العدد 4644 - الإثنين 25 مايو 2015م الموافق 07 شعبان 1436هـ

القصة الاقتصادية ولعبة الإلهاء المعتادة

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

هناك ندرة في صحافتنا وفي إعلامنا بشكل عام للصحافة الاقتصادية وللمتخصصين الاقتصاديين والمحللين الماليين ولمقالات الرأي الاقتصادية؛ وإن وُجدوا فإنهم يصادفون تحديات كبرى في عملهم قياساً بزملائهم في بقية التخصصات، وقد يقدمون على المغامرة فيخسرون وظائفهم. لماذا؟ لأن المعلومة الاقتصادية متعلقة بالأرقام والشفافية، ولغة الأرقام لا تكذب ولا تحتمل التمويه والمناورة، كما أن كل معلومة اقتصادية لها بعدها السياسي المستتر و»الحسّاس»، وفي الغالب لا تجرؤ المصادر على الإفصاح أيضاً، وتكتفي بعبارة «أوف ذا ريكورد»، يعني خارج النشر، فتقوم بتسريب بعض المعلومات المتعلقة بالاتفاقيات السرية التي تجري تحت الطاولة أو فساد المناقصات أو المشاريع، أو قضايا الإثراء غير المشروع وغير القانوني. وفي العادة تسر المصادر الخبرية بهذه المعلومات للصحافي، وليس للنشر كنوعٍ من إبراء الذمة فحسب. فمن الذي يجرؤ على الكلام؟

حتى الصحف تخشى على خسارتها للإعلان إن هي غامرت بالنشر وتجاوزت بعض الخطوط الحمراء، وإذا حل موسم صدور التقرير المالي والإداري الذي يرصد مواطن الفساد والهدر المالي وغيرها، وأفردت له الصفحات فإنه لا ينال حصته المعتبرة من النشر والتحليل والمتابعة المستمرة. والأهم من كل ذلك تبيان وكشف مقدار ما تحقق من استرداد للأموال والثروات المنهوبة أو المتلاعب بها.

إن ذلك لا يحدث للأسف بسبب إعادة تشغيل ماكنة الإلهاء وطاحونة التشويش السياسية والإعلامية المعتادة، وجر الرأي العام بعيداً عن القصة الاقتصادية الأساسية والجوهرية.

خلال فترة الأسابيع الماضية راجت الأحاديث والندوات حول الاقتصاد الريعي، والدين العام وخطورته على الاقتصاد البحريني وتأثيره السلبي على التصنيف الائتماني، ثم جاءت قصة رفع الدعم عن اللحوم وتحديد مبالغ تعويضية للأسرة المستحقة.

رفع الدعم بكل أشكاله وتوجيهه لمستحقيه فقط موضوع قديم وهو متضمن في رؤية 2030 والاستراتيجية الاقتصادية 2009 -2014، وطالب به صندوق النقد الدولي منذ سنوات، وقد طرح عدة مرات ثم جرى التراجع عنه، وجاءت أحداث 2011 فتغيّرت أولويات وصعدت أولويات أخرى، في ظل انسداد أفق الحل السياسي. وأول الملاحظات على قضية رفع الدعم هو أن الحكومة استفردت بالقرار وحدها دون استشارة مجلس النواب وهي التي وعدت في برنامج الحكومة بعدم المساس «بمعيشة المواطن»، أي أنها تنصلت من الاتفاق الذي جرى بينها وبين النواب، ما يعد استهانةً بالمجلس وبما تم ترويجه من «بصوتك تقدر»، تساءل وتحاسب وتشارك في صنع القرار.

وثانياً: نقف مع الحكومة في توجيه الدعم لمستحقيه لكن اختيار رفع الدعم وحده دون تنفيذ بقية بنود الاستراتيجية الاقتصادية فهي خطوة غير صحيحة، أما المبالغ التعويضية الهزيلة التي تناولها المواطنون بالنقد الساخر فتلك قضية أخرى. ونرى أن الوقت قد حان لمناقشة وتنفيذ بنود الاتفاقية الاقتصادية والرؤية التي قالت بتمكين المواطن وتهيئة البيئة لجعله ينال الأولوية. ونعلم أن الرؤية والاستراتيجية قد وضعتا على الرف لأنها ووجهت بالمتغيرات التي لم تكن في الحسبان!

وعدنا إلى تطبيق بعض بنودها بشكل انتقائي ومتسرع وغير مدروس، والبدء بالحلقة الأضعف وهي المواطن. ونعلم أن الرؤى الاقتصادية والاستراتيجيات الاقتصادية محكوم عليها بالفشل من الأساس، إذا نأت عن تناول الأبعاد السياسية، فالسياسة والاقصاد وجهان لعملة واحدة.

إن القصة الاقتصادية أو الخبر الاقتصادي شديد الارتباط بالخبر السياسي، وجديرٌ أن يطرح اليوم بشكل موسع وفي مختلف الوسائل الإعلامية مادمنا مقبلين على مرحلة رفع الدعم ودخول السنوات العجاف. وذلك لا يتأتى دون مساءلة مجمل السياسة الاقتصادية المتبعة ماضياً وراهناً، والتي فشلت في تنويع مصادر الدخل وأبقتنا أسرى ورهائن لسلعة النفط الناضبة والمتقلبة، مروراً بقضايا الفساد الكبرى المنظورة في المحاكم خارج البحرين والتي نقرأها في الصحافة الدولية فقط، وأعني بها قضية «ألبا/ ألكوا»، وكذلك العودة إلى متابعة ما تحقق في تحقيق أملاك الدولة وتحقيق التأمينات الاجتماعية الذي كان حصيلة نتاج دورتي التشريع البرلمانيتين 2002 و2006.

كما أن ذلك يقتضي طرح الأسئلة المهمة حول فوائض الميزانيات السابقة من 2002 إلى 2008، عندما بلغ سعر النفط أوجّه، وأين ذهبت هذه الأموال، ولماذا لا توظف اليوم لسد العجوزات بدلاً من استسهال الاقتراض ورفع الدين العام وتحميل الأجيال المقبلة تبعات تسديده؟

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4644 - الإثنين 25 مايو 2015م الموافق 07 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:48 ص

      من يجرؤ على ذلك ؟؟

      أذا كان النواب وهم المتمتعين بحصانة برلمانية لم يجرؤا على فتح موضوع فوائض الفط وأين ذهبت هذه الأموال ومناقشة الموضوع بشكل علني وتحت قبة البرلمان فهل تتوقعين أن يقوم صحفي بنبش هذا الموضوع الحساس ؟ الصحفيين في بلادنا اصبحو لا يهمهم ما تؤول إليه الأوضاع الاقتصادية للمواطن بقدر ما يهمه تحقيق مصالح خاصة له ولعائلته وكلنا يعرف الصحفية التي هاجمت وحقرت وخونت شريحة كبيرة من المجتمع وتم مكافأتها بتعيين أخيها في مجلس الشورى وحصولها على فلة في الذرة ، صحفي بهذا المستوى هل يمكن أن يطرح مثل هذه المواضيع؟

    • زائر 1 | 10:34 م

      الكاسر

      أموال فرق البرميل ذهبت بنوك سويسرا اما الشعب المغلوب على إمرة لابدلة ان يخرس ولا يتكلم في الفساد المستشري عيني عينك

اقرأ ايضاً