العدد 14 - الخميس 19 سبتمبر 2002م الموافق 12 رجب 1423هـ

الساحة الشعبية تعاني من مرض عضال وتفريخ مستمر لعديمي الموهبة

عبدالله حماد يفتح نيرانه:

أجرى الحوار - جعفر الجمري 

19 سبتمبر 2002

عبدالله حماد صوت شعري متميز... له الكثير من الاسهامات اللافتة على صعيد كتابة القصيدة، وعلى صعيد متابعة ما يدور في ساحة الشعر الشعبي، وفي الوقت نفسه فهو قارئ لاذع لما يدور في الساحة إنتاجا أو تلقيا، استضافته «الوسط» في هذه الفسحة، وخرجت معه باللقاء الآتي:

من أين نبدأ؟

- عبدالله حماد: نبدأ من استفسارك، ومن صفاتي السيئة، وأسوأها الصراحة.

عبر مشاغباتك المتكررة... واستفزازاتك الدائمة... ألم تتعلم من الشعر ميزة المرور على الظواهر من دون سردها؟

- كلا... لم أتعلم، ولن اتعلم... وللعلم فقد حاولت مرارا ذلك وفشلت فشلا ذريعا، واعتقد ان المرور هذا ترويض، والترويض بالنسبة لي هو الموت لكل ما يمت للكتابة بصلة، بل أرى الصمت في هذا السياق.

وللمحرم متلازمان، فما دمت أتنفس هواء هذه الساحة، واسترق السمع والبصر إلى النسمات المقبلة من الساحة الخليجية، فالمرور الذي تطرحه أمر غير وارد، وثمة مفارقة صارخة في هذا السياق ألخصها بالقول ان مجرد الفرجة على ما يحدث في الخارج بحسب بعضهم يؤدي بك إلى الانضمام لما يسمى بالطيور المهاجرة، وهذا في اعتقادي مرض عضال... ولذلك أرى أن جزءا من دوري ورسالتي فضح مشاهد القبح الموغلة في الحضور والممارسة.

أنت حانق على الساحة ولاعبيها... عمن أنت راض؟

- هي ساحة تخلو من حكم يدير لهوها وهازلها... وهي ساحة سائبة، ودعني أعترف لك بأن رضاي عنها يكاد يكون معدوما... ثمة عقليات هنا هي على درجة من المرض تكاد لا تصدق... ثمة تلوث مستشر فيها... فعلى رغم من سيئاتي تظل لي صفات حسنة تتركز في مقتي لهذا التفريخ اللانهائي للنصوص والاسماء... إذ أظل منحازا للنوعي مما ينتج... لذا ترى الكثيرين في حال هياج وهسترة جرء صراحتي وعفويتي في تناول ما يفرخ هنا.

وجود جمعية للشعر لا يعني بالضرورة أنها الحاضنة الطبيعية له... لكن علينا أن لا ننسى أنها قدمت الكثير... كيف تقيم دورها؟

- سؤالك هذا مغر، وأنت يا عزيزي تريدني أن أتكلم بكل ما أوتيت من فوضى... فالأكثرية يعلمون بأن إخواننا أعضاء الادارة في جمعية الشعر الشعبي يتوجسون جدا، ويستاءون جدا كذلك من أي كلمة تقال أو توجه للجمعية أو إدارتها... وكأنهم معصومون من الخطأ والتقصير.

وعودة إلى سؤالك، أقول إن الجمعية هي بالفعل الحاضنة الطبيعية للشعر والشعراء... ولكن حين يكون حضنها طاهرا، وحنانها صادقا، وللجميع... لكن الواقع يقول عكس المفترض.

أضف إلى ما سبق، أن الكثير من الشعرآء لا يعيرون الجمعية اهتماما، وأثبتوا جدارتهم الشعرية، ونجاحهم بعيدا عنها... والملاحظ ان المبتعدين او المقاطعين للجمعية هم أصحاب العطاءات المختلفة... والمختلفة هنا بمعنى المتميزة... بسبب اختلافهم الفكري مع القائمين على الجمعية... القائمون على الجمعية متعصبون لذلك لايطأ التطور والتغيير أرضهم...

ثمة مفارقة - وأنت الحضري حتى النخاع - تكمن في توغلك في ثقافة هي بعيدة كل البعد عن بيئتك عبر أصعب أشكال تلك الثقافة «الشعر النبطي»... وأعني بالثقافة هنا - ثقافة الصحراء... كيف تم ذلك ولماذا؟

- ليس عيبا أن يتأثر اي انسان ببيئة غير تلك التي ينتمي اليها، ولأنه انسان... فالتأثير والتأثر بما يدور حوله وارد جدا، فلو كان من الشخص من سكان الصحراء وقرأ عن البحر وتأثر بعالمه فهذا وارد والعكس بالعكس. لذلك ليس من الضروري ان تكون ابن البيئة لكي تتأثر بها. واقول، صدقا لست متوغلا في ثقافة محددة، وكتاباتي المتواضعة التي تخفي مصادرها لا تعرف التكلف... ولم يخطر في بالي قط وانا في البدايات ان هذا الشعر له انتماءات معينة بيئية أو ثقافية... وكل ما حصل انني وجدت هذا القالب الفني قريبا لتذوقي الخاص، ومرنا على رغم تعقيداته.

هل تشعر بحساسية تجاه المنابر الادبية هنا؟

- منابرنا الادبية في هذا المجال هي منابر مريضة... منابر كذب ونفاق... مؤسسة قواعدها على نبذ الصراحة وعلى العنصرية... لقد زرعوا الفتن فيها، هذا إذا اعترفنا بوجودها أساسا، وبكل اختصار يمكن القول إنه لا توجد منابر للشعر، بل مقابر بسبب القائمين على هذه المنابر.

ما هي علاقتك بالشعر العربي الفصيح على اختلاف اشكاله؟

- تماما كعلاقة الأم بابنها، وما بحت به كان نتيجة تأثر بالشعر العربي الفصيح، وكم كنت أتمنى ان تكون كتاباتي متشحة برداء الفصحى... ولكن لعدم امتلاكي للادوات التي تمكنني من ذلك... لم أمارس الكتابة الفصحى... وفي الوقت نفسه انا ملتصق بها قراءة.

يحضر فهد عافت حتى حواراتك الجانبية، ما الذي يمثله لك هذا الرجل؟

- الحسد، الاحباط، حالات الجنون... والقليل من التذمر. فهذا الرجل يمثل بالنسبة لي الكثير، وأقول لمن يجد نفسه معنيا بالكتابة، ويتمتع بالموهبة الا يلتفت إلى الدواوين والكتب الخاصة بالشعر الشعبي او النبطي اذا ما اراد ان يكون له شأن في هذا المجال... ولكن عليه ان يقرأ كل ما يكتبه هذا الرجل شعرا كان او غير ذلك... وعليه ايضا الا يلتفت... بل ان يتبرأ من الكتابة التقليدية... نصيحتان أرى بانهما كفيلتان بتثبيت الموهبة...

واذا اقترحت باهمية قراءة الرجل، فأنا - ايضا - انصح بضرورة الابتعاد كليا عما يكتبه هذا المجنون... فلو قرأ صاحب الموهبة الاولية الرجل وهو يلتمس البواكير الاولى فسيصاب بالاحباط لهول ما سيكتشفه من شعوذة... كانت سببا في إحباط الكثيرين من قبل... ومنهم مطلق النصيحة والداعي لها...

واقول ان كنت قد نجحت في كتابة قصيدة معينة... فأساس هذا النجاح يعود إلى فهد عافت... وإن أصابتني حالات الاحباط والاخفاق فهو السبب ايضا... فهد عافت ببساطة ظاهرة لا تتكر شعريا في عهدنا هذا

العدد 14 - الخميس 19 سبتمبر 2002م الموافق 12 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً