العدد 14 - الخميس 19 سبتمبر 2002م الموافق 12 رجب 1423هـ

الفكر الإسلامي المعاصر وموقفه من العلمانية

سأتحدث عن الفكر الاسلامي المعاصر وموقفه من العلمانية والدين. وقبل ان أبدأ كلمتي أود أن أذكر عددا من الملاحظات:

في الفكر العربي والاسلامي المعاصر هناك عدد من المصطلحات المركزية التي يستخدمها المفكرون العرب والمسلمون. هذه المصطلحات أوروبية المنشأ وأوروبية الاساس مثل: التقدمية والاشتراكية والعلمانية والشيوعية وفي الوقت الحاضر المجتمع المدني والديمقراطية و العولمة.

وعادة ما تحصل هذه المصطلحات على التشجيع والنمو في بيئة فكرية أوروبية. والهدف ليس التقليل من شأن هذه المصطلحات فهي مهمة. كما انه من المهم بالنسبة لنا كعلماء ومفكرين ان نفهم الخلفية التاريخية والاجتماعية والموضوعية لهذه المصطلحات إذ انها ليست خلفية اسلامية. كما يجب ان نفهم أيضا طبيعة انتقال هذه المصطلحات إلى العالم الإسلامي والظروف التي انتقلت في ظلها. وعلى سبيل المثال، فقد استخدم مصطلح التقدمية في القرن التاسع عشر من قبل المفكرين المسلمين منذ المفكر الشهير الشيخ محمد عبده. ذلك المصطلح لم يكن اسلاميا في الأصل كما لم تكن له أية دلالات اسلامية.

أما ملاحظتي الثانية فهي عن معنى الفكر العربي نفسه. ففي الكثير من الاحيان يساوي الناس الفكر العربي والفكر الإسلامي، ومن وجهة نظري فإن الفكر العربي والاسلامي لا يمثلان سوى بعد واحد من أبعاد الفكر العربي الحديث الذي بدأ في الظهور منذ القرن التاسع عشر. ويجب ان نفرق بين الطبقات المتعددة في الفكر العربي الحديث مثل الفكر العربي الاسلامي، و الفكر العربي الليبرالي والفكر العربي القومي والفكر التوفيقي.

وبطبيعة الحال لا يمكن مساواة الفكر العربي بالفكر الاسلامي بهذا المعنى. إذ ان الفكر العربي في العالم العربي اكبر بكثير من الفكر الاسلامي. لكن كل طبقه معقدة. لا اعتقد باننا نتحدث عن خطاب اسلامي بعينه بل عن عدد من الخطابات الاسلامية التي تعود إلى قاعدة معرفية واحدة منذ وقت مبكر.

فهناك العديد من الاتجاهات الاسلامية والاتجاهات الفرعية في الفكر العربي الليبرالي والاسلامي الحديث.

نقطتي الثالثة تدور حول المفهوم المتكامل للتقليد. أنا متأكد أننا جميعا نعرف الدراسة الهامة التي قام بها «ادوارد شيلمز» خصوصا دراسته للتقاليد الاسلامية والمسيحية واليهودية.

فكل امة مهووسة بتقاليدها، واعتقد انه من الخطأ وصف الاسلام بأنه تقليد أو حقائق. فمن المهم جدا، فهم حقيقة أن المواجهة الاسلامية كانت بين الاحتلال والامبريالية، وانظروا للطريقة التي يجب ان يكون المفكرون الاسلاميون قادرين من خلالها على اقتراح عدد من الاجابات الاسلامية التقليدية لمختلف المشكلات التي واجهوها.

يستطيع المرء ان يقول: ان المسلمين اعادوا اختراع تقاليدهم حتى يتمكنوا من فهم تحديات القرن العشرين والواحد والعشرين.

فقبل العام 1967، اذا نظر المرء إلى الدولة في العالم العربي، فيما نسميه الشرق الاوسط وشمال افريقيا، فسيجد أن الإسلام كان الديانة الرسمية للدولة، وكانت الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع وسنّ القوانين. هذا هو الوضع في معظم الدول العربية ربما بخلاف تونس.

لكن قبل 1967 كانت الدولة تنظر إلى الاسلام على انه عقيدة فحسب وليس طريقة تفكير. وفرّقت الدولة بين الاسلام كعقيدة والإسلام كايديولوجيا أو طريقة تفكير معينة. هذه الايديولوجيا القائمة على دولة الاسلام لم تكن مقبولة لدى الدولة. الايديولوجيا الاسلامية المضادّة وخصوصا مذهب الفعالية الاسلامية بكل اطيافه المختلفة كانت مرفوضة. لذلك فإن للدولة تعريفا محددا للاسلام ضيق الأفق جدا.

لقد تبنّت النخبة التحديثية في مختلف الدول العربية مفهوم ما بعد التنوير للدين. حيث ان الدين يوجد في عالم اللامنطق وبهذا المعنى لا يمكن فهمه، ولكن يمكن استخدامه من أجل اقتراح أهداف سياسية أو اجتماعية معينة من قبل الدولة وبالأخص في برامج التحديث للدول العربية التي نالت استقلالها في الخمسينات والستينات.

وكانت سنة 1967، حدثا مهما في الشرق الأوسط. جميعنا يعرف العواقب السياسية والعسكرية لحرب 67 والتوسع في المشروع الصهيوني واحتلال مرتفعات الجولان والضفة الغربية وسيناء واحتلال جنوب لبنان فيما بعد. هذا معروف لدينا ولكن يبدو لي أن النتائج الثقافية والدينية وقضايا هزيمة 67 على يد اسرائيل ليست معروفة لدينا بشكل جيد.

وجاءت الاستجابة الأولى للهزيمة من جانب النخبة التحديثية التي حكمت العالم العربي منذ الاستقلال في الخمسينات والستينات. الذين أجابوا بالقول: إن الهزيمة وقعت بسبب عدم حداثة الشعوب العربية بما فيه الكفاية. هذه هي نفس الاجابة التي قدّمتها النخبة اليسارية في المجتمع العربي خصوصا اذا نظر المرء إلى كتابات المغربي عبدالله العروي أو السوري سعد الجواز عزم أو الكاتب السوري - اللبناني كونستين زهيره فسنجدهم يقولون في عدد من كتاباتهم انه حتى تتمكن الشخصية العربية من تكوين استجابة متناسقة ومناسبة للتحدي الصهيوني لابد ان يتم تحديث هذه الشخصية العربية. وان سبب فقدان الحداثة هو الدين لذلك فلابد من التخلص من الدين. قيل هذا بشكل محدد وواضح جدا من قبل مفكر مثل أبو علم.

كانت تلك استجابة النخبة التحديثية في كل من نخبة الدولة الحاكمة و نخبة اليساريين في تاريخ الفكر العربي. عندما يتحدث الناس عن الاستجابة الاسلامية في العالم العربي فانه لابد من ذكر الاسلام السياسي وكأن المسلمين يجب ان يحدَّدوا في سياق الاسلام السياسي فقط. وعلى الجانب الاسلامي لم تكن استجابة أهل الفكر الاسلامي أو الشعوب المسلمة معروفة.

لكن كانت هناك استجابة حادة رئيسة خصوصا من الطبقات المتوسطة و الفقيرة في المجتمع العربي وهي الطبقات التي تأثرت كثيرا بالهزيمة و بإجهاض مشروع الدولة للحداثة قبل 1967. كانت طريقتهم الرئيسة للتعامل مع الوضع هي العودة إلى الرموز الاسلامية وتنظيم حياتهم ووعيهم على أساس رأي العالم الاسلامي.

يجب ان يؤخذ ذلك في الحسبان خصوصا وأن هذه الطبقات تمثل شريحة كبيرة من المجتمع الذي كان مهمشا ومغتربا بسبب الدولة العلمانية.

ومثل الدولة في الشرق الاوسط العربي فإن الدولة في شمال افريقيا أرهقت جميع احتمالاتها العلمانية والتحديثية. هذا واضح جدا في تونس خلال فترة حكم الرئيس بورقيبة الذي أراد ان يتحكم في المزاج الاجتماعي و الوطني للناس عن طريق اتباعه برنامجا علمانيا محددا مماثلا لبرنامج العلمنة الذي طرحه اتاتورك في تركيا.

لم يفشل البرنامج مثلما فشلت العلمنة في سورية ومصر والاردن. لكنه فشل لأن الجهة المؤيدة لبرنامج العلمنة في دول مثل تونس والجزائر والمغرب هي الجيش. فهو قوى جدا ومسئول عن استمرارية مركزية السلطة في تلك الدول.

منذ الهزيمة العسكرية التي مني بها العراق في حرب الخليج في 1990 واختفاء الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية حصل تغيير ديمقراطي هائل في اجزاء معينة من شرق اوروبا قوبل بترحيب في الغرب، لكن لا احد يتحدث عن اي تغيير ديمقراطي كهذا في العالم العربي بأكمله.

أقول ان السياسات الخارجية للعالم الغربي خصوصا في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة هي الملامة على غياب الديمقراطية بالمعنى الظاهر. لكن فوق كل شيء فإن النخبة التحديثية والجيش داخل العالم العربي والاسلامي هما الملامان على غياب الديمقراطية.

مركز ماكدونالد للدراسات الاسلامية - أميركا

العدد 14 - الخميس 19 سبتمبر 2002م الموافق 12 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً