هناك طريقتان فعالتان لتفسير الانتخابات النصفية التي جرت في الولايات المتحدة حديثا. فمن ناحية نجح الجمهوريون فباتوا يسيطرون الآن على الكونغرس والبيت الأبيض على حد سواء. ومن ناحية أخرى بقيت أميركا بيتا منقسما على نفسه بالتساوي. فإذا كان مقعدان اثنان يمكن أن يوصلا إلى مجلس الشيوخ، وأصوات انتخابية معدودة يمكن أن توصل إنسانا إلى البيت الأبيض، فإن الأمر لم يعد «تفويضا» لمن سيفوز.
ونتائج الانتخابات الأخيرة لا تغير شيئا من هذه الحقيقة الأساسية في السياسة الأميركية. وسيستمر التصادم بين مفاهيم انتخابات العام 2002 هذه ليؤثر على سلوك إدارة الرئيس جورج بوش، وتفاعل الجمهور الأميركي، وحتما سيؤثر على بقية العالم خلال السنتين المقبلتين.
السياسة تتحدث عن أرقام ورموز، وفي كلا الجانبين تفوق الجمهوريون. والأرقام تتحدث عن نفسها هنا، فقد زاد الحزب الجمهوري من غالبيته في مجلس النواب وعاد إلى السيطرة على مجلس الشيوخ مرة ثانية. وربما يساعد الانتصار، خصوصا في مجلس الشيوخ، الادارة الحالية في المعارك المقبلة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والامن الاجتماعي. ولم ينجز الجمهوريون كثيرا بالارقام في سباق حكام الولايات، إذ واجه الحزب تدنيا في مراكز قوته، ولكنهم كسبوا ولايتين تعتبران مهمتين رمزيا. ففي فلوريدا فشل الديمقراطيون في الاطاحة بشقيق الرئيس بوش واصبحت أولوية للحزب منذ اخفاقه الانتخابي التام قبل سنتين فيها. وفي ميرلاند اطاح المرشح الجمهوري بالشخصية الديمقراطية المشهورة كاثلين كيندي، الابنة الكبرى لبوبي كيندي.
وينظر إلى السباق الانتخابي في فلوريدا خصوصا، ليس بصفته مساعدا فحسب، وانما بصفته استفتاء شرعيا محليا على الرئاسة الحالية.
فقد ظهر الرئيس «متوجا». وفي الواقع، على رغم أنه لم يكن معنيا في مراكز الاقتراع، لكنه يعتبر الفائز الرمزي على نطاق واسع في الانتخابات الأخيرة إذ دخل في تنافس كثيف في كثير من الحملات الانتخابية، واثبت صدقيته بوصفه زعيما جماهيريا. وكسب مرشحوه المفضلون المعركة عموما. ومن الممكن، بالطبع قراءة الكثير في هذه النتيجة.
والكسب أو الخسارة في الانتخابات عموما يعود إلى قضايا محلية (الأعمال، التعليم، الضرائب، المواصلات، الرعاية الصحية) وكذلك إلى مصالح شخصية. والجمهور الذي فضل بوب اهرليش على كاثلين كيندي في ميرلاند أو ساعد نورم كولمان في هزيمة السفير السابق لدى اليابان ولتر مونديل في سباق مجلس الشيوخ في مينيسوتا لا يعبر عن وجهة نظره في سياسة بوش الخارجية ولكنه أيضا لم يستخدم صوته لمعارضتها، ما يعني أن الرئيس في وضع يسمح له الآن بادعاء التفويض الجديد - كما يرغب بالتأكيد - في حربه المحتملة على العراق والقضايا الأخرى الاحادية الجانب.
إن هذا الجانب من الانتخابات (السياسة الخارجية) هو ما يهم أصدقاء وحلفاء أميركا. ما ينتظره العالم ربما التعبير القوي عن الشك، التردد، التعقل - سمه بما تشاء - عن الصورة التي رسمتها في الخارج خلال أربعة عشر شهرا منذ سبتمبر/ايلول 2001.
ويأمل المراقبون في الخارج أن تساعد الانتخابات في التركيز على المطلب المحلي بالوصول إلى اجابات واضحة للأسئلة المطروحة مثل: إلى أين تتجه ما تسمى بالحرب على الارهاب؟ هل غيّرت تلك الحرب وجهتها؟ وإذا كانت الاجابة نعم فلماذا؟ هل مازالت الولايات المتحدة متعلقة بأفغانستان؟ ما الذي عجل بالضغط الحالي لـ «تغيير النظام» في العراق؟ ماذا عن كوريا الشمالية، الهم الرئيسي لليابان؟ وما دلالات استراتيجية الأمن القومي الجديدة بخوض الحرب بصورة منفردة؟... لم تجد أي من هذه القضايا اهتماما كبيرا في النقاش الدائر قبل الانتخابات.
هناك تفسيران محتملان، في الواقع ربما لم يفكر الأميركيون في شكوك جادة عن الوجهة التي يتبعها رئيسهم في الخارج، وهو استنتاج تدعمه النتائج الأخيرة للانتخابات.
اذا كانت فكرة غزو العراق، على سبيل المثال، قضية اساسية، فهي لم تضر بالتأكيد حزب الرئيس. ومع ذلك يمكن قراءة الانتخابات الأخيرة بطريقتين: تدعم غالبية الأميركيين الغزو تحت ظروف معينة، ولكن هذا العدد يتناقص تدريجيا. ومن المرجح أن الأميركيين لم يأخذوا «حديث الحرب» بجدية بأعداد كبيرة، ويمكن أن يتغير ذلك الموقف بعمل مفاجئ.
ومن هنا تكمن أهمية انقسام البيت الأميركي. فالديمقراطيون إلى حد ما لم يعترضوا كثيرا على نهج بوش في السياسة الخارجية، ولكن عندما تثار المعارضة فإننا سنجد بالتأكيد أن هناك ما يكفي من الديمقراطيين في البيت الأبيض ومجلس الشيوخ لوضع الانقسامات كما ينبغي أن تكون
العدد 72 - السبت 16 نوفمبر 2002م الموافق 11 رمضان 1423هـ