما ندق ناقوس الانتباه والحذر من التعرض المستمر لظروف بيئية ذات درجات حرارة مرتفعة وما قد ينتج عنها من حالات الإنهاك أو الصدمة العصبية الحرارية.

إنه من الممكن ومن أحد الثوابت العلمية أن نذهب إلى اتخاذ ظهور أعراض الإنهاك الحراري لدى كبار السن والأطفال من دوران وقيء وارتفاع درجة حرارة الجسم والتشنجات العضلية الناتجة عن العمل في الأجواء الحارة وحالات الإغماء المصاحبة لها، من الممكن اتخاذ أي منها مؤشراً لأخذ الاحتياطات اللازمة للتقليل قدر الإمكان من التعرض الغير لازم إلى درجات حرارة عالية من بيئتنا المحيطة، ولاسيما أولئك العمال الذين تتطلب طبيعة عملهم التعرض المباشر لأشعة الشمس في فترات الظهيرة مثل عمال الطرقات أو أولئك الذين يعملون في بيئات حارة مثل مصاهر الألمنيوم وعمال المخابز الشعبية (الخبابيز).

لقد أشرت إلى مجموعتين من الفئات العمرية اللتين أقرب ما تكونان إلى التأثر المباشر من جراء ارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة وهما فئة كبار السن والأطفال وهو ما يستوجب معه اتباعهم لمجموعة من الاحتياطات الوقائية درءاً للعواقب الوخيمة عليهم صحياً ووظيفياً ومن تلك الوقائيات، شرب كمية كافية من الماء وتجنب الأماكن الحارة وأخذ قسط كافٍ من الراحة والالتزام بالعلاجات والأدوية بالنسبة للمرضى ممن يعانون من أمراض مزمنة.

لقد بدأنا نرى بعض الحالات للإنهاك الحراري ليس في المستشفيات فقط بل وحتى حالات عابرة خارج المستشفى وخاصة في الأماكن المفتوحة المعرضة لأشعة الشمس المباشرة والغير مكيفة وفي الأسواق وأماكن التجمع العامة. إن حالات الإنهاك الحراري تلك تتراوح في شدتها ومدى الخطورة الصحية المصاحبة لها بين حالات من الإعياء البسيط والتعب الذي قد لا يتطلب في الكثير من الأحيان أكثر من الراحة وتناول كمية من المياه والسوائل، ومنها ما هو الأسوء من حالات اعتلالات مرضية تستدعي التنويم في المستشفى للعلاج المباشر والمراقب من قبل الكوادر الطبية والتمريضية ونشير هنا على وجه الخصوص إلى حالات الصدمة العصبية الحرارية وما يصاحبها من تشنجات عامة للبدن تشبه حالات المصابين بمرض الصرع، وهي عادة ما تكون بسبب مباشر للارتفاع المستمر لدرجة حرارة الجسم التي تتجاوز الأربعين درجة وربما تصل حتى إلى مستوى اثنين وأربعين درجة سيليوس.

إن ما أود التحذير منه هنا هي تلك الحالات من الصدمة العصبية الحرارية، لأنها من الأمراض العابرة التى من الممكن تجنبها من الأساس عن طريق الابتعاد عن مكامن الخطر من التعرض لدرجات الحرارة العالية أو البقاء في أماكن قليلة أو متوسطة الحرارة لفترات طويلة لأي سبب من الأسباب، حيث إنه متى ما وصل أى شخص إلى مرحلة الصدمة العصبية الحرارية تلك، يكون من الصعوبة العلاجية بمكان أن تتمكن الكوادر العلاجية في المستشفيات من المحافظة على كفاءة وصحة المريض وسلامة أجهزته الحيوية، إنها ليست مستحيلة ولكنها من الحالات المرضية التي تستدعي في المقام الأول تطبيق مبدأ الوقاية خير من العلاج.