عاش الحمار أزهى عصوره حتى نهاية القرن الثامن عشر إذ كان حتى ذلك الوقت أفضل وسائل النقل فضلا عن احتفاظه بمكانته اللائقة تاريخيا على رغم ما لاحقه من خزي وعار، إذ اعتبره المصريون القدماء رمزا للشر.
ولم يتوقف ظلم الحمار عند مخطوطات الفراعنة، فقد ظُلم طوال تاريخه وظل اسمه «سُبّة» يوصف بها الأغبياء أو الذين يؤدون أعمالا شاقة دون أن يبدوا أية شكوى أو ضيق، وعلى عكس السائد عنه يتميز الحمار دون باقي الحيوانات بالذكاء الشديد، ويقول الفرنسيون إنه من أطيب الحيوانات.
وفي مصر خصصت للحمير أسواق، ربما كان أشهرها السوق الأسبوعي في منطقة «بشتيل» في ضواحي محافظة الجيزة وقد خصص هذا السوق لتجارة الحمير والبغال وخيول الجر. ويبدو سوق «بشتيل» فريدا بين أسواق تعج بها مصر، فمن بعد عشرات الأمتار عنه تستطيع أن تميزه بسهولة من سحابات الغبار التي ترتفع في سمائه جراء حركة الحمير بأنواعها المختلفة والتي يصل عددها في بعض الأحيان إلى 800 حمار، وفي سوق «بشتيل» وعلى غرار أسواق السيارات المستخدمة حيث يتعين عليك - أولا - أن تدور بها عدة دورات أو تسير بها للأمام أو للخلف يبدو المشهد مألوفا عندما يمتطي أحد رواد السوق ظهر حمار ويسير به عدة أمتار أو يدور به دورة كاملة في السوق ليتأكد من حالته، وقوة بنيانه. وليست «العين الفاحصة» فقط هي المقياس في سوق «بشتيل» فما إن تخطو بضع خطوات حتى تجد أمامك سيارة طبية مجهزة تابعة لإحدى جمعيات الرفق بالحيوان تقدم العلاج والدواء والاستشارات الطبية مجانا للحمير والبغال والخيول الموجودة داخل السوق.
ويحفل سوق «بشتيل» بالكثير من السرادقات البدائية البسيطة منها ما يبيع كل ما يلزم لتزيين الحمير بداية من السرج الذي يصل سعره إلى ثلاثين جنيها أو الورود الصناعية التي يفضل البعض تعليقها في رقبة الحمار لتزيينه فضلا عن الأجراس والحبال، بينما بعض السرادقات الأخرى قد اتخذت شكل المقهى البلدي فالجلوس فيها يكون على الحصير التي يتم افتراشها على الأرض. ولا يصلح الحمار الحصاوي لجر عربات الكارو أو تحميل البضائع فوق ظهره، فهو مخصص للركوب فقط ويتم تجميله وتزيينه إذ يعد الأغلى ثمنا على رغم أنه لا يتميز عن غيره من الحمير فالحكاية كما يقول لنا العم محمود من رواد السوق «كل حمار وعلامه» أو بمعنى آخر حسب ما تم تدريبه عليه ويتراوح سعر الحمار في سوق «بشتيل» ما بين 200 إلى 250 جينها وبعضها يباع بسعر 500 وفي بعض الأحيان القليلة يصل سعر الحمار إلى ألف جنيه، وتتم عمليات البيع والشراء غالبا من خلال سماسرة موجودين بالسوق وفي حال إتمام عملية البيع أو الشراء يحصل السمسار على مبلغ يتراوح ما بين عشرة إلى عشرين جنيها من البائع ومثلها من المشتري وقد يرتفع المبلغ قليلا أو يهبط تبعا للسعر الذي انتهت إليه الصفقة.
وإلى جانب السماسرة هناك التجار الذين يقومون بالشراء في أسبوع ويقومون ببيع الحمير التي اشتروها في الأسبوع التالي بفارق سعر كبير.
وفي سوق بشتيل تباع خيول الجر جنبا إلى جنب مع الحمير، وان كانت أسعارها تختلف عن أسعار الحمير فهي تبدأ عادة من ألف جنيه وتصل إلى أربعة أو خمسة آلاف تبعا للسن والقوة والقدرة على جر الأحمال الثقيلة.
ويقو الريِّس مسعود إنه جاء إلى السوق ليبيع الحمار الذي يمتلكه ويشتري بدلا منه حصانا وعندما سألته عن السبب قال بتلقائية: «الإنسان لابد أن يتطور يا بيه»
العدد 23 - السبت 28 سبتمبر 2002م الموافق 21 رجب 1423هـ