أحدث اكتشاف الالكترون ضجة عالمية خصوصا في الأوساط العلمية بجامعة كامبردج ومختبر كافندش بالذات. وجذب العلماء الكبار من مختلف أنحاء العالم للعمل في هذا المختبر كما هو الحال مع العالم الشهير راذرفود (Rutherford) من نيوزيلندا وتاونسند (Townsend) من إيرلندا وغيرهما من العلماء الذين لعبوا دورا مهما في صوغ اكتشافات القرن العشرين، وبالتالي انعكاس كل هذا على الحياة. يذكر أن تومسون مُنح جائزة نوبل لاكتشافه الإلكترون وإثباته انه جسيم بينما حاز ابنه جورج جائزة نوبل فيما بعد لإثباته أن الإلكترون في بعض الأحيان يتصرف كموجة وليس جسيما.
أول اهتمام شغل العلماء بعد اكتشاف الإلكترون هو دراسة حال الذرة والتي اعتبرت قبيل الاكتشاف انها أصغر جسيمة موجودة في الطبيعة وغير قابلة للتقسيم. والتجارب والنظريات التي تبعت الاكتشاف أثبتت ان الذرة مكوّنة من جسيمات أصغر، حيث تمكن العالم راذرفورد من اكتشاف البروتون ذات الشحنات الموجبة والعالم شادويك (Chidwick) النيوترون المحايد. هيأت هذه الإنجازات الأرضية لتكوين النموذج القياسي المستخدم اليوم في تفسير وضع الذرة والمتكونة من نواة وفي داخلها النيوترونات عديمة الشحنة مع بروتونات وبعدد الإلكترونات الموجودة نفسها في مدارات حول هذه النواة. وتم استثمار هذا الفهم العميق لخواص الذرة في المجالات السلمية بتمكين علماء الكيمياء من التلاعب بخصوات الإلكترون إلى تركيب مواد اصطناعية وتسخيرها في العمليات الكيماوية. وأدت هذه بدورها إلى فهم كبير لعمل الجزيئات في الجسم البشري، مما ساعد على تصميم الأدوية الجديدة لمعالجة الأمراض المختلفة.
لقد لعب الإلكترون دورا أساسيا في تطوير المجهر واستخدامه في علوم الطب والأحياء وفي اكتشاف خفايا الجسم البشري وحامض دي. ان. اي (DNA) في بداية الخمسينات، وبالتالي تبلور البيولوجيا الدقيقة (Microbiology) ومساهمة كل هذا في حقل هندسة الجينات.
كما ساهم الإلكترون بشكل فعال في مقياس الطيف الشمسي وعلم الفلك وانعكاسات كل هذا على أبحاث الفضاء بدءا بإطلاق أول قمر صناعي سبوتنكس (Sputniks) على يد الروس في العام 1957 ومرورا بنزول أول إنسان على القمر في رحلة أبولو 11 (Apolo 11) في العام 1969 إلى أبحاث مؤسسة «ناسا» وآخر المركبات الفضائية المتمثلة بغاليليو وباثفايندر وكاسيني وغيرها في اكتشاف أسرار المجموعة الشمسية.
وتعتبر أنبوبة الأشعة السالبة (وأحيانا ما تسمى بانبوبة كاثود) والتي اكتشف فيها الإلكترون هي الطريقة الوحيدة لرؤية الصور المتحركة من خلال إحداث حال الإنارة (الفلورسنس). وساهم هذا المبدأ فيما بعد في تطوير شاشات التلفزيون والكمبيوتر. واليوم نستخدم الأسلوب نفسه لتطوير هذه التكنولوجيا في المستقبل القريب، وذلك بتكامل التلفزيون مع الكمبيوتر مع شبكة الإنترنت. كما تعتبر أنبوبة الأشعة السالبة (كاثود) الطريقة الأساس في صناعة الذاكرات الإلكترونية المستخدمة بكثرة في الكمبيوترات والاتصالات الالكترونية. وبالمستوى نفسه، ساهم اكتشاف الإلكترون في تطوير العلوم الحديثة، وهيّأ لبلورة علم فيزياء الجسيمات الصغيرة (Particle Physics) إذ تم إلى الآن اكتشاف أكثر من 60 جسيما أساسيا. والأهم من ذلك التطبيقات العملية لفيزياء الجسيمات الصغيرة في تطوير الصمام الثنائي (Diode) والثلاثي (Triode) والمكبرات (Amplifiers) وتحسس موجات الراديو، ودور كل هذا في البث الإذاعي ثم تطوير التلفزيون فيما بعد. وربما تكون أهم التطبيقات الإلكترونية نجاحا هي تلك التي جرت في علوم المواد واستثمار حركة الإلكترونات في المعادن وأشباه الموصلات (Semiconductors). وقد ساهمت تكنولوجيا أشباه الموصلات في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية في احداث تحولات وتغيرات تقنية سريعة بدأت بتطوير الكمبيوتر واكتشاف الترانزستور في العام 1947 ودوره الكبير في ظهور أول رقيقة سليكون تجارية في العام 1968 والتي أدت إلى ظهور المعالج الصغري (Microprocessor) في العام 1969 ، وانعكاس كل هذا على ظهور تكنولوجيا المصغرات (Miniaturisation). أعلنت هذه التطورات ابتداء عصر المايكرو (Micro) والتحديات الكبيرة لمجتمع يعيش تحولات درامية. كما ساهم هذا التقدم الكبير بشكل أساسي في ظهور الإلكترونية الرقمية (Digital Electronics) في منتصف السبعينات وتقدمها بسرعة، مع زيادة تعقيدها، لتسيطر على معظم السوق الإلكترونية وتصبح تقنية شاملة ومتكاملة مع تطبيقات مهمة في التكنولوجيا الحديثة خصوصا في قطاع الاتصالات الحديثة كما في الأقمار الصناعية والتلفزيون الرقمي والكمبيوتر النقال، ناهيك عن دور هذه التحولات في بروز النظام العصبي لشبكة الإنترنت العالمية والتي اشتملت في العام 1998 على أكثر من 300 مليون كمبيوتر و146 بلدا و30 مليونا من المشاركين.
والأكثر أهمية من ذلك الانعكاس الحقيقي والواضح الذي خلفته التقنية العالية في التزاوج بين الكمبيوترات والاتصالات الإلكترونية الرقمية جاعلة الاتصال العالمي والآني إمكانية فعلية وواقعية. والذي نعنيه بالإلكترونية الرقمية هو استخدام الرقمين واحد وصفر أو ما يسمى أحيانا النظام الثنائي (Binary System) بدل الأرقام العشرة في النظام العشري (Decimal System)في عمل وميكانيكة الأجهزة الإلكترونية، وببساطة وجود واستخدام الكمبيوتر وتقنيته القادرة على ترجمة النظام الثنائي في كل تطبيق عملي. ولقد أصبح الأمر أكثر ملاءمة من الناحية العملية عند نمو الكمبيوتر الشخصي (PC) والذي يعتبر القلب النابض للتقنية الحديثة لسهولة تنقله من مكان لآخر. والأكثر من ذلك هو تطور تقنية الكمبيوتر في السنين الحديثة لإفراز ما يسمى بالكمبيوتر النقال (Lap Top). وبحسب علماء الكمبيوتر فإن التقدم الذي حصل في الـ25 سنة الماضية هو أكبر بكثير من الـ 25,000 سنة التي سبقتها في تاريخ الإنسان، بل إن بعض علماء شركة الاتصالات البريطانية (British Telecom) يرى أن السنوات العشر الماضية شهدت تطورات كبيرة في تقنية الرقائق الإلكترونية أو ما يسمى أحيانا رقائق الكمبيوتر(Computer Chips).
وفي الوقت نفسه كان هناك نمو نوعي في تقنية الاتصالات الإلكترونية (Telecommunications) نتيجة تقدم المعرفة في تقنية الإلكترونية الرقمية. وأدى هذا إلى خلق تطور نوعي في الترابط العضوي بين تكنولوجيا الكمبيوتر وتقنيات الاتصال.
نقف اليوم على أعتاب مرحلة بالغة الخطورة في التقنية المعلوماتية وتزاوجها المهم مع أجهزة الاتصالات الإلكترونية في جمع ومعالجة وإرسال المعلومات، مما قلص المكان والزمان، ومهد للدخول في مرحلة جديدة تماما في حياة البشر، جاعلا العالم كله «قرية كونية صغيرة».
ولقد أفرز هذا التزاوج ثلاث حقائق أساسية:
أولا: التداخل في عمل الأنظمة للتعامل مع معالجة المعلومات (الكمبيوتر) ومعلومات الاتصالات (أجهزة الإرسال والجمع).
ثانيا: عدم وجود فرق حقيقي بين اتصالات المعلومات والصوت والفيديو.
ثالثا: التداخل بين المعالج الواحد (Single Processor) والمعالجات العديدة في داخل الكمبيوتر وانعكاس كل هذا على الشبكات التي تربط هذه الحاسبات. وواحد من الآثار الواضحة لهذه التطورات هو اندماج شركات الكمبيوتر وصناعات الاتصالات في إنتاج كل ما تحتاج إليه تقنية المعلومات (Information Technology) من تصنيع الأجزاء الأساسية إلى الأنظمة المتكاملة.
نعيش اليوم في عصر تكامل الأنظمة في إرسال ومعالجة كمّ هائل من المعلومات والأرقام. ويتوقع لهذه التقنيات الحديثة أن تقود، في النهاية، إلى تحديد معايير الشركات في إنتاج نظام عام لتكامل كل الاتصالات، وبالتالي خلق مصدر واحد يسهل الوصول إليه في المعلومات والمعارف والأرقام
العدد 53 - الإثنين 28 أكتوبر 2002م الموافق 21 شعبان 1423هـ