العدد 72 - السبت 16 نوفمبر 2002م الموافق 11 رمضان 1423هـ

إنه صوت بن لادن مرة أخرى

إنه هو صاحب الصوت المسجّل على الشريط. إنه حي يرزق. استغرق الأمر فقط مكالمات هاتفية قصيرة إلى الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا عبر أكثر المصادر الموثوق بها لتؤكد أن اسامة بن لادن لايزال على قيد الحياة، انه صوته الأجش الذي يرعب الغرب في مونولوج قصير بثته قناة الجزيرة العربية.

إذا مازال معنا البليونير السعودي الملتحي، رجل الكهف الزاهد، «الشرير الأول»، الذي تطلبه عبثا أكبر قوة على وجه الأرض. إنه اللغز الحقيقي!

وكالعادة كان رد مسئولي الاستخبارات الأميركية (بطال الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الذين سمعوا عن عرب يتدربون على الطيران ولكن لم يقرروا أن يخبرونا في وقتها) لوسائل الاعلام الأميركية عبارة عن «هراء»: ربما يكون هو، من المحتمل أن يكون هو، ربما يعني الصوت الأجش أنه أصيب! انه يتحدث سريعا لأنه ربما اصيب على أيدي جنودنا.

كل ذلك غير صحيح. لكن الولايات المتحدة أجبرت أخيرا على الاعتراف بأن الرجل الذي ادعى بعضهم أنه مات مازال بالتأكيد حيّا على وجه الارض، يطلق نوعا من التهديد الذي يخلق أسوأ كابوس لدى الزعماء الغربيين، وأفضل الأحلام للصحافيين الأميركيين!

يقول الرجل «كما تقتلوننا سنقتلكم». وعندما تم تسجيل هذا الشريط لم يكن اسامة بن لادن يتحدث في جهاز تسجيل كاسيت، انه يتحدث في هاتف. ويمسك الرجل في الطرف الآخر من الخط - غالبا ما يكون في باكستان - بجهاز التسجيل. ربما لا يكون في المدينة نفسها التي فيها الرجل الذي قام بالتسجيل وليس بالضرورة أن يكون في الدولة نفسها.

يتحدث بن لادن دائما بهدوء، صوته سريع والسبب في ذلك واضح بالتأكيد: بطارية المسجل منخفضة، وعندما أعيد انتاج الشريط في قناة الجزيرة بالسرعة الملائمة، ارتفع الصوت.

انني اعرف بن لادن، على رغم أنني لم التقه بعد حوادث سبتمبر، ولكنني أفهمه عبر تلك السنين. لكن الكتابة عنه الآن تعتبر من الأعمال الصحافية الصعبة. يمكن أن تقول ما تشاء عنه، يمكن ان تقول ما تعتقد أنه صحيح، ويمكن ان تتساءل لماذا قدّم هذا الشريط؟

وتأخذ القصة عمقا آخر من خلال اسئلة: لماذا؟ ولِمَ؟ ولماذا الآن؟ انها تتطلب طريقة جديدة قاسية من الكتابة لتقول الحقيقة، مع استخدام علامات الأقواس والترقيم. وتختلط المعرفة والشك والاحتمالات والتوقعات بعضها بعضا.

بن لادن نجا من القصف المركز على جبال تورا بورا. هذه حقيقة. بن لادن هرب باتجاه باكستان، هذا احتمال. بن لادن في المملكة العربية السعودية، حجة متصاعدة.

ومع ذلك تعتبر القصة مقلقة جدا للغرب. إنها قصة تصعب كتابتها، وأخشى من دلالات هذا الشريط. إحدى رسائله إلى بريطانيا - من بين الآخرين بعد الولايات المتحدة - هي التحذير. كان طوني بلير محقا (مرة واحدة) عندما حذر من المزيد من الهجمات على رغم أن مكالمة بن لادن الهاتفية لم تكن مراقبة ولكن هو بن لادن المسجل على الشريط.

واذا ما بدأنا بتورا بورا في خريف العام 2001، وتحت القصف الكثيف من قبل القوات الجوية الأميركية، ادرك مقاتلو القاعدة انهم لا يستطيعون الصمود كثيرا في سلسلة الجبال البيض المطلة على جلال اباد. كان بن لادن معهم، وقد تطوّع رجال القاعدة بالقتال حتى الموت ضد جنرالات الحرب الأفغان الذين يدفع لهم الأميركيون الأموال، ورفض بن لادن في البدء أن يغادر رجاله بحجة أنه يريد الاستشهاد معهم وأصر عليه حراسه الشخصيون المخلصون ومستشاروه الأوائل أن يغادر.

وفي النهاية غادر تورا بورا في حال من الألم المبرح وهبط به حراسه مسرعين إلى سطح احد الجبال في رعب شديد، تماما كما أخذ نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني من قبل رجال الأمن إلى «أسفل» البيت الابيض عندما هاجم مختطفو القاعدة واشنطن في سبتمبر 2001. كل هذا جاء تحت علامة «مصدر موثوق!».

اذا كان قد هرب على ظهر حصان أبيض - وهي حكاية جاءت أصلا من أحد رجال تحالف الشمال في جلال أباد - فإن هناك أشكالا واذا كان يستطيع أن يمتطي حصانا فإن السفر به تحت النيران يعتبر مجازفة. كما ان الحصان الأبيض يمكن أن يرى في الليل!!

ذهب بن لادن إما إلى كشمير (احتمال شبه مستحيل) أو إلى كراتشي (اكثر احتمالا). أقول ذلك لأن بن لادن افتخر أمامي ذات مرة بمؤيديه من بين العلماء السنة في هذه المدينة الباكستانية العظيمة الحارة. ودائما يتحدث عنهم بأنهم اخوانه. وقد أعطاني ذات مرة ملصقا باللغة الاردية صنعه أولئك العلماء في كراتشي. ويجب دائما أن يقتبس بدعواتهم إلي. لذلك سأذهب إلى كراشي ولكن ربما أكون مخطئا.

في الشهور التي تلت، كان هناك قليل من التلميحات الطفيفة بأنه مازال حيا، كرائحة تبغ في حجرة بعد ان غادرها المدخن لايام عدة. ويجزم احد مؤيديه انه مازال حيا (وهي حقيقة ولكنها من مصدر غير موثوق به!). يحاول ان يجد طريقا للتواصل مع العالم الخارجي من دون ان يقابل اي شخص غربي. وهذه حقيقة مطلقة. يعتبر الشريط قبل الاخير جديدا وقد انكرته «مصادر الاستخبارات الاميركية» المشهورة باعتبار انه قديم لانه لم تذكر فيه اي من الحوادث منذ سبتمبر 2001 (وهو احتمال قوي يدعمه مصدر قوي ولكنه غير موثوق).

اذا لماذا الآن؟ طبعا يدخل الشرق الاوسط فترة جديدة اكثر مأسوية في تاريخه، تمزقه حرب دموية بين الاسرائيليين والفلسطينيين، ويواجه تداعيات غزو انجلو - اميركي محتمل للعراق. وادرك بن لادن الحاجة الملحة إلى مخاطبة العالم العربي مرة اخرى. وعلى رغم أن التهديد في شريطه الاخير موجه مباشرة إلى بريطانيا والدول الغربية الاخرى، فإنه موجه بالاساس إلى اكثر مستمعيه اهمية من المسلمين العرب.

وبحسب وجهة نظره فإن صمت العالم العربي في هذه الظروف من تاريخ الشرق الاوسط غير مبرر ولا يغتفر. وكي يرد على المزاعم بأن شريطه كان قديما، سرد الضربات الموجهة إلى القوى الغربية منذ افتراض «موته»:

تفجير الفنيين الفرنسيين في كراتشي، والمعبد في تونس، وبالي، واحتجاز الرهائن في مسرح موسكو وحتى مقتل الدبلوماسي الاميركي في الاردن. نعم، انه يريد ان يقول انه محيط بجميع هذه الحوادث، ويعرب عن موافقته عليها. انه يخبرنا انه موجود، ربما يتأسف العرب لهذا العنف ولكن قليلا منهم لا يبدون تعاطفا مع هذه الحوادث. وسط البربرية الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين والتهديد الاميركي للعراق، ربما على الاقل يعد عربي واحد لضربة اخرى. هذه هي رسالته إلى العرب. وبن لادن يكره صدام حسين، ويشمئز من تصرفاته غير الاسلامية، ومن علمانيته واستغلاله للدين لحشد التأييد لـ «حزب البعث» الذي تأسس على يد شخص مسيحي. وتعتبر محاولة اميركا الربط بين القاعدة والنظام العراقي احدى اكثر مزاعمها المنافية للواقع. وطالما سمعت بن لادن يعبر عن مدى مقته لصدام حسين. اذا اشاراته إلى «ابناء العراق» تعتبر خداعا. فهو لا يذكر شيئا عن حكومة بغداد او صدام.

في العام 1996، اخبرني بن لادن ان القوات البريطانية والفرنسية في المملكة العربية السعودية ستتعرض لمخاطر هجمات كما تتعرض القوات الاميركية. وفي العام 1997، لم تكن اهدافه هذه قائمة، بأن القوات البريطانية والفرنسية الآن مستثناتان من اي هجوم محتمل. لكنهما في شريطه المسجل الجديد، عادا ضمن قائمة الاستهداف المتضمنة فرنسا، كندا، ايطاليا، المانيا واستراليا، وبريطانيا على رأس القائمة.

الرسالة لنا - نحن في الغرب - بسيطة وتم ترديدها ثلاث مرات. اذا رغبنا في دعم جورج بوش - فرعون العصر - فسندفع ثمنا لذلك.

«ما الفائدة من انضمام حكوماتكم إلى عصابة من المجرمين في البيت الابيض ضد المسلمين؟». لقد سمعت بن لادن يستخدم عبارة «عصابة مجرمين» مرتين في محادثة معي من قبل، و«عصابة مجرمين» تعني في الغرب «القاعدة».

اذا ماذا بعد؟ قبل اسابيع قليلة سألني احد مستمعي محاضرة في جامعة اميركية: اين تعتقد سيكون الانفجار المقبل؟ الكلمتان اللتان فكرت فيهما حينذاك: «ناقلة نفط». جاءت هذه ضمن «تخمين عام». ولكني لم ارد الافصاح لأي انسان عن اية افكار، ولذلك لم اصرح بشيء.

في الاسبوع التالي، ضرب تنظيم القاعدة الناقلة الفرنسية قبالة سواحل اليمن، والآن تجول في ذهني اسوأ الافكار، وأفضل ان انهي قصتي.

الإندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 72 - السبت 16 نوفمبر 2002م الموافق 11 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً