قبل عشرات القرون كانت قوافل الجمال المحملة بالحرير والخزف والسلع الأخرى تمر عبر طشقند التي كانت تدعى آنذاك «تاتش» على درب الحرير العظيم. وكانت المدينة مركزا للمزارعين والحرفيين وتصدّر الذهب والأحجار الكريمة والفاكهة والجياد.
إلا أن هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليونين و 300 ألف نسمة لا تترك انطباعا أول عظيما لدى الزائر.
إن السماء الرمادية الشتوية الدائمة تشكل خلفية غير ملهمة للأبنية السكنية سوفياتية الطراز المطلية بطلاء ملون بدأ يتقشر، إضافة إلى صفوف المنازل الرتيبة ذات سقوف الألمنيوم المجعد.
طشقند، أي «القلعة الحجرية» ليس فيها شيء من الجمال الراقي للعواصم الأوروبية الغربية البراقة ولا من الغرابة المثيرة للشرق الأقصى. والحقيقة اسم «أوزبكستان» لم يكن مألوفا في الغرب قبل غارات القصف الأميركية لأفغانستان في الخريف الماضي.
ويقول مسئولو السياحة أن العام 2000 كان سنة الذروة لطشقند حيث زارها 450 الف شخص نصفهم من أبناء البلد بالمقارنة مع أكثر من 26 مليون سائح زاروا باريس وحوالي 22 مليونا زاروا روما.
إلا أن كون طشقند مجهولة نسبيا لدى الغربيين هو جزء من سحرها.
زوار المدينة يتحولون إلى مستكشفين في رحلة عظيمة. وتعتبر محطات القطار الأرضي المبنية من الرخام من أجمل المعالم في المدينة بما فيها من ثريات وفسيفساء، ولكن إياك أن تخرج الكاميرا من حقيبتك لئلا تتعرض للاعتقال، لأن القانون السوفياتي القديم الذي يمنع تصوير وسائل النقل الأهلي لا يزال معمولا به.
وقد غزا «جنكيزخان» المنطقة في القرن الثالث عشر ولكنه فقد السيطرة في القرن التالي أمام تركي موغولي يدعى «تيمور» الذي لقبه السكان المحليون «الأمير». هذا الأمير الذي عرف لاحقا باسم «تيمورلنك» كان غازيا لا يرحم ويقال أن جنوده كانوا يعبئون مدافعهم برؤوس بشرية مقطوعة خلال اجتياح جحافلهم لأرجاء القارة الآسيوية.
ولكن لا تستعمل عبارة «تيمورلنك» في طشقند لأن الاسم بالايرانية يعني «تيمور الأعرج». فالأوزبكيون تبنوه كبطل لهم وهم يتذكرونه كحاكم كريم وحكيم استطاع أن يضع حدا للفوضى وشجع العلوم والفنون.
وضمت روسيا المنطقة التي كانت آنذاك تعرف باسم «تركستان» في العام 1860. وفي العام 1924 تم تقسيم تركستان إلى عدة جمهوريات سوفياتية من بينها أوزبكستان.
وتخفي هندسة طشقند المعمارية الرتيبة تاريخها الفني. وقد هدمت القوات السوفياتية العديد من الصروح الدينية والمباني التاريخية بعد الثورة البلشفية ثم جاء زلزال العام 1966 ليدمر معظم ما تبقى من الأبنية القديمة.
النساء يعرضن على الزائر قطعا من السمك المخلل أو سلطة الجزر لإغرائه. التذوق مجاني وثمن الكيس الصغير من المعروضات ليس كبيرا.
وفي بازار قريب يساوم متسوقون على معاطف الصوف والجلود ومعاطف الفرو والأواني الخزفية والقرطاسية والألبسة الداخلية. وهناك الثياب المخملية والمطرزات البراقة والسجاد.
ومن الضرورات أن يزور السائح سوق «أولوي» في القسم الحديث وسوق «تشورسو» في البلدة القديمة، لمشاهدة أكوام السلع المعروضة للبيع، من رمان وقوارير طافحة بالعسل وقطع اللحم الهائلة والفلفل المجفف والزعفران والعنب والحمضيات.
إلا أن التسوق ليس الإغراء الوحيد لطشقند. فمسجد «تليشاياخ» الذي يقع في مجمع يدعى «خاست إمام»، في البلدة القديمة يقال أن فيه رابع اقدم مخطوطة للقرآن الكريم في العالم. والأعمدة الزرقاء داخل الجامع مزينة بآيات قرآنية بخط جميل للغاية.
ويضم المجمع أيضا مدرسة من القرن السادس عشر لتعليم القرآن وضريحا لأحد الأولياء. وهناك عدة مدارس مماثلة في أنحاء تحافظ على غرضها الأساسي وهو التعليم، مثل مدرسة «كوكيلداش» التي بنيت في القرن السادس عشر وهي مخصصة أيضا لتلقين الدروس الدينية للأطفال.
إنه «برودواي» طشقند، الشارع الرئيسي للمشاة حيث يتنزه شبان وشابات عصريون يدا بيد. وهناك تمثال للأمير تيمور ممتطيا جواده القوي بارتفاع 8 أمتار يطل على الشارع في وسط «دوار الأمير تيمور»، القريب من المتحف ومحطة القطارات اللذين يحملان الاسم نفسه.
ويعرض التجار على الزوار لوحات أصلية ومجوهرات وأيقونات أرثوذكسية وأغراضا مختلفة مفردة على شراشف مددت على الرصيف. ومن الأغراض الملفتة للنظر ميداليات سوفياتية قديمة للشجاعة تحمل نقوشا تمثل رأسي لينين وستالين، وهي تباع بحفنة دولارات.
إلا أنه يمكن شراء مثل هذه الميداليات بأسعار أدنى في تيجكوفكا، سوق البرغوت.
خدمة (أ. ب
العدد 29 - الجمعة 04 أكتوبر 2002م الموافق 27 رجب 1423هـ