يشير الباحث روبرت غليف في كتابه «القانون الاسلامي - النظرية والتطبيق» إلى أن المدرسة اليوسفية تأثرت بسبب احتكاك الشيخ يوسف بمختلف انواع فقهاء زمانه أثناء حياته. فبعد هجرته من البحرين عندما أحرق منزله في الشاخورة «في إحدى حوادث تخريب البحرين» هاجر إلى المنطقة الشرقية بالجزيرة العربية ثم إلى إيران ثم إلى العراق وبسبب قدرته الانتاجية الكبيرة فإن كتاباته خلال تنقلاته عكست مناظراته وحواراته وفتاواه في فترات مختلفة من حياته. ولهذا اختلف الباحثون في تحديد مدرسته، هل هي اخبارية أم أصولية.
الباحث يرى أن الشيخ يوسف كان يميل إلى المدرسة الإخبارية ولكنه معتدل في طرحه، ولذلك فإن المدرسة الأصولية وتأثيرها موجود في كتاباته. ويشير الكاتب إلى أن الشيخ يوسف لا يحب استخدام مصطلح اصولي وإخباري، ولهذا كان يبتعد في نقاشاته عن العبارات الحساسة، وكان يفضل استخدام عبارة «مجتهد» بدلا من «أصولي»، وعبارة «محدث» بدلا من «إخباري». وذلك لأن عبارة اصولي وإخباري في زمان الشيخ يوسف كانت تحمل بعدا حساسا بسبب اطروحات الاسترابادي والاطروحات المضادة لها. وقد تمكن النهج الوسطي للشيخ يوسف من إزالة كثير من الأوهام حول الخلافات وقال بأن الاشتراك بين المدرستين كبير جدا ما عدا ثلاث نقاط. وتحديده لثلاث نقاط كان نقلة نوعية في الأوساط الفقهية، خصوصا وأن بعض فقهاء عصره كان يقول بأن الخلافات تغطي أكثر من اربعين نقطة. إلا أن الشيخ يوسف. وبسبب قدرته الانتاجية، اصلح الأوضاع الفقهية وحدد مواقع الاختلاف واشار إلى أن نقاط الاتفاق هي اكثر بين المدرستين، ومواقع الخلاف بين المدرستين كما حددها الشيخ يوسف هي:
1- مصادر التشريع: الاخباريون يقولون ان مصادرها القرآن والسنة (والمقصود بالسنة اخبار الرسول «ص» والائمة «ع») بينما يقول الاصوليون باربعة مصادر وهي: القرآن والسنة والعقل والاجماع.
2- طريقة التعامل مع «الشبهة» فيما ورد في القرآن والسنة تختلف بين الاخبار والاصول. فبينما يعتبر الاخبار «الشبهة» صنف يجب التعامل معه فقهيا عن طريق مثلا اصدار احكام «الاحتياط»، لا يعتد الاصول بالشبهة ويستخدمون «العقل» و«الاجماع» في تحديد رأي معين تجاهها.
3- علماء الاخبار يعتمدون في تفسير القرآن على ما ورد من الرسول (ص) والائمة (ع) من احاديث وأخبار، بينما يستخدم علماء الاصول السنة والعقل والاجماع معا لتفسير القرآن.
ويذكر ان الشيخ يوسف ولد في 1695م وعاش ما يقرب من ثمانين عاما قضاها متنقلا بين موطن وآخر، وكان سكن والده في «الدراز». كان والد الشيخ يوسف طالب علم في قرية الماحوز يلازم الدرس عند الشيخ سليمان، وفي قرية الماحوز هذه ولد الشيخ يوسف، وبعد أن هاجم حكام مسقط آنذاك البحرين في مطلع القرن الثاني عشر رحل والد الشيخ إلى القطيف وترك الشيخ يوسف في البحرين في بيته بالشاخورة. وبعد مدة سافر الشيخ يوسف إلى القطيف حيث كان يعيش والده، وكان أثناء فترة بقائه في القطيف يتردد على البحرين إلى أن استقر في الأخيرة مدة خمس إلى ست سنين. وفي هذه المدة سافر لحج بيت الله الحرام في مكة وذهب أيضا إلى المدينة، ثم ذهب إلى القطيف لطلب العلم ورجع بعدها إلى البحرين. وحين ضاق به الحال سافر إلى ايران واستقر بداية في «كرمان» ثم في «شيراز» ثم استقر في «قصبة فسا»، وأخيرا ذهب إلى العراق واستقر به الحال في كربلاء وكان عازما على أن يقطن فيها حتى الممات، وبالفعل توفي في كربلاء في العام 1772م، وقبره معروف هناك.
ويذكر عبد العزيز الطباطبائي ما حصل للشيخ يوسف بعد نزوله في كربلاء فيقول: «لما هبط كربلاء رحب بقدومه أعلامها، وسرّ به فطاحلها، فتوسط أندية العلم وحلقات التدريس، وانضوى إليه غير يسير من أولئك الأفذاذ يرتشفون من بحر علمه المتدفق». (إلى أن قال) «وازداد أولئك النياقد (الفقهاء) خبرة بغزارة علمه وفضله، ومكانته المرموقة في الفقه والحديث بعد أن وقفوا عليه عن كثب، ودارت بينه وبين الأستاذ الأكبر المحقق الوحيد مناظرات كثيرة طويلة في الأبحاث العلمية العميقة، ربما استوعب بعضها الليل كله». لقد كانت حوارات الشيخ يوسف مع الوحيد البهبهاني هي المحرك الاساسي للانتاج الفقهي في المدرسة العلمية في العراق آنذاك، ولذلك اصبح الشيخ يوسف مضرب مثل في السمو الاخلاقي وغزارة الطرح وقبوله بالرأي الآخر حتى لو اختلف معه، والبحث المستمر عن نقاط الالتقاء وتقليل مواقع الخلاف
العدد 14 - الخميس 19 سبتمبر 2002م الموافق 12 رجب 1423هـ