تشهد فرنسا منذ بضع سنوات، وهي المشهورة أساساً بسينما مرتكزة على الرومانسية والسيكولوجية والتي تعتبر ذات وجه أدبي طاغٍ أكثر من اللازم - وعلى ضوء بروز جيل من السينمائيين الشبان من ناحية، وإمكانات تكنولوجية حديثة من ناحية أخرى - تكاثراً لأفلام مبهرة تجذب الجماهير: أفلام الترقب وأفلام الرعب (الثريلرز)، أفلام بوليسية، أفلام خيال، أفلام حركة ومغامرات. إن الفرنسيين اقتحموا مجالاً يحتله تقليدياً الأميركيون وقد استطاع الفرنسيون الإبداع فيه بنجاح جامعين بين الحبكة المعقدة والإخراج المتقن [ منذ بعض الوقت يتجرأ المزيد من المنتجين الفرنسيين على الاندفاع نحو الأفلام المبهرة ذات الموازنات الضخمة وهي التي كانت حكراً تقليدياً على الاستوديوهات الهوليودية. ويعد فيلم «العنصر الخامس الذي تخيله وأخرجه العام 1997 الفرنسي لوك بيسون والذي أنتج في استوديو فرنسي أيضاً «لاجومون» باشتراك ممثلين عالميين على رأسهم بروس ويليس، مثالا على هذا التوجه الجديد. لقد أعاد بيسون، الذي يعد فعلاً من رواد العودة إلى أفلام تتداخل فيها المغامرات البوليسية وقصص الحب، نوعاً من افلام الحركة العصرية والفعالة إلى السينما الفرنسية. إن فيلم «نيكيتا» الذي أنتج العام 1990 بمشاركة آن بارييو وجان - هوج أنجلاد قد أعيد إنتاجه أميركيا كفيلم وكمسلسل تلفزيوني. وقد أثبت هذا المخرج أنه من الممكن إنتاج فيلم حركة مصمم ومنفذ في فرنسا. لحقت بهذا افلام «ليون» (1994) و «جان دارك» (1999) مع ميلا جوفوفيتش وفاي دوناواي وداستن هوفمان وجون مالكوفيتش وفنسان كاسل وتشيكي كاريو ويذهب اليوم بيسون إلى ابعد بتأسيسه استوديو إنتاج خاص به مسمى «اوروبا» والذي لم يتأخر في استخدامه في إنتاج أول فيلم حركة بعنوان «ياماكازي» والذي ظهر في ابريل/ نيسان 2001 ويدور حول «الرجال العناكب» في المدن الحديثة. أفلام بوليسية خيالية لقد تمكن كريستوف جانز المخرج الشاب ذو الثلاثين عاما من إعادة الاعتبار إلى نوع آخر من الافلام يجمع الاثارة بالخلفية التاريخية وذلك مع فيلم «تحالف الذئاب» الذي عرض على الشاشات في بداية العام 2001، والذي أظهر الامكانات والقدرات المذهلة لهذا المنتج. وكان هذا الشاب قد سبق له أن ألف وأخرج العام 1996 فيلم «الرجل الصارخ» مع مارك داكاسكوس والذي كان أول افلامه من نوع الحركة الخالص والمتأثر بسينما هونغ كونغ. لقد تم إنتاج هذا الفيلم الأخير على يد الفرنسيين بالكامل ومنهم ريشار جرانبيير من شركة اسكواد وصموئيل حديده من شركة متروبوليتان وقد تم إنتاجه بالاعتماد على احدث ما وصلت إليه تقنيات العصر وبواسطة انتقاء دقيق للممثلين (مارك داكاسكوس ومونيكا بيلوسي وفنسان كاسل...). ويباع هذا الفيلم اليوم في كل انحاء العالم. لقد تم كسب هذا الرهان الناجح وهو الذي كان قد استرد كلفته من عرضه في فرنسا فقط (كلفة الفيلم ما يزيد على 30 مليون يورو، اي حوالي 200 مليون فرنك) ما يعطي الفرصة لمشاريع اخرى من النوع نفسه (ابتكارية، مبهرة ومسلية) ان تطفو على السطح. أجواء ليلية ومسارح للجريمة لاخراج أول أفلامه، اختار انطوان دو كون هو ايضا العالم البوليسي الخيالي لكاتب الروايات البوليسية الفرنسي تونينو بناكيستا. على رغم ابتعاده عن الرواية الأصلية، فقد استطاع دو كون انتاج فيلم مضحك وساخن مثل «عضات الفجر» مع اثنين من اشهر الممثلين الفرنسيين في هذا الوقت: جيوم كانيه (الذي شارك في فيلم «الشاطئ» لداني بويل) وجيرار لنفان (الذي شارك في فيلم «ذوق الآخرين «لأغنيس جاوي»). فيما يتعلق بالافلام البوليسية البحتة فقد عادت إليها السينما الفرنسية بقوة مع فيلم «مشاهد جريمة» (2000) لفرديريك شوندورفر. يعتمد هذا الفيلم على الخفة والحذر الفاعل، وهو اول فيلم بوليسي لهذا المخرج ومن النوع المحكم. فقد تمت عملية «تشريح» التحقيق البوليسي للبحث عن قاتل ارتكب سلسلة من الجرائم. الشخصيتان الرئيسيتان هما مفتشان بوليسيان (اندريه دوسولييه وشارل برلينج) ويجري تصويرهما خطوة بخطوة عن المسافة نفسها وبالطريقة ذاتها التي اتبعها جان - بيير ملفيل مع ابطال افلامه (في فيلم «الدائرة الحمراء» مع إيف مونتان). فقد اضفت هذه المسافة على الفيلم الطابع الانساني الطاغي. فلا فرق يذكر في النهاية بين المشاهدين والابطال الرئيسيين. وهكذا اصبحت عملية تجدد تجرد السينما النوعية ممكنة بفضل ظهور مخرجين وكتاب سيناريو ومشرفين آخرين على التمثيل على درجة عالية من الاداء، وكذلك بفضل ظهور ممثلين فرنسيين متمتعين بشهرة عالمية متزايدة مثل جان رينو وفنسان كاسل، وجيرار ديبارديو أو أيضاً صوفي مارسو التي لعبت الدور الرئيسي في فيلم «بلفيجور» لجان - بول سالوميه مع جولي كريستي وميشيل سيرو. بلفيجور هي عبارة عن قصة خيالية تدور حوادثها في اكبر متحف في العالم، اللوفر، وتستعيد اسطورة الشبح الباحث عن الراحة الابدية. نهضة الأحلام الملهمة أما النوع الاخير الذي يعود بقوة ولا تقل اهميته عن غيره من حيث النوعية، فهو الفيلم الخيالي. فالاخوة الصغار المحدثون و«تراش» لجاك ديمي (جلد الحمار) كما جاك بريفير (كاتب أطفال الجنة الذي انتجه مارسيل كارنيه) أو «الجميلة والوحش» لجان كوكتو، هؤلاء يمكن تسميتهم جان - بيير جونيه أو أوليفيه داهان أو جان - كونان، ومع هؤلاء يكون الخيال هو السائد. ولنبدأ بفيلم «مصير أميلي بولان المدهش» مع اودري توتو وماتيو كاسوفيتش. يقدم جونيه (صاحب فيلم «أليان الرابع» الذي تم إنتاجه في هوليوود العام 1997) في هذا الفيلم صورة جديدة لباريس مقرونة بقصة حب تحاول قدر المستطاع الجمع بين الشعر والواقع. ولقد استعان جونيه في التصوير بفلتر خاص جدا من اللون الاخضر المطعم بالازرق يصعب وصفه لاضفاء طابع الخيال الساحر على الفيلم بعيدا عن التكلّف. ولكن نجاح هذا النوع من الأفلام الخيالية يعود إلى حد كبير للاعمال الأدبية، بدءاً من الرسوم المتحركة ومروراً بالروايات الكلاسيكية وحكايات الاطفال. بعد إخراجه فيلم «لقد مات بالفعل» العام 1998 وهو فيلم عصابات من بطولة بونوا ماجيمل، قام اوليفيه داهان بتصوير فيلم «عقلة الاصبع» وهي معالجة لقصة شارل بيرو تم تصويرها بالكامل في الاستوديو مع إيلودي بوشيه (الحائزة على السعفة الذهبية لأحسن دور نسائي في مهرجان كان العام 1999 عن فيلم «الحياة الحالمة للملائكة» لإيريك زونكا وكاترين دونوف).
العدد 23 - السبت 28 سبتمبر 2002م الموافق 21 رجب 1423هـ