العدد 53 - الإثنين 28 أكتوبر 2002م الموافق 21 شعبان 1423هـ

مصر تراقص المارد الصيني في الوقت الضائع

ثلاث مشكلات تواجه البرمجيات وخطة لزيادة صادراتها:

القاهرة - أحمد أبو المعاطي 

28 أكتوبر 2002


تعوّل مصر كثيرا على «قضم» قطعة ولو صغيرة من كعكة صناعة تكنولوجيا المعلومات في العالم ليس العالم الأول بالطبع (أميركا، اوروبا، اليابان) وإنما العالم الثالث الذي سمح بإنشاء سوق خاصة به في مجال «التخريم» على الكبار في هذه الصناعة المهولة، اسمها سوق خدمات تكنولوجيا المعلومات، وهي خاصة بالبرمجيات تحديدا وتزخر السوق العالمية بقائمة طويلة من الشركات العالمية في مجال تكنولوجيا المعلومات، ومعروف ان شركة آي . بي. إم الاميركية الشهيرة تعد اكبر موفر لخدمات تكنولوجيا المعلومات على مستوى العالم منذ سنوات كثيرة، و حققت العام الحالي دخلا من الخدمات قدره خبراء بـ 37,5 مليار دولار من إجمالي 80 مليار دولار هو إجمالي عوائدها.
غير أن كلفة الايدي العاملة المرتفعة في الدول الغربية، جعلت الكثير من الشركات تبحث لها عن مكاتب خلفية أو موردين لخدمات التكنولوجيا داخل البلدان النامية والاسواق الناشئة، وعلى رغم ان ذلك لا يتجاوز كونه «فتات على مائدة» صناعة التكنولوجيا فإن التكالب على هذا الفتات شهد ويشهد منافسة ضارية بين الكثير من البلدان في مقدمتها: الهند، الصين، إسرائيل، بولندا، الفلبين، مصر... وغيرها.
وكانت مصر بما لديها من كوادر بشرية مرشحة لاحتلال مركز متقدم في قائمة الدول المصدرة لخدمات تكنولوجيا المعلومات جنبا إلى جنب مع دولة مثل الهند، لكن ما حدث ان المسئولين عن صناعة البرمجيات المصرية توقفوا عن تحقيق الهدف عندما أصبحوا لا يكفون عن إعلان انبهارهم بالنموذج الهندي الذي حقق نجاحا كبيرا في هذا المجال وتجاوزهم بأشواط طويلة وأكسبهم عدة مليارات من الدولارات في شكل صادرات سنوية، فقد حققت صادرات الهند من البرمجيات العام 2000 ما مجموعه 6,2 مليارات دولار توزعت على اكثر من 100 دولة، ذهب 60٪ منها إلى أسواق الولايات المتحدة الاميركية وحدها.
وأخيراً وصلت برمجيات الهند إلى السوق المصرية نفسها وغزتها في عقر دارها على رغم ان المصريين كانوا يطمحون على الاقل إلى مجارات الهند في هذا المجال، وبينما من المتوقع ان تزيد الصادرات الهندية إلى 8,2 مليارات دولار بنهاية هذا العام لاتزال صناعة البرمجيات المصرية تتلذذ بالكسل إذ لا تتجاوز صادرات مصر من البرمجيات اكثر من 100 مليون دولار تطمح إلى زيادتها إلى 500 مليون دولار خلال 3 سنوات، وذلك على رغم الامكانات المصرية الجيدة نوعا ما مقارنة بالآخرين، فهناك الثروة البشرية وهي أهم ثروات مصر إذ متوسط نسبة السكان هو 20 سنة لأن 40٪ من عدد السكان تقل اعمارهم عن 25 عاما، بينما يصل متوسط العمر في الدول المتقدمة إلى 32,2 سنة. وتعد مصر هي اول دولة عربية انشأت وزارة للاتصالات والمعلومات، ولديها كوادر مدربة على مستوى عال ومؤهلة، وهو اول دولة عربية تفكر في إنشاء مشروع قرية ذكية للتكنولوجيا، سيجرى افتتاحها نهاية العام، وكان هذا المشروع تم طرحه لاول مرة في منتصف الثمانينات حينما كان رئيس الوزراء الحالي عاطف عبيد وزيرا للتنمية الادارية وطرحه تحت عنوان «وادي الاهرام للتكنولوجيا» والمشروع يضم ثلاث مراحل ويطمح إلى تدريب مليون طالب على استخدام تكنولوجيا المعلومات وفرز عشرات الآلاف منهم بوصفهم محترفين. ويبلغ معدل نمو صناعة الاتصالات والمعلومات في مصر 35٪ خلال السنوات الثلاث الماضية وتضاعف عدد العاملين بالقطاع من 10 آلاف شخص إلى 30 الفا حسبما تقول تقارير منظمة العمل العربية للعام الحالي 2002 والتي تؤكد ان مصر إحدى الدول المؤهلة للقيام بدور فعال ومؤثر في سوق صناعة البرمجيات.
ويبلغ حجم سوق المعلومات في مصر 700 مليون دولار تقريبا موزعة على النحو التالي: 350 مليون دولار لقطاع الاتصالات و 350 مليونا اخرى للبرمجيات وقطاعات تتعلق بالكمبيوتر والانترنت والخدمات المعلوماتية. وهناك خطة مصرية طموحة لزيادة صادرات البرمجيات إلى مليار دولار خلال العقد الحالي، وهي خطة حكومية تعد بمنح الشركات العاملة في هذا القطاع إعفاء ومزايا ضريبية وجمركية وتأهيل كوادر جديدة قادرة على الابتكار والتطور ومساندة ودعم هذه الشركات في مجال التسويق والتعاون مع الدول ذات الخبرة في هذا المجال، ودائما ما تشير الحكومة المصرية إلى مشروع «القرية الذكية» السالف الذكر والذي تتجاوز استثماراته 100 مليون دولار ويطمح المسئولون المصريون إلى ان يحاكي منطقة «بنجالور» معقل صناعة تكنولوجيا المعلومات الهندية. المصريون يعرفون - من جانبهم - أن المنافسة ستكون شرسة وخصوصا ان حجم سوق قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في الوطن العربي سيتجاوز 8 مليارات دولار تقريبا اي ان هناك كعكة «اقليمية» يتكالب عليها الجميع، والجميع هنا اولهم إسرائيل إذ توجد فجوة كبيرة بينها وبين الدول العربية عموما في مجال تصدير التقنية والمعلومات.
وأخيراً ارتفعت صادرات إسرائيل في هذا القطاع إلى 6,6 مليارات دولار توازي 39٪ من إجمالي الصادرات الاسرائيلية وتملك إسرائيل 130 شركة كبيرة تعمل في القطاع على رغم أنها وحتى العام 1993 فقط لم تكن لديها اية استثمارات اجنبية في هذا المجال، والأخطر من هذا كله انها تسعى إلى تسوية الارض سياسيا تمهيدا لاكتساح المنطقة اقتصاديا. ومجال تكنولوجيا المعلومات ليس ببعيد عن تفكيرها وهذا ما يقلق مصر لأسباب سياسية واقتصادية وغيرهما ويقلقها اكثر ان بداية صناعة البرمجيات لديها كانت جيدة إلى حد ما على رغم انها كانت بداية خجولة، ممثلة في شركة برمجيات محلية تقف على هامش مائدة البرمجيات تماما، لكنها تستعد للانقضاض، ولم تنقض بعد، بينما اسرائيل تقفز قفزات كبيرة سياسية واقتصادية وتحديدا تكنولوجية. اي ان هناك تراجعا مصريا عاما امام اسرائيل في ميادين شتى، تنظر إليها مصر على انها خطر حقيقي يتهددها بالزوال.
والهند وإسرائيل ليستا وحدهما ما تقلقان مصر في سوق تكنولوجيا المعلومات فهناك قوة جديدة بازغة هي الصين التي بدأت أخيراً تحركا كاسحا طارحة نفسها بديلاً للجميع في مجال خدمة تكنولوجيا المعلومات على المدى المتوسط والبعيد، ويرى «التنين الأصفر» انه قادر فعلاً على قلب الموازين رأسا على عقب خلال الفترة المقبلة، وهو يتحرك باتجاهين: الاول بصناعة البرمجيات عموما، والثاني يركز على مجال تصدير الكوادر البشرية مثله مثل الهند تمهيدا للاطاحة بها في نهاية المطاف من السوق تماما ومعها باقي الدول ذات الطموحات في هذا المجال ومنها مصر وحتى الآن لاتزال صادرات الصين من البرمجيات في حدود 200 مليون دولار، لكنها تتنامى بمقدار 25٪ سنويا.
ومن المتوقع ان تكون الصين اهم الاسواق العالمية التي تقدم خدمات تكنولوجيا المعلومات إلى شركات متعددة الجنسيات وقارات مختلفة في الفترة من 2007 إلى 2010، والصين لديها 200 ألف محترف في هذه الصناعة و50 الفا يلتحقون بسوق العمل كل عام.
والصينيون في وضع متقارب مع مصر، وموقفهم في سوق خدمات تكنولوجيا المعلومات لا يختلف كثيرا، لكن إذا حل العام 2007 من دون تغيير حقيقي في مصر ستخسر مصر المنافسة مع الصين كما خسرتها من قبل مع الهند واسرائيل والاحصاءات الحالية حتى على مستوى محيطها العربي لا تجعل مصر في المقدمة وتحتل قطر المركز الاول بين الدول العربية من حيث إنشاء اجهزة الكمبيوتر الشخصي تليها الامارات ثم السعودية والكويت والبحرين وتونس والاردن وأخيرا مصر ويبلغ حجم الواردات المصرية من السلع والخدمات في مجال تقنية المعلومات والبرمجيات ما يقارب 700 مليون دولار سنويا في وقت لا تتحرك صادرات البرمجيات عن الرقم 100 مليون، اي ان السوق المحلية عاجزة عن تدبير احتياجاتها بنفسها، وأخيراً بدأت مصر خطوات عملية لايجاد بيئة قانونية وتشريعية ومعايير تكنولوجية ملائمة لتشجيع التجارة الالكترونية فقد انتهت وزارة الاتصالات والمعلومات بالتعاون مع الادارة العامة للتشريع بوزارة العدل من إعداد مشروع قانون لتنظيم التسويق الالكترونية تمهيدا لعرضه على مجلس الشعب وإصداره في اقرب وقت. وتستهدف البنية التشريعية الجديدة التكيف مع الخط التجاري الحديث وايجاد الاطار القانوني والمؤسسي المناسب لتطبيق التجارة الالكترونية وسد الفراغ التشريعي في هذا المجال لتواكب مصر هذه الوسائل الجديدة في المعاملات بين الاطراف.
ويأتي حرص الحكومة المصرية على ظهور قانون التوقيع الالكتروني في الوقت الذي ارتفع فيه حجم التجارة الالكترونية في العالم إذ بلغ عدد الشركات العالمية في هذا المجال 600 الف شركة تصل استثماراتها إلى 3,2 ترليونات دولار خلال العام المقبل إلا أن حجم التجارة الالكترونية في مصر لا يتعدى تجارب ضرورية ومحدودة ولم تتجاوز استثماراتها مليون جنيه.
ويشير الخبراء إلى ثلاث مشكلات اساسية تواجه التجارة الالكترونية وتقف حجر عثرة امام نشاطها في مقدمتها عدم وجود سوق عربية مشتركة والمنافسة الاجنبية وقدرتها على اختراق الاسواق في الترويج للسلع بالاضافة إلى عدم وجود تشريع مناسب لتأمين وحماية التجارة الالكترونية.
ويقول الاستاذ بتجارة عين شمس محمد بسيوني ان التجارة الالكترونية بدأت في التسعينات ولكنها ولدت عملاقة ويتزايد حجم التعامل بها سنويا 200٪ ومن المتوقع ان يصل حجم الاستثمارات فيها إلى 2,3 تريليون دولار نهاية العام الحالي. بما يمثل نحو 5٪ من جملة التجارة في العالم ويلوغ عدد الشركات المعارضة نحو 600 الف شركة مع منتصف العام الحالي ومضاعفة رأس المال المستثمر في كل من هذه الشركات وتزايد عدد المشتركين ليصل إلى مليون شخص الامر يؤكد القدرة المتزايدة للتجارة الالكترونية في العالم. ويضيف بسيوني ان السوق هي المحدد للانتاج والموجه له سواء على المستوى المحلي أو على مستوى التجارة العالمية، إذ ان السوق ثلاثة اركان لا رابع لها وهي الوقت والمكان والسعر وهي متوافرة على شبكة الانترنت، لذلك يتوقع العارضون والمستهلكون ازدهار هذه السوق التي يتم فيها الوفر في الوقت والكلفة وسهولة انسياب السلع.
ويؤكد ان حجم التجارة الالكترونية في اميركا والسوق الاوروبية كبير جدا، إذ تزايد حجمها في الولايات المتحدة الاميركية من 8 مليارات دولار العام 1994 إلى 23,1 مليار دولار العام 2001 وبلغت في اوروبا 298 مليون دولار مشيرا إلى ان غالبية العمليات التجارية الالكترونية تمت بين مؤسسات بنسبة 92٪ في حين ان العمليات التي تمت بين مؤسسات ومستهلكين لم تتعد نحو 8٪ مشيرا في الوقت ذاته إلى صعوبة التكهن بمكانة مصر داخل وخارج هذه الاسواق.
ويشير محمد بسيوني إلى ان التجارة الالكترونية في مصر لا تتجاوز تجارب فردية ومحدودة للغاية إذ ان السلع التي يتم تبادلها من خلال شبكة الانترنت يتركز معظمها في الكتب وادوات الحاسب الآلي. وهذه لم يتجاوز حجمها مليون جنيه العام 1999. وقام بعض الشباب بإنشاء شبكات لبيع السيارات المستعملة وبعض المنتجات المعمرة.
وفي تقرير صادر عن جمعية رجال الأعمال المصريين عن التجارة الالكترونية جاء فيه ان الشركات المصرية مازالت حتى الآن تفضل الاسلوب التقليدي للتجارة، وان استخدام شبكة المعلومات العالمية الانترنت مازال محدودا جدا، وذلك لوجود الكثير من العوامل في مقدمتها عدم وجود قانون مصري حتى الان للتوقيع الالكتروني، وكذلك عدم وجود قانون ينظم عمليات التجارة الالكترونية. وقصور استخدام بطاقات الائتمان والتي مازال استخدامها محدودا جدا بين المواطنين المصريين.
ويضيف التقرير ان الكثير من المحاولات بذلت لتشجيع الشركات المصرية على التعامل تجاريا مع الشركات العالمية من خلال شبكة الانترنت إلا انها مازالت محدودة جدا. ويقتصر معظمها على مجال المأكولات إذ قام الكثير من المطاعم المصرية بإنشاء مواقع لها على الانترنت تقوم من خلالها ببيع الوجيات الا أن تحصيل النقوذ يتم نقدا وليس باستخدام كروت الائتمان وهناك ايضا محاولة لشركة مصر للألومنيوم خاصة في مجال شراء الخدمات الرئيسية من الاسواق العالمية عن طريق التجارية الالكترونية، كما بدأت الشركات العقارية في عرض الوحدات السكنية الخاصة بها من خلال الشبكة.
ويؤكد التقرير ان هناك آفاقا واسعة لنمو هذا النوع من التجارة مستقبلا وخصوصا ان الشركات المصرية لا تستطيع التخلف عن مواكبة التغيرات العالمية في هذا المجال. كما ان صدور قانون التجارة الالكترونية والتوقيع الالكتروني والتوسيع في استخدام الحاسبات الشخصية ونمو عدد مستخدمي الانترنت سيشجع الشركات والافراد على التبادل من خلال الانترنت.

العدد 53 - الإثنين 28 أكتوبر 2002م الموافق 21 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً