هناك صفقة رئيسية من القوانين الاصلاحية - تحرير شبكة الكهرباء الوطنية من القيود التجارية - في طريقها أخيرا عبر البرلمان الروسي. لقد تمت القراءة الأولى لمشروع القانون الذي طال انتظاره وتم اقراره بأغلبية كبيرة بعد نقاش جاد ومساومات من وراء الكواليس. وبعد قراءتين أخريين سيتم توقيعه كقانون بنهاية العام. ان تقسيم شبكة الكهرباء مع القانون الذي يجيز بيع الأراضي الزراعية والذي اصبح نافذ المفعول في مايو/ آيار الماضي تُشكل عناصر حاسمه في الانتقال المؤلم للاقتصاد الروسي من فوضى التخطيط المركزي الفاشل لكي يصبح اقتصاد سوق عادي.
وتعتبر هذه الاجراءات كما يرى الكثير من المحللين الغربيين وكبار رجال الاعمال الروس أقل ما يمكن عمله لجعل الانتعاش الاقتصادي الروسي الناشئ غير قابل للنكوص. ولكن هذه الاجراءات تبقى مثارا للخلاف بين السكان - والذين كان رد فعلهم حذرا بدلا من الشعور بالسعادة. كذلك فإن المستثمرين الغربيين مازالوا مترددين في الالتزام بالقيام بعمليات استثمارية في روسيا. واكثر المستثمرين ترددا هم من البريطانيين.
لذا فإن زيارة كبار رجال الاعمال البريطانيين إلى روسيا والتي تمت تحت رعاية اتحاد الصناعة البريطانية (ة) يمكن النظر اليها كواقعة طفيفة لما قد يحدث مستقبلا.
وقد أقام اتحاد الصناعة البريطانيه (ة) علاقة رسمية مع الاتحاد الروسي للصناعيين والمتعهدين - وهي مجموعة ترجع جذورها إلى النخبة التي كانت موجودة في العصر السوفياتي السابق والتي يقوده اعضاء في حكومة القلة اكثر الروس غنى ونفوذا وطموحا. كان هناك تغيير ملحوظ في تركيبة المجموعة البريطانية. فكما هو الحال دائما كانت قطاعات النفط والغاز ممثلة بشكل قوي، ولكن المجموعة ضمت ايضا ممثلين كبار من قطاع الصيرفة (باركليز كابيتال وسيتي بانك - ومن الشركات الموجهة للمستهلكين مثل تسكو. وقد قاد المجموعة رئيس اتحاد الصناعة البريطانية، جون ايجان والمدير العام وبعد أحد عشر عاما تقريبا من انهيار الاتحاد السوفياتي وبعد اربعة اعوام من ازمة التخلف عن سداد الديون العام 1998 والتي جعلت المصارف معسرة وأدت إلى انخفاض الروبل بشكل حاد وهروب المستثمرين. ومع أن هناك مؤشرات على بدء عودة الثقة من قبل الشركات الغربية، إلا أن هذا لا يحدث بالسرعة والقوة التي كانت روسيا تأمل بها.
إن أنصار الاقتصاد في موسكو يجدون من الصعب فهم السبب في قلة الاستثمارات الاجنبية والاهتمام مع أن المؤشرات الاقتصادية الحديثة للاقتصاد الروسي - على الورق على الاقل - تعتبر نموذجية. لقد أفلتت روسيا إلى حد كبير من تداعيات الركود العالمي. ويرجع السبب في ذلك إلى انعزالها وانفتاحها القليل نسبيا على التجارة العالمية وارتفاع أسعار النفط.
ومن المتوقع ان تحقق الحسابات الجارية وموازنات التجارة الخارجية والمحلية فائضا بنهاية العام وأن تصل نسبة النمو إلى اكثر من 4% .
أما السبب الأخر في قوة أداء الاقتصاد الروسي فهو ضريبة الايرادات المرتفعة. إن تخفيض النسبة الاساسية لضريبة الدخل من 34 % إلى 13% - وهو أدنى مستوى في أوروبا - أحدث ارتفاعا حادا في العائدات إذ اجاز الناس الدخل والمدفوعات في السوق السوداء. ومازال الالتزام ضعيفا - بحيث لاتزال السوق السوداء تمثل 40 % من اجمالي النتاج الداخلي - ولكن الاتجاه ايجابيا. إن الجملة القانونية للمستثمرين ورجال الأعمال تشهد تحسنا، ويقول المحامون الغربيون الذين يعملون في روسيا إن التحيز لم يعد موجها ضد الشركات الاجنبية والتي بدأت تكسب قضايا، خصوصا المتعلقة منها بالضرائب عن الاستئناف.
اما بالنسبة للأجور - فمع بعض الحالات الاستثنائية على المستوى المحلي - فإنها تدفع في وقتها وأصبح هناك شعور جديد بالاستقرار السياسي ما يقوي ثقة الجمهور في الاقتصاد. وطبقا للتقديرات فإن شعبية الرئيس فلاديمير بوتين وصلت إلى نسبة غير مسبوقة وهي 70 % وينظر إليه على أنه يسير باتجاه الفوز بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى خلال عامين. وتظهر الأدلة على تحسن الوضع الاقتصادي في روسيا على الشارع الروسي. ففي موسكو تفتتح محلات ومطاعم جديدة كل اسبوع تقريبا. وكان آخر مشروع تجاري كبير في موسكو هو هابير ماركت أوكان الضخم الذي يبيع اشياء متنوعة، مثل المحلات خارج باريس.
ويوجد لأميركا فرع من اكبر الفروع في أطراف موسكو.
لقد اصبح الروس يلبسون بشكل افضل ويتناولون غذاء أفضل مما كان عليه الحال منذ خمس وعشرين عاما. وكما يحذر البعض فإن موسكو قد اصبحت عالما آخر «بلدا اجنبيا» بالمقارنة مع بقية المناطق الروسية، ولكن التحسينات بدأت تظهر ليس فقط فيما يعرف بروسيا الأوروبية بل اصبحت النقود المتطورة أقل جذبا وموزعة بشكل اكبر مما كانت عليه قبل الانهيار الذي حدث العام 1998.
إذا لماذا تغرق روسيا بالاستثمارات الاجنبية؟ إن سوء الحظ من أحد الاسباب. لقد بدأت براعم روسيا الخضراء في الظهور عندما بدأ الاقتصاد الغربي في الاتجاه نحو الركود إذ أن المانيا - المستثمر الرئيسي في روسيا - لها مشكلاتها الاقتصادية الخاصة. ويجب عدم التقليل كذلك من التأثير النفسي لأنهيار العام 1998 على المستثمرين الاجانب المفرطين في التفاؤل والثقة. ويرى اكثر المتعهدين الروس نجاحا واكثر الاقتصاديين اصلاحا أن الفائض في الموازنة هي رد فعل مبالغ فيه للتخلف عن ايفاء الديون العام 1998 ومنع لذلك النوع من الاقتراض السليم المطلوب للنمو.
ربما تكون الاجراءات التنظيمية والقانونية قد استقرت ولكن البيروقراطية المصاحبة لم تكبح إلا بشكل بطيء.
إن عدد التوقيعات التي يحتاج إليها لتأسيس شركة ربما تكون قد انخفضت من 50 % إلى 15%، ولكن هذا يعني أنه مازالت هناك خمسة عشر فرصة لا ستجداء الرشوة.
ومع أن عمليات الابتزاز وإلغاء العقود والخطف قد قلت بشكل جاد منذ أوائل التسعينات إلا أن الرشوة مازالت في ازدياد طبقا لما جاء عن مجموعة محاربة الفساد «ترانسبيرنس انترناشينال» (الشفافية الدولية).
خدمة الأندبندنت خاص بـ «الوسط
العدد 69 - الأربعاء 13 نوفمبر 2002م الموافق 08 رمضان 1423هـ