خلال الحديث عن زيارة ليني ريفشتهال إلى الولايات المتحدة في العام 1938، للترويج لفيلمها «آلهة الملاعب» جاء ذكر السينمائي الألماني - النمسوي الأصل - فريتز لانغ باعتباره الرجل الذي نظم مقاطعة ليني في بلاد العم سام. وكان لانغ موجودا هناك منفيا من 5 سنوات بعدما هرب من النازية. ولكن هل كان لانغ نفسه معاديا للنازية أصلا؟
من الثابت، كما جاء في كتاب «الصورة والواقع» في فصل عن حياة لانع أن «المواقف العلنية الوحيدة التي ابداها فريتز لانغ لم تظهر إلا بعد وصوله إلى الولايات المتحدة، وفي ظل مناخ كان يهيمن عليه التعاطف مع كل من يعلن عداء للنازية»... أما قبل ذلك فإن معظم الأفلام التي حققها لانغ في المانيا حتى هروبه منها العام 1933، إلى فرنسا ومنها إلى الولايات المتحدة، كانت تحمل قدرا كبيرا من الالتباس، ولا سيما منها فيلمه الاساسي الكبير «ميترو بوليس» (1926). فلانغ حقق هذا الفيلم في وقت كان هتلر يعيش فيه انعطافته الرئيسية في اتجاه استلام السلطة، وكان يعتبر نفسه الشخص الذي كتب عليه ان ينقذ العنصر الجرماني من ذل الحرب العالمية الأولى. وفي ذلك العام عرض «مترو بوليس» الذي يتحدث عن العمال بوصفهم عبيدا يحملون الرأسمال المهيمن المتمثل في رأس مال كبير واحد. وذات يوم يحاول العبيد القيام بثورة لا تؤدي إلا إلى القرض. أما الصراع كله فيؤدي إلى المصالحة التي تلي اكتشاف الدكتاتور (رأس المال) والعمال معا أن «العقل واليد لا يمكنهما أن يعملا معا إلا إذا قام القلب بالتوفيق بينهما. واذا أدركنا أن «القلب» في الفيلم يحمل اسم «ميتلر» - هتلر؟؟ - وأن ثمة امرأتين تحملان اسم ماريا احداهما تبشر بخضوع العمال حسب الوداعة المستحية، والثانية ترمز إلى الثورة «الشريرة» التي تحرض العمال (ضد مصالحهم). واذا ادركنا ان الفيلم يتعاطف مع ماريا الاولى كما يتعاطف مع «ميتلر»، سوف يتبين لنا بكل وضوح ما يريد الفيلم قوله، خاصة وانه ظهر في وقت كانت المانيا تتخبط فيه وسط اضطرابات عمالية يسارية لم يسبق لها أن عرفت مثها. من هنا فإن «ميترو بوليس» وعلى رغم كل ما يمكن ان يقال عنه، لا يمكن النظر اليه - منطقيا إلا بوصفه فيلما يحمل الفكر النازي في أبسط معانيه وتفاصيله: فكر التوفيق بين «العمل» و«رأس المال» في بوتقة واحدة معادية للفكر الاشتراكي الذي يركز على التناقض بين الاثنين لصالح العمال، ولكن كذلك ضد الفكر الرأسمالي الذي يرجح كفة رأس المال.
ولنذكر هنا ايضا أن فريتز لانغ في فيلمه الألماني التالي «الجواسيس» (1927) جعل زعيم عصابة الاشرار شخصا يشبه لينين تماما، كما جعل العصابة تعمل لصالح السوفيات.
ولنذكر ايضا أن لانغ، الذي فكر غوبلز، من العام 1932 بأن يسند اليه مسئولية سينما الدعاية النازية، خاف وهرب على الفور، لأنه أدرك أن النازيين يريدونه لمواهبه وتقنيته، لكنهم سوف يرمون به عند أقل هفوة، بسبب ديانته اليهودية. ومن هنا كان منفاه طوعيا، لكنه ما إن وصل الى الولايات المتحدة راح يفسر أفلامه السابقة كما يحلو له، وصار من كبار الدعاة ضد النازية. وهو في هذا الإطار رتب مقاطعته زمليته ليني ريفشتهال حين وصولها الى الولايات المتحدة بتهمة التواطؤ مع النازيين
العدد 29 - الجمعة 04 أكتوبر 2002م الموافق 27 رجب 1423هـ