العدد 4651 - الإثنين 01 يونيو 2015م الموافق 14 شعبان 1436هـ

السرير ضيق... لكن الحياة فسيحة

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

الأسبوع الماضي توفي الدكتور وعالم الرياضيات جون ناش صاحب نظرية الألعاب أو التوازن، والمستخدمة في الاقتصاد والتفاوض التجاري. ناش حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد العام 1994، لكن العالم لم يتعرف على ناش إلا من خلال الفيلم الهوليودي الشهير «عقل جميل» (Beautiful Mind) المستوحى من قصة حياته ومعاناته مع مرض الفصام العام 2001. وفي الفيلم الذي حصد عدة جوائز أوسكار، يتماهى المشاهد مع البطل المأزوم وتنتقل له حالة الفصام ويعجز عن التفريق بين الحقيقة والوهم. بعد الفيلم راحت الناس تبحث عن دكتور ناش ونظريته وتطبيقاتها في الاقتصاد، ومقولته الشهيرة «إن الفصول الدراسية تبقيك غبياً وتدمّر إبداعك الأصيل والحقيقي».

ليس عن الفيلم حديثي ولكن عن العقول العربية الجميلة التي تغادر أوطانها وتمضي للعيش بعيداً عن أعشاشها المريحة، لأنها لا تجد بيئات حاضنة ولا مناخات تلهمها وتساعدها على العمل والإبداع. وتقول دراسة أعدتها المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين التابعة للجامعة العربية، إن العلماء العرب الذين يهاجرون إلى الدول الغربية يمثلون نحو ثلث الكفاءات العلمية التي تهاجر من الدول النامية إلى الغرب. واعتبرت الدراسة أن هذه المشكلة تمثل جرحاً نازفاً يثخن الجسد العربي ويقف حاجزاً في طريق التنمية العربية من خلال استنزاف العنصر الأثمن والثروة الأغلى من بين العوامل الضرورية للنهوض بتنمية حقيقية متينة الأسس وقابلة للتطور والاستمرار.

وحسب الدراسة المذكورة، تستحوذ بريطانيا وأميركا وكندا، على 75 في المئة من الكفاءات العربية المهاجرة. أما لماذا تهاجر العقول الجميلة فتقول الدراسة إن السبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وضعف قدرة هذه الدول على استيعاب أصحاب الكفاءات والبيروقراطية الإدارية وأنظمة الخدمة المدنية المتخلفة، قياساً بمناخ الاستقرار السياسي الذي تتمتع به دول الهجرة.

إن هجرة العقول الجميلة - حسب الدراسة- كلفت البلدان العربية 11 مليار دولار منذ السبعينيات من القرن الماضي، وتبلغ تكلفتها الحالية 1.5 مليار دولار سنوياً، ورأت الدراسة أن استمرار هجرة العقول ينذر بتخلف الأمة العربية عن ركب الحضارة المتقدمة واتساع الفجوة التكنولوجية بين العرب والغرب.

ونعلم بداهةً أن الحروب والصراعات والإرهاب وانتشار الفوضى والعجز عن إيجاد حلول للملف السياسي، قد أحالت بلداننا إلى ساحات متفجرة أو قابلة للتفجير في أية لحظة. والسؤال: هل تسعى الدول العربية لاستعادة علمائها وعقولها المهاجرة؟

يروى أن عالم اقتصاد عربي تمت مخاطبته بعد الثورة لتقلد منصب وزير اقتصاد، فبعث إليهم قائمة بعدد من الأمور السهلة والمقدور عليها والتي يجدر البدء بتنفيذها، ومنحهم فرصة عام كامل للقيام بها. والواقع أن العالِم لم يعد، والبنود التي طلبها لم تنفذ، بل سارت بلده في مناخ سياسي واقتصادي أسوأ من السابق.

ومنذ سنوات والعالم العربي يتصدّر الأخبار العالمية في نيل الأصفار العالمية والرتب المتدنية، في التنمية البيئية المستدامة واقتصاد المعرفة والبحث العلمي والحريات الصحافية والشفافية والديمقراطية وتداول السلطة وحقوق الإنسان، وينال في المقابل الدرجات الأولى في الفساد والاستبداد واستيراد السلاح وجمع المال والإثراء بلا جهد ولا تعب.

كتبت إحدى الأمهات لابنها المهاجر: كيف يترك شاب في مقتبل العمر حضن أهله الدافئ وحجرته الواسعة الجميلة كي ينتهي في غرفة صغيرة باردة وسرير مفرد بالكاد يستوعب جسده؟ فردّ عليها قائلاً: إن الحياة ليست في الغرفة الواسعة ولا في البيوت الفخمة، إنما في خارجها، في الجامعة والمعمل والمكتبة ومركز الأبحاث. ماذا في بلدانكم غير مراكز التسوق و»المولات» التجارية والاستعراض البذخي الاستهلاكي التي تعتبرونها مظاهر نهضة وتطور وحداثة؟

لا تتمثل الخسارة في علماء العرب الذي غادروا في السابق، إنما في الجيل الجديد من الشباب الذي ما أن ينبغ أحدهم في مجال علمي حتى يجد نفسه تحت تأثير تحديين اثنين: المغريات المهنية والعلمية في الخارج، واستمرار انعدامها في الداخل.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4651 - الإثنين 01 يونيو 2015م الموافق 14 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 4:37 ص

      ليس فقط العقول العربية وعقول العالم الثالث كذالك

      الدول الصناعية والعلمية والمخترعة سابقة العالم الثالث بعشرات السنين في النظام التعليمي الحديث وأسست أفضل الجامعات لتخرج أفضل العلماء وليس الموظفين ومنعت العصبيات بكل أشكالها العنصرية والدينية

    • زائر 9 | 4:37 ص

      احمد

      الاخت الكاتبه ذكرتي اسم الدكتور ناش وعن هجره العقول هادا يعني الدكتور مهاجر ولاكن ما ذكرتي من وين هاجر والي وين

    • زائر 6 | 3:00 ص

      وفقت

      مقال ولا أروع

    • زائر 5 | 2:06 ص

      بلادي وإن جارت!

      المهاجر، ليس أنانيا، يترك وطنه ليصنع من نفسه - غالبا - إنسان منتج و مفكر و له هدف واضح (قابل للتحقيق)، الفقر في الوطن غربة، وانا اعذر المدعو محمد سلطان (المصري من الأخوان) لأنه تنازل عن جنسيته المصرية ليفرج عنه.. لأنه ما الجدوى من الجنسية وهو يقضي زهرة شبابه في السجن ليخرج كهلا او معاقا او مختل! .. بلادي وان جارت عليّ عزيزة ... ولكن لي نفسٌ و قلبٌٌ و مُشتهى! (هذا من تأليفي)!
      دمتم سالمين

    • زائر 4 | 1:41 ص

      أول مرة اقرأ لج مقال

      لطالما سمعت عن اسمك وثقافتك العالية وقلمك المعطاء
      انت فعلاً بإمكانك خلق فرصة جديدة للبحرين
      من خلال إطلاق مبادرة العصف الذهني
      ماذا كانت البحرين
      وماهي عليه الآن
      وماذا عن مستقبلها
      ويطبق على الأفراد والجمعيات
      وفقكم الله
      حسين حبيب

    • زائر 3 | 12:28 ص

      جميل استاذه

      موضوع مميز ياريت يتم تكرار هكذا مواضيع تفتح النفس

    • زائر 2 | 12:02 ص

      كلام جميل

      ولكن،،
      المهاجر أناني، فهو يترك وطنه، أسرته، أقاربه، مجتمعه؛ ليبحث عن مستقبله الشخصي البحت.

    • زائر 7 زائر 2 | 4:08 ص

      من يقول ليك اناني؟

      تبيه يقعد في بلده وجمد عقله؟ وعلى فرض قعد في بلده هل يقدر يخدمك او يخدم اهله؟ فان كان من الكفاءات واراد ان يخدمك او يخدم مجتمعه فمكانه السجن فهل ترضى بذلك والله يقول الم تكن ارض الله واسعة فتهاجرو اليها .
      الشيخ المقداد اسس جمعية تخدم اليتامى وتعني بتزويج الشباب فاين مكانه؟
      ابراهيم شريف والذي يعد استاذا في الاقتصاد فاين مكانه؟
      اطباء وغيرهم اين مكانهم؟

    • زائر 1 | 11:59 م

      دبي

      كلام جميل وفي الصميم

اقرأ ايضاً