العدد 53 - الإثنين 28 أكتوبر 2002م الموافق 21 شعبان 1423هـ

البعد العولمي على المجتمعات المعاصرة

قد يكون الكاتب الكندي مارشيل ماكلوهان (1911 ـ 1980) من أوائل الكتاب الذين أبدوا اهتماما بالتأثيرات الاجتماعية والسياسية للاتصال التقني، وقدّم عبر مؤلفاته المختلفة تنبؤات كثيرة عن ذلك، وقد توقع في أواخر حياته بأن تقنيات الاتصال ستنتج في النهاية ما أسماه لأول مرة القرية الكونية، ومن أبرز مؤلفاته التي تطرقت إلى هذه المسألة «الحرب والسلم في القرية الكونية» (1968). وفي نهاية العام 1999 أصدر الباحث الفرنسي المعروف برونو لوساتو كتابه المهم «الثورة الثالثة» والذي لم يترجم بعد، وهو متابعة للجهد التفسيري الذي اختطه ماكلوهان ومحاولة للإجابة عن أسئلة القرن الحادي والعشرين وسيطرة النمط (الإنترنيتي) على الإنسان المعاصر وما أحدثه ذلك من هيمنة للمجموعات الصناعية الكبرى وفرضها لأحادية ثقافية على بقية الثقافات.

وفي الوقت الذي يخوض فيه العالم العربي تحديات هذه المرحلة الكونية ويتمتع في الوقت نفسه بخياراتها وبركاتها، فإنه لايزال يعاني من نقص كبير على مستوى الثقافة المعلوماتية العامة والوعي بطبيعة الحقبة الإلكترونية السائدة. ومن معالم ذلك يشير نجاح كاظم في مقدمة كتابه «العرب وعصر العولمة... المعلومات: البعد الخامس» إلى النقص الفاضح في الكتب والدراسات العربية التي تعالج موضوعات المعلوماتية والاتصالات الإلكترونية وفهم ما يسميه الكاتب «الطفرة المعرفية المكثفة» بوصفها حدثا ثوريا أرسى قطيعة إضافية في تاريخ البشرية. وبهذه الخلفية فإن هذا الكتاب يعد جهدا ملحا على صعيد الثقافة المعلوماتية وترسباتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويمكن أن يملأ جوانب من الفراغ الهائل الذي تعانيه المكتبة العربية في هذا المجال الحيوي والمتوقع له أن يكون مصدرا لبروز إشكالات إنسانية وفلسفية عميقة.

في الفصل الأول يسرد الكاتب مقاطع متنوعة من إنجازات العلوم ومراحلها المهمة، مشيرا إلى الجدل اليومي الدائر حول سلبيات وإيجابيات العلوم التكنولوجية وذلك بالنظر إلى المؤثرات العكسية التي تظهر على حياة الفقراء. وفي حين يتبختر العلماء باكتشافاتهم ويروجونها بفرح كبير على عموم الناس، يقف المؤرخون وعلماء الاجتماع إزاء ذلك موقفا محترسا، وقد أدت هذه العلاقة المتوترة إلى إعادة بحث المسألة الاجتماعية والأخلاقية في موضوع العلم والتكنولوجيا، كما أنتجت ميدانا منهجيا جديدا هو علم اجتماع العلوم والذي تطور إلى ما يسمى اليوم علم اجتماع المعرفة العلمية.

الفصل الثاني من الكتاب يعرض خلفية اكتشاف الإلكترون وبعضا من حياة مكتشفه طومسون، هذا العالم الإنجليزي الذي اكتشف العام 1897 الإلكترون ليحدث الانطلاقة الأعظم للحضارة الحديثة، إذ انعكس هذا الاكتشاف على معظم الإنجازات التحولية التي انتهت إلى الكمبيوتر وصناعة الرقائق الإلكترونية وتطور الإلكترونية الرقمية والاتصالات الإلكترونية، بالإضافة إلى التطبيقات الإلكترونية الثورية التي شهدتها علوم الفيزياء والذرة والطب والبيولوجيا والفلك وعلوم الفضاء. ويخلص نجاح كاظم إلى القول: إن تكنولوجيا الإلكترون أنتجت العالمية أو العولمة، وهي لها معطيان مختلفان: الأول، انكماش أطراف العالم نتيجة التقارب الحاصل بواسطة تقنيات الاتصال (القرية الكونية). والثاني، تمثل في تطوير مفهوم المحلية، إذ تيسر الاتصال العائلي وأتيح على نطاق أسهل وأوسع التقارب بين جماعات القرابة المختلفة.

يتناول الكاتب في بقية الفصول طبيعة المجتمع المعلوماتي القائم، والتطبيقات الإلكترونية المختلفة التي أتاحتها الثورة المعلوماتية المتسارعة، كما يستعرض بشكل مفصل البعد العولمي الذي تمارسه المعلوماتية على المجتمعات المعاصرة. ويخصص الكتاب فصلا لتناول المكونات الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والمعرفة وذلك بلغة تثقيفية ميسرة. وفي الفصل السابع يعرض الكتاب للوضع التكنولوجي في العالم العربي، إذ يعتقد نجاح كاظم أن أحد العوائق المهمة في عدم إيجاد أرضية تكنولوجية وإنتاج علمي هو العائق السياسي الذي تسببت فيه النظم الحاكمة، إضافة إلى نظرية المؤامرة التي انتقلت إلى الجوانب التكنولوجية والاقتصادية والثقافية. ولذلك فإن عملية توطين الصناعة الإلكترونية في البلدان العربية لن تلقى النجاح إلا إذا تحقق لديها الاستقرار السياسي والاستقرار المالي. أما الاستثمار العربي في مجال الاتصالات العصرية فهو يجد نجاحا في بعض البلدان العربية كالبحرين والإمارات العربية ودول خليجية أخرى، إذ تتمتع بقاعدة اتصالات الكترونية متطورة، إلا أن توسيع هذه العملية الإنتاجية يتطلب مزيدا من التدريب التخصصي العلمي والتمويل الكبير، كما لابد من تهيئة البنى التحتية من التنظيم الصناعي والشبكات الاتصالية المتكونة من الكابلات والفايبرات الضوئية وأجهزة الهاتف والكمبيوتر. وفي إطار الاستثمارات لابد أن تلعب الحكومات الدور الرئيس في توفير الاستثمار لتقديم الخدمات الجديدة كالمؤتمرات المتلفزة والإبلاغ المذياعي وخدمة الإنترنت.

في الفصل الأخير يطل الكاتب على مستقبل المعرفة المكثفة، إذ المتوقع أن تنفذ التكنولوجيا الرقمية خلال الخمسين سنة المقبلة إلى فعاليات المجتمع الإنساني بشكل أكبر، وستغير طبيعة الخدمات وأنماط العمل ووتيرة الحياة العصرية. ويشخص نجاح كاظم خمس مناطق رئيسية للتقنيات الفاعلة في منتصف الحادي والعشرين وتتضمن: تقنية المعلومات وتكنولوجيا النانو وتقنية المواد وهندسة الجينات والطاقة، كما أن هناك أهمية بالغة لموضوع البيئة والتقدم الطبي في تقنيات الدماغ والقلب. أما الأجهزة الجديدة التي سيشهدها القرن الحادي والعشرون فمنها ملف الميديا وهو عبارة عن جهاز صغير نقال يحتوي على شاشة ملونة كبيرة وقابلة لعرض البيانات والمعلومات من النص والصورة المجسمة. وهناك الجهاز الثاني الذي يقدم معلومات مسموعة دقيقة إضافة إلى تقنيات البريد الشخصي والسماح بثنائية وتعددية المحادثات في آن واحد. ويطور نوع ثالث من الأجهزة يطلق عليه الرجل المرئي الذي يحتوي على نظارات مشابهة لتلك المستخدمة في برامج الواقع الافتراضي التي توضع على الرأس، ويقدم الجهاز تسهيلات متعددة عند الاتصال بالشبكة النقالة.

وقد ألحق الكاتب في ختام الكتاب ملحقين مختصرين، الأول يسرد تاريخ أهم الاكتشافات الإلكترونية منذ العام 1800 وحتى العام 1990، والثاني يشرح باقتضاب أعظم اختراعات الـ 2000 سنة الماضية

العدد 53 - الإثنين 28 أكتوبر 2002م الموافق 21 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً