لم يأتِ اختيار شخصية القرداتي عم ركبة (حسن حسني)، ذلك الأعرج الذي تعدى الخمسين من عمره، لم يأتِ هذا الاختيار عشوائيا، بل لأن هذه الشخصية تشكل نافذة حقيقية، تؤدي بنا الى دواخل الشخصيات الأخرى، نظرا لخبرته في هذه الحياة بحكم سنه، وفهمه الواضح للواقع المحيط به... شخصية مركبة ترتبط بعلاقات متنوعة مع الآخرين، وتدخل في صميم مشكلاتهم. وهي على رغم موتها - في الربع الأخير من الفيلم - فان فعلها الدرامي وتأثيرها على الأحداث يظل يسري في روح الفيلم وشخصياته. فهي شخصية ذات أبعاد ومقومات درامية فلسفية فطرية، ساهمت في توضيح بناء الفيلم الإجتماعي وتوضيح الكثير من الأبعاد الاجتماعية والنفسية التي تقوم عليها بقية شخصيات الفيلم.
فعم ركبة هذا، نراه يهيم بحب رمانة (حنان ترك) أخت أحلام، إلا أنه يخجل من الإفصاح عن حبه هذا، وذلك لإحساسه بالفرق الواضح بينه وبينها. وحتى عندما يبوح بسره هذا، وهو في لحظة صفاء وتجلٍ، الى صديقه عوض، نرى صديقه هذا لا يستوعب هذا الحب ويبدأ في الضحك والسخرية منه. لذلك فهو يكتم حبه هذا لنفسه، ويكتفي بمتابعة رمانة عن بعد، يساعده في ذلك المنظار الذي بحوزته، في تقصي خطوات رمانة. وفي أكثر من مشهد تتوضح أكثر شخصية عم ركبة، وتتوثق علاقته بمن حوله وبالمتفرج أيضا. فمثلا مشهد طلوع الشمس في الفجر، يشكل رؤية فلسفية وفنية، ونحن نرى عم ركبة وهو يهز الدف ويناجي الشمس بأن تطلع، داعيا أن تتحقق أحلامه، في يوم كهذا.
وتتألق شخصية ركبة هذا في مشهد رومانسي شاعري يعد من بين أجمل مشاهد الفيلم. ففي إحدى الليالي القمرية، يصادف أن يشاهد عم ركبة حبيبته رمانة في فرح بنت الجيران، فيبدأ في الدق على الدف بعد أن شاهدها تهم بالرقص. ويزداد المشهد حرارة وتألقا وعم ركبة في نشوة لا تعادلها نشوة، وهو يرى حبيبته ترقص على ضربات أصابعه بالدف، وتتلوى أمامه بقوامها المياس الى أن ينهكها التعب فتتوقف. لينسحب هو بعد ذلك شارد الذهن في ملكوت أحلامه وهيامه وعشقه، فتتبعه رمانة التي شعرت بهذا العشق الذي يختزنه ركبة تجاهها. يبتعد عن ضجة الفرح ليختلي بنفسه مع زجاجة الويسكي، وفجأة يرى أمامه رمانة بشحمها ولحمها، وكأنه مازال يعيش في أحلامه، وبعد أن يكتشف حقيقة ما يراه وتلامس أصابعه وجهها وجسمها، ينطلق فرحا ويتمنى الطيران في تلك اللحظة غير العادية، من غير أن يدري بأن الموت ينتظره على حافة الهضبة
العدد 58 - السبت 02 نوفمبر 2002م الموافق 26 شعبان 1423هـ