العدد 4648 - الجمعة 29 مايو 2015م الموافق 11 شعبان 1436هـ

«إليانور ماركس: قصة حياة»... من الإفلاس إلى الريادة والمرارة لهولمز

كارل ماركس
كارل ماركس

لا ترصد الكاتبة والناقدة، ومذيعة البرامج راشيل هولمز، فقط قصة حياة الابنة الصغرى لصاحب كتاب «رأس المال»، الفيلسوف والاقتصادي وعالم الاجتماع والمؤرخ والاشتراكي والثوري، كارل ماركس، إليانور ماركس، بقدر ما ترصد العلاقات والأدوار التي قامت بها، والريادة التي تمتعت بها، وأتيحت لها في ظل ظروف كانت غاية في الصعوبة. بدءاً من الجوع، والترحال هرباً من اعتقال والدها، مروراً بالشعور الطاغي بالمرارة الذي لازمها معظم فترات حياتها، والخيانات التي تعرَّضت لها من رجل لازمته لأكثر من 14 عاماً (إدوارد أفيلينغ).

راشيل تقف أيضاً على مراحل الإفلاس والريادة التي احتلتها في مواقع ومواقف كثيرة.

قال عنها موقع «أمازون الشهير»، إنها «الجريئة والحرة، إليانور ماركس (1855-1898) امرأة استثنائية. رائدة هي كأول امرأة تقود عمال حوض السفن البريطاني واتحاد عمّال الغاز. عملت لسنوات بلا كلل من أجل والدها، كارل ماركس، وكانت السكرتير الشخصي له. في وقت لاحق تحررت من عديد أعماله السياسية الرئيسية، لتضع الأسس لسيرته الذاتية. ولكن قبل كل شيء، من بين إنجازاتها، ريادتها النسوية. بالنسبة لها، كانت المساواة بين الجنسين شرطاً مسبقاً وضرورياً من أجل مجتمع عادل.

الانطلاق لإحداث الفارق

اكتسبت قوة من عائلتها ودائرتها الواسعة، بما في ذلك فريدريك انجلز وويلهلم ليبكنخت، انطلقت إليانور إلى العالم لإحداث فارق وكان شعارها المفضل: ‹امضِ قدماً» ومع أقرب الأصدقاء لها ومن بينهم، أوليف شراينر، هافلوك إليس، جورج برنارد شو، ويل ثورن ويليام موريس - كانت في بؤرة الاشتراكية البريطانية.

فيفيان غورنيك، من صحيفة نيويورك تايمز، كتبت تقريراً مطولاً يوم الجمعة (3 أبريل/ نيسان 2015)، نورد أهم ما جاء فيه.

ثلاث نساء امتلكن موهبة سياسية استثنائية، أحببن رجالاً كانوا لا يستحقون ذلك الحب منهن: روزا لوكسمبورغ، إيما غولدمان وإليانور ماركس. أول اثنتين استطاعتا النجاة من التبِعات المُنهكة لمثل تلك العلاقة، ولم يتسنَّ للثالثة ذلك.

في سن الثالثة والأربعين، عندما علمت أن زوجها الذي ارتبطت به منذ 14 عاماً قد تزوج سراً من ممثلة تبلغ من العمر 22 عاماً، وضعت إليانور حدَّاً لحياتها بأن عمدت إلى احتساء السم. لو كان والدها، كارل ماركس، على قيد الحياة، فلن يعيش حياته مليئة بالأسى فحسب نتيجة موتها، ولكنه سيصاب بالفزع لأن ابنته لم تتمكَّن من التغلُّب على هذا المستوى من الخيانة. تزوج كارل ماركس وجيني في العام 1843. وفي ذلك الوقت، كان ماركس طالب قانون، تحول إلى صحافي راديكالي، كتاباته ونشاطه السياسي ساهما في الأوقات المضطربة التي من شأنها أن تنفجر قريباً من خلال ثورات العام 1848 التي هزت الأنظمة الملكية في أوروبا ولكنها لم تُسقطها. وكما كان عمله يُلفت انتباه الحكومات المعادية في كل مكان، كان ماركس وزوجته في أوقات عديدة، في خضمِّ الحركة؛ إذ تم طرده أو عَمَد إلى الفرار من بلد إلى آخر - ألمانيا، فرنسا، بلجيكا - وفي بعضها قبل دقائق من إلقاء القبض عليه. بعد نشر «البيان الشيوعي» في العام 1848، أصبحت الحياة في القارة الأوروبية محفوفة بالمخاطر بشكل حقيقي بالنسبة إلى ماركس، وفي العام التالي انتقل وعائلته إلى لندن. كانوا هناك يعيشون في مجتمع من المهاجرين حيث هيمنة الفكر البوهيمي، وباستمرار تم انتشال ماركس من الأوضاع البائسة تلك، من قبل الثري فريدريك أنجلز.

بدء اتهام الرأسمالية

وكامرأة في طور النضوج، عزمت إليانور على توجيه الاتهام إلى الرأسمالية، وكتبت أنه في لندن تحمَّلت الأسرة «عاماً من الفقر الرهيب، ومن المعاناة المريرة - هذه المعاناة بالصورة التي كانت عليها لا يمكن إلا أن تكون معروفة ومألوفة لشخص غريب مفلس في أرض غريبة»، وكان هذا صحيحاً، وكان من الصحيح أيضاً أن الأسرة قرأت معاً شكسبير، وتنقلت لمسافات طويلة، واستمعت إلى الموسيقى، وكان بيت العائلة مفتوحاً أيام الآحاد لكل ثوري أو زائر أو منفيٍّ في لندن، يتحدثون في السياسة دون توقف. في السراء والضراء، جعلت الأوضاع المادية الشاقة، الحياة نابضة بالشعور المتدفق من هذا الرجل الاستثنائي الذي انكبَّ على كتابة «رأس المال» على طاولة المطبخ لنحو 12 عاماً.

تنفُّس المادية التاريخية

بين 1844 و 1855، أنجبت جيني ماركس سبعة أطفال، ثلاثة منهم فقط يعيشون في مرحلة البلوغ: جينيشن، لورا وإليانور. نمت البنات الثلاث «يعشن ويتنفسن المادية التاريخية»، وكما تقول لنا راشيل هولمز في سيرتها الذاتية الجديدة «إليانور ماركس»، ولكن لا أحد تنفس المادية التاريخية أكثر عمقاً مثلما فعلت إليانور، وهي الأصغر بينهن.

كبُرتْ إليانور لتصبح لاعباً رئيسياً في صعود الاشتراكية البريطانية، تعيش حياتها في امتداد غير منفصل من أجل ما ولدت له.

كانت فتاة جميلة - عيناها السوداوان والمعبرتان، شعرها الأسود بتجعُّده الطفيف، وذكاء منذ طفولتها، عاطفية، وجدلية. على رغم أنها محبة للأدب واللغات والموسيقى والمسرح، كانت دائماً ما تضعها السياسات المتطرفة على ما يشبه النار. جرت الاشتراكية في عروقها وتوهجت على بشَرَتها. قبل أن تبلغ العشرين من عمرها، كانت تجادل بأن حركة العمَّال الإنجليزية في حالة جمود، وأنه لابد من القيام بعمل ما، وكانت تتألم للقيام بذلك.

إلى التأسيس

أول منظمة اشتراكية بريطانية (وسميت الاتحاد الديمقراطي) تشكَّلت في العام 1881. وعندما أعيد تشكيلها في العام 1884 باسم الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي، كانت إليانور من بين الأعضاء المؤسسين. حتى وفاتها في وقت لاحق بعد 17 عاماً، حاضرت وكتبت دفاعاً ونيابة عن الاشتراكية. ساعدت في تنظيم الإضرابات والمسيرات والحملات الانتخابية. ولعبت دوراً في صراعات شرسة استمرت وانتابت كل مجموعة اشتراكية كانت تنتمي لها. وغالباً ما كان يُنظر إليها على أنها مستبدة، وتتصرَّف كما لو كانت الاشتراكية ملكية خاصة بها، ولكن غالباً ما كان واضحاً لديها أن المظلومين في الأرض كانوا حقيقيين جداً بالنسبة لها، لم يكونوا افتراضيين أو اختراعاً. «أحيانا أتساءل كيف يمكن للمرء الاستمرار في العيش مع كل هذه المعاناة من حوله». وكان لإيمانها الصادق بالاشتراكية فضل في تمسُّكها الحريص والصارم.

فهمُ أن الاشتراكية هي السعادة

في العام 1885، بينما كانت ترتب لمهرجان عيد الميلاد للأطفال، كتبت رسالة قالت فيها: «نحن لن نتمكن قريباً جداً من جعل الأطفال يفهمون أن الاشتراكية تعني السعادة».

عندما كانت في السابعة والعشرين من عمرها، التقت إليانور إدوارد أفيلينغ - المفكر الحر، مدرس علم الأحياء، وتلميذ داروين - في غرفة القراءة بالمتحف البريطاني. بدءا يعيشان معاً، وجرَّتْه بشكل أعمق إلى الأوساط السياسية.

كانت لها طاقة غير عادية أدَّت بها على نحو ثابت تقريباً إلى طريقة فكرية خاصة بها، لكنها وإفيلينغ شكَّلا فريقاً ناجحاً بشكل ملحوظ. وإذا كانت هي من تحلم بموضوع تلو آخر كي يكون محور الكلام، الكتابة، أو تنظيم من وما حولها، كان أفيلينغ دائماً على استعداد لأن يُعجب باقتراحاتها، وأظهر كل ذلك بما يجعل إليانور جديرة الاهتمام. شغفها الفكري، أفقها السياسي الرفيع، التفاني الثابت للقضية - من أجل كل ذلك أحبَّها.

ولكنه قال لها إنه لا يستطيع الزواج منها لأنه كان متزوجاً فعلاً وكذب في القول بأنه لا يستطيع الحصول على الطلاق. (أخفى في وقت لاحق حقيقة وفاة زوجته).

زير النساء

اعتُبر أفيلينغ متحدثاً ممتازاً واشتراكياً موثوقاً به، لكنه كان يُنظر إليه أيضاً - كان ذلك في وقت مبكر جداً – كرجل، القيمة الأخلاقية لديه قليلة. ليس فقط في كونه زير نساء، ولكنه كلَّما تولَّى الرقابة المالية على مشروع (كما يفعل عادة) لا يمكن لأحد تحقيق التوازن في أرصدة الحسابات التي كان يتحكَّم بها. كان نهِمَاً على الدوام لاقتناء الملابس الجيدة وارتياد المطاعم باهظة الثمن، وسيارات الأجرة وتذاكر المسرح، وكان غير مبال في كيفية إرضاء كل رغباته. «كان الأفضل جيداً بما يكفي بالنسبة له». وكان الشخص الذي جعل من أفيلينغ ينفق كل ذلك من أجل أن يكون مرتاحاً ومطمئناً ويضع لذلك حساباً وأهمية هي بطبيعة الحال، إليانور. كانت مسلوبة العقل طوال وقتها معه، كما كانت في كثير من الأحيان بائسة. كان أفيلينغ أنانياً، سيئاً، تافهاً، ومن بين ثلاث مرات من أصل خمس لا يكون حاضراً عندما كانت في حاجة إليه. كان ينحدر بسلوكاته إلى أكثر من بُعْد، وقال مراراً إنه على وشك الخروج لاتخاذ «علاج» في مكان ما (فيما كان يرتِّب مواعيد مع غيرها من النساء)، تاركاً إليانور وحيدة لمدة أسابيع.

ولكنها لا يمكن أن تتنازل عنه. لماذا؟ اسمحوا لي أن أخاطر بالتخمين!

مثل روزا لوكسمبورغ وإيما غولدمان قبلها، عانت إليانور عبء احتلال الموقف الفردي، تلك امرأة قوية ولكن في عالم غالبيته الساحقة من الذكور، لنقلها صراحة، وتم اختبارها باعتبارها امرأة غريبة الأطوار. كل من تلك النسوة كانت أكثر وحدة من أي من رفاقهن الذكور، أكثر من أي وقت مضى. الرجال الذين أحببن، لديهم نقص بما هم عليه - وكانت روزا ليو جوغيشيس معتلة نفسياً، وإيما بن ريتمان شبِقة، وإفيلينغ استغلالياً من الدرجة الأولى. كُنَّ محترمات حقاً بتألُّق العقل والروح، وبما تمتعن به من قوة وبسالة.

العدد 4648 - الجمعة 29 مايو 2015م الموافق 11 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً